|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الخميس 19/7/ 2012                                                       أمين يونس                                          كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

برميل نفط .. مقابل برميل ماء

امين يونس

" أحد أصدقائي كانَ يُطّبِق القول " عش ليومِكَ كأنكَ تموت غداً " .. وبالفعل ، كانَ لايُفّرِط بأي فُرصة ، للصرف ببذخ على الملذات اليومية من مأكلٍ ومشربٍ وتنّزُهٍ ومَلبَس وشراء أشياء لامعنى لها وليس فيها فائدة .. كان يصرف على نفسهِ أولاً ومن ثم على زوجتهِ وأطفالهِ الصغار ، من غير الأخذ بنظر الإعتبار .. لِما يمكن ان يحدث غداً .. وبالفعل .. تمتعَ هو وعائلته وعاشوا ليومهم .. غير ان القَدَر كان لهُ بالمِرصاد .. فلقد ماتَ في حادث .. ولم يترك وراءه إلا الشئ اليسير الذي لايسمن ولا يغني عن جوع . سُرعان ما نسَتْ عائلته ، كُل المباهج التي كان يوفرها لهم الأب ، بإسرافهِ غير المعقول وغير المسؤول .. وسُرعان ما إكتشفوا حجم الورطة التي هُم فيها .. وسُرعان ما إنتقدوا سياسة الراحل وإستهجنوا ضيق اُفقهِ وأنانيته ! " .

حالة صديقي أعلاه ... تشبه حالة الحكومات المتعاقبة في اقليم كردستان .. ففي العديد من المفاصل .. يتصرفون وكان ليسَ هنالك غد .. وكان لاوجود للمستقبل .. وكأن لاعلاقة لهم بالأجيال القادمة . وكمثالٍ على ذلك .. التصرُف ب [ الأرض ] بِخِفة ، وتوزيعها في سبيل إرضاء هذا القطاع من المجتمع أو ذاك ، آنياً . او كوسيلة للكسب الحزبي والدعاية للحكومة .. من غير التفكير بما سيحتاجه الناس بعد عشرين وثلاثين واربعين سنة .

وكذلك السماح والتغاضي عن حفر [ الآبار ] الإرتوازية ، بإسلوبٍ سهل وغريب ، ولا سيما للمتنفذين والمسؤولين والوجهاء والمدراء .. بعيداً عن الحسابات العلمية الدقيقة ، وبعيداً عن الشروط والتعليمات الصارمة التي ، تُقّيِد وتُحّدِد حفر الآبار .. إلا في الحالات الضرورية . حيث ان [ المياه الجوفية ] تحت الأرض ، هي ملكية عامة ، لجميع الناس في الوقت الحاضر ، وكذلك هي إحتياط إستراتيجي للأجيال القادمة . ليسَ نادراً اليوم ان تجد في مساحةٍ لاتتعدى عشرات الدونمات فقط ، عدة آبار إرتوازية محفورة .. واحدة لهذا المسؤول وأخرى لذاك ... ليسَ لإرواء المزروعات وليس للشرب طبعاً .. بل للمسبح المُلحق بالقصر المبني وسطَ أرضٍ صالحة للزراعة ، وسقي بضعة أشجار معظمها للزينة والتباهي ! . ان عدم البدء بعمل سدود على الانهر المارة في اراضي الاقليم ، والتوسع في إنشاء المسطحات المائية .. سيؤدي الى تفاقم الجفاف وشحة الماء في العقود القادمة .

حتى التَسَرُع والتوَسُع .. في إستكشاف وحفر آبار النفط والغاز .. يدخل ضمن سوء التصرُف في الثروات الطبيعية .. لسببَين : الأول .. هو عدم مُراعاة الشروط التي تُحافظ على البيئة في حدودها المقبولة ، بل وإستكشاف وحفر بعض الآبار في مناطق ملآصقة أو قريبة جداً من التجمعات السكنية ، بما يتبع ذلك من أضرار صحية كبيرة . وثانياً .. ان الموارد المتأتية من هذه الثروات [ لحد الآن على الأقل ] لم تُستثمَر في مشاريع إستراتيجية كبيرة ، زراعية وصناعية إنتاجية وسياحية خدمية ، تُوّفر إمكانية التطور الحقيقي ، في المستقبل المنظور ، وتوفر ايضاً فرصاً للعمل المنتج للأجيال القادمة .. بل انها تُهدَر في مشاريع إستهلاكية وتجارية غير ذي جدوى .. وإذا إستمرتْ الأمور على هذا المنوال .. وتحت ضغط السدود التركية والهيمنة الإقتصادية التركية الايرانية المتصاعدة ، وإفتقارنا الى إستراتيجية علمية طموحة .. فسيأتي اليوم ، الذي نبيع فيه برميلاً من النفط " النابض على أية حال " الى تركيا مثلاً ، في مُقابل برميلٍ من الماء ! .. قد يستطيع التطور العلمي ، إيجاد بدائل للنفط والغاز ولكثير من الاشياء الاخرى .. لكن ليسَ هنالك أي بديلٍ لل [ المياه ] .. فالماء هو صنو الحياة بالفعل .

حينها سوف تنسى الأجيال القادمة .. الرواتب والبذخ والفخفخة الفارغة .. التي كان أجدادهم [[ أي نحنُ !]] نقوم بها ، بلا شعورٍ بالمسؤولية .

 

17/7/2012
 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter