|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأربعاء 11/7/ 2012                                                       أمين يونس                                          كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

" سرسنك " التي كانتْ

امين يونس

لغاية نهاية الثمانينيات .. كانتْ [ سرسنك ] من أجمل المصائف في العراق .. والدليل على انها مكانٌ مُمّيَز من جميع النواحي .. ان الملك إختارها لبناء " القصر الملكي " لمناخها المعتدِل وطبيعتها الخلابة ووداعة سكانها . كان " الفندق الحجري " منذ أكثر من ستين عاماً ، مَعلَماً حضارياً ببناءهِ الفريد ومسبحهِ الجميل وحدائقه الغّناءة .. بل كانَ في سرسنك حينها ملعبان للتنس .. يستخدمه الضيوف ونُزلاء الفندق والمصطافين .. إضافةً الى الكثير من المقاهي والكازينوهات والأكشاك والبيوت السياحية . في السبعينات والثمانينيات .. تطورتْ سرسنك بصورةٍ كبيرة ..واُقيمتْ فيها منشآت سياحية كثيرة ، كانتْ تُنافس مثيلاتها في دول الجوار ، إن لم تكن أحسن منها ! .. فحتى كان هنالك خط طيران سياحي ، ينطلق من " مطار بامرني " القريب من سرسنك ، الى الموصل ثم بغداد ... حيث أتذكر انني سافرت عدة مرات من بغداد الى بامرني في 1972 / 1973 ، وكانت البطاقة على ماأتذكَر بخمسة او ستة دنانير ، وكانتْ أرخص من أجرة تكسي خصوصي !. حقاً ان السياح العراقيين في تلك السنوات الذهبية ، باتوا يفضلون سرسنك ، على لبنان او تركيا اوسوريا .. فكانَ كُل شئٍ مُتوفرٌ فيها : صالة ألعاب فاخرة تحتوي على الكثير من أحدث الأجهزة والآلات .. صالات سينما راقية .. مطاعم أيطالية وفرنسية .. ملاهي ليلية .. بيوت سياحية مختلفة الانواع والاحجام  وفنادق ذات مستوى عالٍ .. فُرق راقصة وموسيقية وغنائية .. كُل هذا تحت إشراف مديرية سياحة مهنية وكفوءة . طبعاً من نافلة القول ، ان " البيئة " الإجتماعية ، كانتْ حينها مُلائمة للتقدم الحاصل في مجال السياحة .

نبذة مُختصرة :

بعدَ أن وضعتْ الحرب العالمية الاولى أوزارها .. وهزيمة الأمبراطورية العثمانية .. كانَ من إفرازات الوضع الجديد .. شَن حملات إبادة ضد المسيحيين والارمن في جنوب شرق الأناضول، مِنْ قِبَل بقايا الامبراطورية العثمانية والاتاتوركية الصاعدة . مما أدى الى هروب الكثير من أهالي القرى المسيحية وتوجههم الى العراق الحديث " الدولة التي كانتْ في طور التشكُل في ذلك الحين ".. وإستقرَ المقام بمجموعة من هؤلاء المسيحيين الآشوريين ، في منطقة " سرسنك " التي كانتْ تحت سيطرة بعض الشيوخ الكرد المسلمين حسب الترتيبات الإقطاعية التي كَرستها السلطات العثمانية قبل ذلك بسنوات ... فجرى الإتفاق بين الشيوخ والمسيحيين المهاجرين ، على إستقرارهم في " سرسنك " على ان يدفعوا جزءاً من إنتاجهم الزراعي والحيواني الى الشيوخ . وفعلاً إستمرَ الوضع لعقود من الزمن .. وكان " كُل " أهالي سرسنك هُم من المسيحيين المهاجرين من تركيا بالأصل .. ولم يكن يوجد أي بيت للمُسلمين الكرد في سرسنك القديمة " عدا بيت الشيخ مُمثل الشيوخ النقشبنديين ، وكان يتكلم السريانية بطلاقة " . في الستينيات كان هنالك بعض الموظفين الحكوميين الذين جلبوا عوائلهم الى سرسنك وإستقروا فيها ، وإكتسبوا عادات وثقافة الأهالي الى درجة ما . بدأت التغييرات الديموغرافية منذ بداية السبعينيات ، حيث اُستقدمتْ العديد من العوائل الكردية المسلمة وبنوا بيوتا في أطراف سرسنك .. لكن بعد 1975 .. أي بعد عمليات هدم القرى التي قامَ بها نظام صدام .. فلقد تم توطين الكثير من العوائل الكردية المسلمة في سرسنك .. وتفاقمَ الأمر بعد إنتفاضة 1991 .ففي حين كان المسيحيون لغاية الستينيات يُشكلون الغالبية المُطلقة من سكنة سرسنك .. فانهم اليوم أقلية ! .

كانتْ هذه المُقدمة الطويلة ، ضرورية في رأيي .. لتبيان الفرق .. بين " البيئة الإجتماعية " في سرسنك قبل ثلاثة عقود .. والبيئة الاجتماعية اليوم .  وليسَ أمراً خافياً على أحد .. ان المناخ السياحي ، بحاجة الى " ثقافة " إجتماعية مُنفتحة .. وكانتْ هذه الثقافة المُنفتحة مُتوفرة حقاً ، لدى اهالي سرسنك " المسيحيين " ، في ذلك الوقت .. أما اليوم وسط البيئة الاجتماعية الغالبة والتي هي من جذور ريفية قروية ، مُتزمتة بصورةٍ عامة .. فأنها لاتُساعد على تطوير السياحة بجميع مُتطلباتها .. بل بالعكس من ذلك .. أنها كابحٌ للتطور والتقدم .

ان المُعالجة السيئة لحكومة الأقليم ، لملف المتجاوزين على البيوت والاماكن السياحية في سرسنك وغيرها " الذين إستولوا عليها منذ منتصف 1991 ".. أدى الى تعقيد المسألة وتشجيعٍ ضمني للمُخالفين .. وبدلاً من ردعهم وإيجاد بدائل معقولة لهم .. فأن الحكومة عّوضتهم عن إخلاءهم لهذه الاماكن السياحية العامة ، ووزعت عليهم قطع أراضي داخل حدود سرسنك ! . والخطوة الخاطئة الاخرى ، هي إنتهاج أسلوب غريب في ما سَمَتهُ " إستثمار " السياحة في سرسنك وغيرها .. حيث أعطتْ المنشآت والأراضي السياحية ، للقطاع الخاص ، تحت أسم [ المُساطحة ] طويلة الأمد ، وبشروط مُجحفة للدولة وفي صالح بعض المنتفعين .. حتى ان الكثير من البيوت السياحية التي بناها " المُساطحون " في السنوات الاخيرة .. باعوها الى الأثرياء وأصحاب الأموال ، لإستخدامها كمنازل خاصة صيفية ، تبقى فارغة أغلب أيام السنة ! ولا يستفيد منها السياح .

عموماً .. ان سرسنك ، التي كانتْ في الثمانينيات " مشروعاً " لمدينةٍ سياحية على مُستوى عالمي ، أضحتْ ، نتيجة للسياسات الحمقاء لصدام أولاً .. وبعد ذلك ، النهج الخاطئ لحكومات أقليم كردستان في التعامل مع ملف السياحة في سرسنك .. أضحتْ مدينةً كئيبة ، ليسَ فيها من متطلبات السياحة شئ يُذكَر . سرسنك اليوم ، تفتقر الى بُنية تحتية مناسبة للسياحة ، وتُعاني من سوءِ تخطيطٍ مُزمن .. وتئنُ من وطأة بيئةٍ إجتماعية مُتخلفة .. للأسف الشديد !.

 

10/7/2012
 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter