|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

السبت 16/6/ 2012                                                       أمين يونس                                          كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

المسافة

امين يونس

هل هنالك حدود واضحة .. بين " التطور الفكري " الطبيعي و " الإنتهازية " ؟ ..

على الساحة السياسية العراقية عموماً .. يتواجد الكثير من الناشطين السياسيين ، الذين تنقلوا بين أكثر من إنتماء سياسي ، وحتى إنتماءٍ فكري . والبعض من هؤلاء .. جريئون وأصحاب فكرٍ ومواقف ، يعترفون بأنهم مّروا بتجارب عديدة خلال مسيرتهم ، وانهم أخطأوا هُنا ، أو ندموا على لحظةٍ هناك . ولكن يوجد آخرون .. يخجلون من بعض محطات تأريخهم .. ويحاولون جاهداً .. أما نكرانها جملة وتفصيلاً .. أو شطب بعض مفرداتها او إضافة البهارات لها ! . ومن المُلاحَظ ، ان نسبةً مهمة من الذين كانوا مُنتمين الى اليسار عموماً ، في السابق ، والى الحزب الشيوعي خصوصاً .. وبسبب ضُعف بُنيتِهم الفكرية والأمية السياسية التي يتصفون بها .. والإستعداد الذاتي للإرتماء في أحضان أحزاب السلطة ، التي بيدها الحُكم ومفاتيح السجون والمعتقلات من ناحية .. وفُرص العمل وتوفير الخبز ، من ناحية اُخرى ... فأنهم بَدلوا إنتماءاتهم الحزبية التي رافقها تغيير في أفكارهم وقناعاتهم أيضاً !.. أكاد ان اُجزم ، بأن كافة الأحزاب الموجودة على الساحة السياسية العراقية اليوم ولا سيما الاحزاب المتنفذة في السلطة .. وكذلك حزب البعث العربي الاشتراكي خلال العقود الماضية .. جميعها .. لا تخلو من كوادر ، كانوا في السابق محسوبين على اليسار .

" هنا اريد ان اُورد ، مُختصر مسرحية " يوسف الصائغ " الموسومة : [ المسافة ] ، التي كتبها في الستينيات من القرن الماضي ..:  مسرحٌ يقف عليهِ شخص ( كان شيوعياً ولكنه إنهارَ بعد القبض عليه وتعذيبه وإعترف على رفاقه أيضاً ) .. وقاعة مُكتظة بالجمهور .. الشخص يقول بصوتٍ مرتفعٍ ومُتحدٍ وهو يُخاطب الجمهور : .. قد تعتقدون بأنني ضعيف أو جبان او خائن .. لكنني أتحداكم جميعاً .. ان لاتنهاروا أنتم أيضاً ، إذا تعرضتُم لنفس ما تعرضتُ له أنا ! .. ولكي اُثبت ذلك .. ليصعد أي منكم الى المسرح .. وسأقوم انا بتعذيبه ، كما عُذبتُ أنا .. وسترون كيف سينهار بسهولة وسُرعة ! .. صمتتْ القاعة وكأن على رؤوسها الطَير .. نظر الشخص اليهم بإستهزاء وتحدٍ .. قهقهَ عالياً .. وأوشكَ ان يُعلن إنتصارهُ .. غير أن شاباً نهض من وسط الجمهور ، وقال بصوتٍ واثق : أنا سأخضعُ للتجربة وأتحداك ! .. تقدم الشاب الى المسرح .. فبدأ الشخص .. ليسَ بتعذيبه مثلما عُذِبَ هو نفسه .. بل بأضعاف ذلك .. مُحاولاً بِكل جُهد .. ان يثبت للجمهور .. انه كان على حق ! .. لكنه لم يستطع أن يهزم الشاب الشامخ .. الذي صمدَ الى النهاية !.. ان [المسافة] شاسعة بين الأثنين حقاً ! " .

ان العديد من اليساريين والشيوعيين خلال العقود الخمسة الاخيرة.. الذين لم يكتفوا بِترك أحزابهم والبقاء مُستقلين .. بل إنظموا الى تلك الأحزاب التي طالما حاربتهم وقمعتهم في السابق .. ولم يكتفوا أيضاً بذلك .. وتمشية أمورهم الحياتية والمعيشية بدون إلحاق الأذى برفاقهم القدامى .. وإنما أصبحوا ملكيين أكثر من الملك .. ومتحمسين للوقوف بوجه أي تَوّجهِ يساري !!. أمتعض من الذين كانوا يّدعونَ " الماركسية " في السابق .. ويمسحون اليوم اجواخ أحزاب الإسلام السياسي والأحزاب القومية ، ويُلَمعون أحذية قادتها !!.

..................................

وليسَ من الضروري أن تكون مُنتمِياً الى تنظيمٍ حزبي .. حتى تكونَ مُخلِصاً لمبادئك .. فالكثير من الحزبيين .. صاروا بُلداء التفكير ، مُتحجرين ، نمطيين . المُهم أن تمتلك حِساً نقدياً ومنهجاً نقدياً متيناً .. تجاه أي شخص وأي شئ !.

  

14/6/2012
 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter