| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

علي عبدالواحد محمد

 

 

 

السبت 27 / 9 / 2014

 

دور الحاجات الموضوعية كمحفز للحراك الأجتماعي

علي عبد الواحد محمد

المقدمة :
تبدأ كلمات نشيد الأممية ، الذي انطلق في سماء كمونة باريس ليعبر عنها ، وعن ابطالها ، بل عن حاجاتهم ، واصبح بعد ذلك ، النشيد المعبر عن طلاب الحرية والحياة الجديدة :

هبوا ضحايا الإضطهاد ضحايا جوع الإضطرار
بركان الفكر في اتقاد هذا آخر إنتظار

ويستمر النشيد في هديره ...

كم تمزق اللحم منا مخالب المفترسين
اجلوا سود الغربان عنا تشرق الشمس
كل حين

هذه الكلمات وغيرها تعبر عن الحاجة الى الحياة والى الحرية والى العيش الكريم ....... الخ من الحاجات ! فما هي الحاجة ومن اين جاءت ؟

الحاجة الموضوعية ، تتولد خارج وعي الكائن وإرادته ، فلا يتحكم بها الأنسان او غيره من الكائنات ،الحاجة الى العيش والحاجة الى النوم مثلا ، والحاجات الأخرى تسبق اي نشاط آخر يود هذا الكائن ( ولنقل الإنسان ) القيام به ، وعليه فهو يبتكر الوسيلة لتلبية هذه الحاجة . إن إبتكار الوسيلة هذه يتدخل فيها الوعي الذاتي للقيام بها ، لتلبية الحاجة ، وهي ذاتية لخضوعها الكلي لإرادة الأنسان ووعيه ، فتكون مصلحته متغلبة لتلبية حاجاته ، فتتحول في السياق العملي وفي ميدان التطبيق الى عملية مبرمجة خاضعة لقناعة هذا الفرد او هذه الجماعة لتلبية الحاجة الموضوعية .

والحاجات هي قضايا عامة تتشارك فيها الكائنات الحية من نباتات وحيوانات ، بما فيها الإنسان بينما تكون المصالح قضايا خاصة لهذا الإنسان او ذاك ، فمثلا يعتبر الطعام ، المصدر الأساسي ، بالنسبة للإنسان والكائنات الحية الأخرى ، للحصول على الطاقة ، التي تمد الكائن وتديم حياته ، وبالنسبة للأنسان تنوعت طرق الحصول على الطعام ، وتوزعت ما بين البحث عنه، وما بين انتاجه. هذا التنوع بطرق الحصول ،هو المصلحة المنعكسة عن الحاجة للطعام .والمصلحة هنا حالة خاصة بكل واحد حسب تفكيره وتصوره عن اصلح وسيلة للحصول على حاجاته.

و قد تلتقي المصالح في بعض الأحيان لإناس غير متجانسين ،بل لطبقات متناحرة ، كما حدث مثلا في الحرب العالمية الثانية ، عندما التقت مصالح البشرية ، وانظمتها السياسية الإجتماعية المختلفة في محاربة الفاشية ، والنازية والحربجية اليابانية ، وتشكلت جبهة الأمم لدحر الفاشية وحلفائها ، وتلتقي المصالح اليوم لمحاربة خطر الأرهاب الداهم المتمثل في داعش وحلفائها . والسعي لتشكيل اوسع تحالف دولي لدحر هذا الخطر المهدد للبشرية.

ان جذب الناس لجهود تأمين الحاجات والمصالح ،لا تتم بالشكل الأمثل ، الا اذا كانت هناك عملية متواصلة من التنظير لأهمية سلوك هذا الطريق او ذاك لتحقيق المصلحة ، عملية تتزامن مع التهيؤ للتنفيذ وتستمر لما بعده ، يقوم بها الأفراد او الجماعات ، تترسخ في الأذهان وتصبح ملازمة ، فتتشكل قيم ثابتة ، وازالتها تسبب الألام والأنتكاسات النفسية ، فالمتتبع للمجتمع البدوي حيث صعوبة الحياة ، وقلة المياه والمراعي ، والمصادر الإقتصادية الأخرى ، هذه الظروف الحياتية وحاجات سكنة الصحراء ، انعكست عنها مصالح معينة وسبل خاصة لتلبيتها ، ابرزها غزو القبائل لبعضها البعض ، وطرق تقسيم الغنائم . وتم تأطير ذلك بالأعراف والقوانين الحياتية ( القيم ) ، وصار الذي لا يشارك في الغزو لا يحصل على نصيب مما كسبت القبيلة ، وقيلت الأمثال ، والقصائد الشعرية التي تمجد السيف والمغنم ، بل وسنت القوانين التي تحدد الحصص من هذه المغانم. وما زال الناس يتداولون بعض قواعد المجتمع البدوي على الرغم من ابتعادهم عن الصحراء وظروفها إلا إنها قوة رسوخ القيم البدوية في وعيهم يدفعهم الى التمسك بتلك القيم وترديدها من مثل زلمة ليل ( الما يبوﮒ مو زلمة وغيرها ). اذن وبشكل مبسط يمكن القول إن الحاجة تكون موضوعية بينما المصلحة تكون ذاتية ، خاضعة كليا لوعي الأنسان ومداركه ، ومنها تتكون القيم ، وهي الأفكار والتصورات عن صحة الطريق الذي يسلك ( المصلحة ) .

عندما يدور الحديث عن الأنسان في العصر الراهن ، نلاحظ ان التطورات المستمرة في الحياة تطرح يوميا حاجات جديدة ومتنامية امام البشرية ، لم تكن معروفة في السابق من ضمن حاجات الأنسان ، فالأنسان القديم الذي كانت تكفيه ابسط الأشياء ، تحول الى انسان آخر يسعى دائما لتوسيع مداركه ومعارفه عن العالم المحيط ، ويسعى لتغييره ، ان هذه الحاجة ( الحاجة الى التغيير ) تطورت على مر العصور ورافقت البشرية في تطورها منذ المشاعية وليومنا هذا . منذ التقسيم الإجتماعي الأول للعمل (انفصال الزراعة عن الرعي) الى عصر الفضاء والتكنولوجيا المتطورة ، تكنولوجيا النانو مثلا . ان الحديث ليطول عن الحاجات المتنامية للناس .

لتطمين الحاجات المتنامية تبرز الميول التالية التي ترتبط (كما توضح) بالمصلحة :
1) ميل الأشتراك في النشاط السياسي الساعي الى تطمين الحاجات الموضوعية :
ينخرط في هذا الميل نوع من الناس ، يُحتم عليهم وعيهم ، بان الطريقة المثلى لتحقيق حاجاتهم ، هي الأنخراط في العمل السياسي، فتصبح مصالحهم مرتبطة بالأحزاب والتنظيمات، التي تتوافق برامجها ومطابها مع هذه الحاجات. وبدورها تعمل الأحزاب من خلال برامجها وطرق نضالها على ان تكون فعلا الأداة المعبرة عن طموح هذا النوع من الناس الذين تلتقي مصالحهم مع مصالح الطبقة او الطبقات المعبرة عنها هذه الأحزاب . فتمثل الأحزاب الطليعة السياسية للطبقة المعنية .

وفي ظروف النضال السلمي للأحزاب ، ترى الجماهير من يمثل مصالحها من خلال البرنامج الإنتخابي للحزب المعين ، خاصة إذا كان البرنامج يضع في اعتباره ان الحاجات في تنامي مستمر وفي تطور دائم يتناسب مع مستوى التطور الحاصل في البلد وفي العالم . وبذلك يعمل الحزب على وضع ستراتيجيته وتاكتيكاته على ضوء حاجات الطبقة التي يمثلها . فلو نظرنا الى الخبرة التاريخية للأحزاب الشيوعية في العالم ومنها الحزب الشيوعي العراقي ، نجد ان الأخير قد حرص ان تكون برامجه ، وتنظيمه وحركته معبرة عن حاجات ومصالح الطبقة العاملة العراقية ، والفلاحين العراقيين وبالتالي اصبحت معبرة بالضرورة عن حاجات ومصالح الشعب العراقي ، فعلى سبيل المثال ان شعار وطن حر وشعب سعيد لا يخص العمال لوحدهم.

2) ميل العزوف عن النشاط و المشاركة في النشاط السياسي :
هذا الميل وللأسف يشمل الأكثرية ، من الناس ، الذين يجدون إن النشاط السياسي يكلفهم كثيرا ، خاصة في ظروف القمع والإستبداد فصاغوا من وجدانهم القيم التي تبعدهم اكثرعن هذا النشاط ، فرددوا امثال ، مثل : "إبعد عن الشر وغنيله" ، ومثل "الياخذ امي اسميه عمي" ، وعندما بلغ القمع اوجه في نهايات سبعينات القرن الماضي رددوا الأمثلة من مثل (اوّقع واللي بﮕلبي بﮕلبي) لتبرير التوقيع على تعهد بعدم ممارسة العمل السياسي . بل وبلغت الممانعة عند بعضهم الى محاربة الناشطين السياسيين، وصار البعض الآخر من هؤلاء موالين لكل السلطات بما فيها السلطات القمعية .

3) وهناك ميلانان آخران ، احدهما ، الأكتفاء بما تقدمه الطبقات المالكة واعتبار هذه الخدمات الشحيحه منجزات.
وميل اخر هو ، الحصول على الحاجات بالطرق الملتوية كالغش والسرقة والفساد والرشوة وغيرها من الموبقات التي يدخل حتى الأرهاب من ضمنها ، فليس غريبا ان نقرأ في وسائل الإعلام بأن لكل عملية ارهابية سعرها ولكل ارهابي مخصصاته المالية، والكل يعرف ما تستحوذ عليه داعش من اموال الشعب العراقي لتمويل اعمالها.

خلاصة القول ان الحزب وخاصة الحزب الجماهيري ، كالحزب الشيوعي العراقي ، يضع في اعتباره عند صياغة برنامجه ، مصالح وحاجات الجماهير الكادحة نصب اعينه وإن هذه المصالح والحاجات خاضعة للتطور تبعا للتطور الحاصل في المجتمع العراقي وفي العالم وتبعا لتطور طرق النضال اليوم ونعني بها النضال السلمي عن طريق صناديق الأقتراع والنضال المطلبي السلمي المصاحب لها ، وإن التركيز على الحاجات الموضوعية للكادحين اكثر فأكثر الى النضالات.
 


 

Counters