| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عودة وهيب
aoda50@hotmail.com

 

 

 

الثلاثاء 22/12/ 2009



اللطم من اجل (الهريسة)

عودة وهيب

منذ (نعومة) أفكاري، كانت تشدني إلى العزاء الحسيني قوة خفيه، رغم أني لم أكن افقه شيئا عن معاني الثورة الحسينية العظيمة .

كنت وأصحابي نتنطر قدوم عاشوراء على أحر من الجمر، لا لسبب عقائدي ، لاننا لم نكن نفقه ذلك ، بل لأن رقابة أهلنا ومحظوراتهم العديدة تتلاشى أو تضعف في عاشوراء ، وتتاح لنا فرص السهر والتجوال إلى وقت متأخر .
كان عاشوراء بالنسبة لنا فرصة للهو والمرح مع ما يرافق ذلك من التباهي بأحمرار الصدور نتيجة اللطم ،خاصة إذا كان اللطم في النهار وبحضور النواهد ، وكنا نحزن ونحتج إذا قرر( الملا ) عدم الانطلاق بموكب اللطم إلى أماكن خارج مجلس العزاء .. أما إذا قرر (الملا) أن يكون اللطم من موضع الجلوس فانه سيتلقى سيلا من شتائمنا السرية التي نحرص على أن لا يسمعها الكبار.

عندما كبرت قليلا صرت أتحمس للمعارك التي (كان) أصحاب الحسين (ع) وأفراد عائلته يخوضونها ضد أصحاب يزيد، وكنت أتمنى بصدق أن تعاد المعركة فأشارك فيها، لذا كنت اردد بحماس مقولة (يا ليتنا كنا معكم سيدي فنفوز فوزا عظيما) ، وكنت أرى في كل ( اللطامة ) جنودا جاهزين للقتال إلى جانب الحسين (ع)، وكنت اعذر ( فلان وفلان) اللذين نسمع أنهم يحتسون الخمر ويفعلون الموبقات في الأيام العادية، وكنت أرى في حماسهم الاستثنائي في اللطم وضرب القامة دليلا على صحوة الضمير، وكنت حين أراهم في اليوم الثاني احسبهم كأبطال عادوا لتوهم من ساحة الجهاد مع الحسين (ع) فأهش لهم بالسلام .

كبرت أكثر فسمعت من يقول : ( إن فلانا لا يلطم حبا بالحسين ولكن من اجل الهريسة ) فاستنكرت الأمر وقلت لنفسي: ( وهل يعيب المقاتل - اللطام - أكل الهريسة كي يستعد لجولة أخرى من القتال الافتراضي ( اللطم ) ؟!!
غير إني ولكثرة ما تردد هذا القول إمامي صرت كلما أتناول الهريسة ،سواء في عاشوراء أو في رمضان، أحاول أن أجد شخصا من معارفي ينطبق عليه ذلك الوصف السيئ فلم أجد، فكل اللطامة، من وجهة نظري آنذاك ، هم (عبيد الزهرة) المستعدون للتضحية بإشارة منها...

وراهقت و(راهقت) معي همومي، التي صار جلها سياسيا، فصرت أعجب اشد العجب من خنوع هؤلاء الأبطال (اللطامة) لارادة الرفاق البعثيين ، وصرت أتساءل باستغراب : ( كيف يرضخ هؤلاء الأبطال الذين يمنّون أنفسهم ليل نهار بالشهادة مع الحسين،لإرادة السلطة ، كيف لا يثورون ؟!!)

ثم زاد استغرابي امتناعهم عن اللطم شيئا فشيا خوفا من البعثيين وصار لطمهم في أحسن الأحوال من موضوع الجلوس (المشين - من وجهة نظري آنذاك ) ، واعترف إن أول إعجاب شدني إلى الشيوعيين هو انخراطهم الجريء في مواكب اللطم بل وقيادتهم لبعض هذه المواكب بحماس ، وكنت أتسقط أخبار وردّات (موكب الرميثة) و(موكب الكاظمية) التي كان اغلبها سياسيا، وصرت احتقر السادة والشيوخ والمعممين الذين يعارضون حماسنا للانطلاق بمواكب اللطم إلى الشوارع، ويطلبون منا أن نلطم في داخل الحسينية أو الجامع أو المضيف ،أما من يحاول إنهاء لطمنا ولو بأسلوب دبلوماسي معروف عبر ترديد عبارة ( مأجورين...مأجورين ) فإننا، وعنادا له، نزيد من حدة اللطم، ..وكنت احقد على سيد ( ...) الذي يبادر دوما إلى توزيع الهريس لإنهاء لطمنا ، وعندما شاهدت أعدادا من الناس يتركون اللطم ويهرولون إلى الهريسة صدقت لأول مرة أن ثمة من يلطم لأجل الهريسة لا من اجل الحسين ، فخاب ظني..
صرت اكره الهريسة لارتباطها بالنفاق،وصارت ابغض المأكولات عندي ،والى ألان .

ومرت الأيام.. وتبدلت الأحوال.. وسقط النظام.. وجاءت (عواشير) عدة زاهية بالاعلام السود وبمواكب اللطم والتطبير..
صرت أراقب بفرح غامر وعبر شاشات الفضائيات ملايين اللطامة و(القامجية) وهم يواسون ابا عبد الله الحسين(ع)، وأفرحتني هذه المناظر الإيمانية الرائعة ،وأُعجبت كثيرا بمواكب (المشاية) المليونية ، واطلقت حسرة على أيام طفولتي حيث حرمت من هذه النعمة لمحدودية هذه الممارسة وقتذاك...

رحت أفكر في حال شعبنا المؤمن الذي يتحدى الإرهاب ويتحمل الصعاب من اجل نصرة مبادئ الحسين(ع) في العدل والإنصاف ومحاربة الظلم والفساد فشكرت الله على نعمة الإيمان التي منّ بها على شعب العراق..
لا ادري كيف ذهب خيالي إلى مظاهر الفساد والخراب في عراق اليوم..
قلت لنفسي : إن (ملايين) العراقيين يذوبون عشقا في الحسين (ع) فمن أين أتتنا (ملايين) السلابة والعلاسة والصكاكة والمشلغمين والمفخخين والقتله واللصوص والحواسم والمهربين وسارقي الاثار والمزورين ،وووووووووو ؟
هل هناك شعب أخر غير هذا الشعب المؤمن يعيش على ارض الرافدين (ارض الحسين-ع-)؟
هؤلاء هم العراقيون..
يلطمون ويبكون ويصلون ويصومون ويزورون، فمن يسرقنا يا ترى..؟
هاهم، وبشهادة الكاميرات، تتحرك مواكبهم المليونية صوب الحسين (ع) لمواساته ..
هاهي مواكب الإيمان يضج ضجيجها فمن أين يأتينا الفساد يا ترى؟!
إذا كنا بهذا الإيمان الكبير وهذه التقوى الرائعة فمن نهب العراق وحوسمه؟!
من يسرق النفط ؟ من يسرق أدوية الشيوخ والأطفال ؟
هل يعقل إن احد هؤلاء اللطامة يلطم معنا في الليل ويسرقنا في النهار ..؟!
لو إن القضية تخص ألفا أو ألفين، أو حتى مئات الآلاف ، لوجدنا تبريرا وعزاء، ولكن هذا الخراب الهائل يحتاج إلى ( تضافر) جهود ملايين السلابة والعلاسة والصكاكة والمشلغمين والخاطفين والقتلة ، فمن أين جاء هؤلاء؟!
لا يوجد غير تفسير واحد وهو:
إن أعداد الذين يلطمون لأجل الهريسة لا لأجل الحسين -ع - صارت أعدادا مليونية...
وامصيبتاه...واحسيناه
 

 

 

 

free web counter