| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عودة وهيب
aoda50@hotmail.com

 

 

 

الأثنين 14/12/ 2009



قراءة في تفجيرات الثلاثاء الدامية

عودة وهيب *

رغم إن تزامن تفجيرات الثلاثاء الدامية مع موسم الانتخابات يحمل دلالات استثنائية مرتبطة بالصراع على السلطة ، إلا إنها ليست حدثا استثنائيا أو منقطعا عن مسار الأحداث في الساحة العراقية ، بل هي حلقة في سلسلة اعتداءات ابتدأت منذ سقوط النظام ألصدامي ، وهي جزء من معركة شعبنا ضد أعداء حريته ونظامه الديمقراطي الوليد.
هذه السلسلة تتكون حلقاتها من خليط غير متجانس من الأعداء (خارجيين وداخليين) وكلهم يرمون إلى وأد التجربة الديمقراطية الوليدة.

وقبل أن توجه هذه الجرائم أية رسالة لأي طرف فإنها تؤكد لشعبنا إن سقوط نظام البعث لا يعني سقوط منهجه، ولا يعني انتصار العراق على أعدائه انتصارا نهائيا، فمنهج البعث ( منهج التمييز بين المواطنين وخاصة في توزيع الوظائف الحكومية المهمة، والاستهانة بمصالح العراق العليا، وغض النظر عن الفساد والمفسدين، والاستهانة بأرواح العراقيين ) قائم ألى الآن في العراق ويسير عليه بعض من يدّعون معاداة ومحاربة البعث ، وهذا المنهج يسهل لأعداء العراق إيجاد حواضن لهم حتى بين من يفترض إن التغيير جاء لصالحهم .
كما إن الانتصار النهائي للشعب العراقي على منهج البعث وعلى الإرهاب لا يزال بعيدا عن متناول اليد، فها هي تفجيرات الثلاثاء وقبلها الاربعاء والاحد تجيء بعد ست سنوات من سقوط النظام وفي ظل حكومة يفترض أنها حكومة وحدة وطنية ، ماذا يعني هذا؟
انه يعني كلمة واحدة وهي (الفشل)، وهو فشل أساسه الاخفاق في تفضيل مصلحة العراق على المصالح الفرعية الأخرى..

لو تمحصنا في الفشل الأمني، وعدم القدرة على القضاء على الإرهاب، ووصول الإرهابيين إلى مراكز حكومية محمية جيدا ، وتطور العمليات الإرهابية إلى عمليات نوعية مدمرة ومتحدية، لوجدنا إن وراء هذا الفشل (ألامني) تغليب المصالح الفرعية على مصالح الوطن ذلك لان حراسة الأمن أسست على مقتضيات المصالح الفرعية وليس على أساس مقتضيات المصلحة العامة مما اغرق الأجهزة الأمنية بغير الكفوئين وغير المخلصين بل وأُدخل إلى هذه الأجهزة حتى أعداء الشعب العراقي وأعداء تجربته الديمقراطية.

للأمن في العراق ثلاث وسائل إستراتيجية لا يستقر ألأمن دون وجودها وقد فشلت ( أو قصّرت ) حكومة السيد المالكي بانجازها وهي :
أولا : عمل بطاقة أحوال مدنية شخصية ذكية يصعب تزويرها وتحتوي على معلومات ترتبط بالأمن كبصمة الإبهام وبصمة ال(دي ان أيه - الحمض النووي) عبر إجراء إحصاء سكاني شامل .أن وجود مثل هذه البطاقة سيشل عمل الخارجين عن القانون ويجعل من وضع المتسلل إلى العراق صعبا للغاية ويساعد على كشف المتورطين في الجرائم.
إن فشل تحقيقات الأجهزة الأمنية في الوصول إلى الجناة ، وقدرة الإرهابيين على التحرك الحر داخل المدن العراقية وعبورهم للسيطرات بكل يسر مرده بالدرجة الأساس إلى عدم وجود هذه البطاقة.

ثانيا : وضع (نظام الكتروني) لنظام المرور في العراق لتسجيل عائدية المركبات ولمنح إجازات سوق ذكية (الكترونية) بحيث تستطيع الشرطة الحصول على معلومات كاملة عن المركبة ومالكها لمجرد إدخال رقم لوحة المركبة في جهاز الكمبيوتر الذي يحمله الشرطي، والحصول على معلومات كاملة عن السائق لمجرد إدخال رقم إجازته في نفس جهاز الكمبيوتر، وهذا النظام معمول به في كل الدول المتطورة ولو طبق في العراق لجعل من استخدام الإرهابيين للمركبات في التنقل أو التفجير امرا صعبا للغاية ومحفوف بالمخاطر وليس كما يحصل الان.

ثالثا : تسجيل ملكية شرائح الهاتف النقال (الذي هو الوسيلة الأساسية لأغلب النشاطات الإرهابية وأعمال الخطف) لمعرفة هوية مالكي الشريحة ولاتاحة الفرصة لمراقبة مكالمات المشتبه بهم .
صحيح إن عملية التسجيل هذه استخدمت في العراق إلا انها لم تكن فعالة ابدا لعدم وجود بطاقة الاحوال الشخصية الذكية ولعدم تشدد الاجهزة المختصة في مراقبة بيع شرائح الهاتف النقال ولانتشار الفساد في كل مفاصل الدولة ، كل ذلك ادى إلى سهولة الحصول على شرائح الهاتف واستخدامها في العمل الإرهابي من بدايته إلى نهايته بكل حرية.

أن فشل حكومة السيد المالكي ( أو تقصيرها ) في تطبيق الوسائل الإستراتيجية (الثلاث) الرادعة للإرهاب والفشل في تأسيس القوات الأمنية على أساس وطني (وليس على أساس المحاصصة) رافقه فشل ملحوظ في المعالجة السياسية للإرهاب وتجفيف منابعه وحرمانه من أية حاضنة واعني به الفشل في تحقيق مصالحة وطنية حقيقية تعزل الإرهابيين وتحصرهم في زاوية ضيقة ..

إن عدم الإسراع في انجاز وسائل الردع الإستراتيجية التي ذكرتها وعدم إعادة بناء القوات المسلحة على أسس وطنية وتطهيرها من العناصر غير الكفوءة وغير المخلصة والمعادية لتجربة العراق الديمقراطية ، وعدم انجاز المصالحة الوطنية الحقيقية ، سيجعل من القضاء على الإرهاب أمنية مستحيلة التحقيق، وما دامت الأمور سائبة هكذا في بلدنا فلنا أن نتوقع تكرار حدوث تفجيرات ارهابية خطيرة أخرى .
 

* إعلامي مقيم في كندا

- المقال كتب كجزء من استبيان للاراء اجرته وكالة ( آكانيوز كردستان للانباء ) بعد تفجيرات الثلاثاء
 

 

free web counter