| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

أمين يونس

 

 

 

                                                                                    الأحد 15/1/ 2012

 

تهاني .. وتبريكات

امين يونس

قبل يومَين ، ذهبَ المواطن " م " لمراجعة رئيس صحة دهوك ، بِصدد مُعاملة مُهمة بالنسبة له ، وينبغي عليه إكمالها في موعدٍ مُحّدَد ... لكنه لم يستطيع مُقابلته ، بسبب الإزدحام في مكتب الرئيس او المُدير العام .. والسبب في ذلك الإزدحام ، هو قدوم وفود المُهنئين ، بتسنم الرئيس " الجديد " لمنصبه ! . فما ان يُغادِر منتسبو القسم العلاني من المستشفى الفلاني ، حتى يصل آخرون .. وهكذا دواليك . ومن الطبيعي ، ان أصول الضيافة ، تُحّتِم على المسؤول ، ان يُقّدم الشاي او الشربت ، أي ان يجلس المهنئون لِما لا يقل عن عشر دقائق او ربع ساعة .. ومن البديهي ، ان الدوام ينتهي ، من غير أن يستطيع المواطن المُراجع ، مُقابلة السيد المسؤول ..

والمصيبة انه في اليوم التالي ، تَكّرَر نفس المشهد .. حيث جاء الدَور على كوادر الحزب ، الذين تقاطروا لتقديم التبريكات والتهاني ... وسيكون اليوم الثالث خاصاً لمنتسبي الدوائر الأخرى .. واليوم الرابع للوجهاء وعلية القوم ! ... فإذا إستطاع المواطن المسكين ، من إقناع السكرتير ، بأن حالته مستعجلة ، وتدبير فسحة بين التهاني والتبريكات ، لمقابلة الرئيس ، فأنه محظوظ .. وإذا لم يستطع ، فليشرب من البحر ! ... ومن نافلة القول ، ان الضَرر من هذهِ الظاهرة ، مُرّكَب ، حيث ان المُهنئين يشغلون وقت المدير العام الجديد ولا يوفرون له الفرصة لممارسة عمله .. ومن ناحية اُخرى ، هُم أنفسهم يتركون أماكن عملهم ..

حسب معلوماتي المتواضعة ، أعتقد ان الموظفين والعمال في المؤسسة التي ، يستلم فيها شخص جديد مسؤولية الإدارة ، في البلدان التي تحترم الوقت والقانون .. يقدمون باقة ورد عن طريق ممثلهم ، أو شيئاً من هذا القبيل ، ويهنئونه بحيث ان العملية لا تستغرق سوى دقائق معدودة وينتهي الأمر . بعكس ما يجري هنا .. من تملقٍ مُقنن ، ومُداهنة متراكمة ، وإبداء ملاحظات سمجة حول مساوئ المسؤول السابق ، وإضفاء صفات خارقة على المدير الجديد !. وتصوير الحدث ، وكأنه حلٌ سحري لجميع المشاكل .

ويشرح منتسبو نفس الدائرة " لا سيما من خبراء اللكلكة " ، للمُدير العام الجديد ، بأنه [ لولاهُم ] لِما تبدلَ المدير السابق ، ولولا جهودهم المُضنِية ووقوفهم بوجه سلبياته ، لبقى حتى الآن في منصبه .. مُذكرين أياه ومُحذرينه بطريقةٍ غير مباشرة ، بأنهُم هُم الذين يُديرون الأمور هنا فعلياً !... كوادر الحزب ، ومن بين ثنايا التهنئة والتبريكات ، يحاولون [ إفهام ] المدير العام الجديد ، بأن لا أحد يصبح مُديراً ولا أحد يُعزَل ، من دون أمر الحزب ! .. وعلى الرغم من انه حزبي ، لكن عليه ان يثبت ولائه للحزب أولاً على طول الخط ! ...

رُبما كان المدير العام الجديد أو المسؤول الجديد ( ولا أعني الصحة تحديداً ، بل بصورةٍ عامة ) ... رُبما كان حسن النوايا ، ولديه تَصّور جّيد لتطوير عمل المؤسسة ، والحَد من الفساد ...الخ . لكن هجمة التهاني والتبريكات المُبالَغ فيها ، والضغوطات والتدخلات الكثيرة في عمله ، من الحزب والمُحافظة والعشائر والوجهاء ومافيات الفساد، ومُدمني التملق ... كُل هذه الأشياء ، تُشكِل مخاطر جدية في طريق الإصلاح الحقيقي .. ومُثبِطات للهمم والتطور ... وعصيا في عجلات الإبداع المُفتَرَض !.

في إعتقادي ، الحَل لا يكمن في تبديل هذا المدير او ذاك ، بأشخاص آخرين [ يتعرضون لنفس الضغوطات المتنوعة والمعوقات التقليدية ، التي تحد من عزيمتهم وتسبب لهم الإحباط المُبكِر ] .. بل ينبغي إصلاح المنظومة الادارية بكامل مفرداتها .. وإفساح المجال الحقيقي والواسع ، للمُدراء والمسؤولين الجدد ، لتنفيذ برامجهم وخططهم ، الرامية الى الإصلاح الجذري ، وتوفير الإستقلالية لهم في إتخاذ القرارات المناسبة ، بعيداً عن التأثيرات الحزبية والبيروقراطية الإدارية التقليدية .

مديرية الصحة ، هي مُجرد نموذج ، إذ ان هذه الحالة أعلاه ، متفشية بدرجةٍ او بأخرى ، في أغلب الدوائر والمؤسسات التي جرى فيها .. تغيير المسؤولين مؤخراً .
 

13/1/2012
 

 

 

free web counter