| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبدالآله السباهي

 

 

 

 

الأثنين 10/9/ 2007

 

 


ذكريات مرت منذ خمسين سنة


عبد الإله السباهي

لقد أشرقت الشمس اليوم وراحت تتناثر على بحيرات كوبنهاكن وقد أشيدت مؤقتا أكشاك ملونة على طول الساحل الشمالي لتلك البحيرات لتحتضن ثقافات أوطان هجرها أهلها بمهرجان سنوي الهدف منه تعريف الدنماركيين على تلك الثقافات أو ربما وسيلة للتنفيس من الكآبة التي أنهكت روح هؤلاء. كان للعراق كشكان في تلك الزحمة . أحدها كفعاليات نسوية وأخرى نسوية أيضا واقام الأكراد العراقيين كشكا منفصلا وبعيدا يضلله علم دولة كردستان .وراح كل يعرض ما لديه من الخردوات من (مهافيف الخوص و تمر الإيراني والبخور الهندي وما شابه ) .
تذوقت في إحد الأكشاك حبات من التمر ثم شربت فنجانا من القهوة ولم أشعر بطعم التمر أو مذاق القهوة التي عرفناها هناك في بغداد . رحت أفكر لعلني أهتدي للكيفية التي تؤثر تربة الوطن على كل شيء فيه فتعطيه صفات لا تجدها في غيره ولماذا نظل نحن العراقيين مشدودين إليه دون خلاص.
الحجارة في وطني المحتل لها لونها وللنبات خضرته أخرى وطعم ثمره مميز لا يتكرر وحتى الإنسان الذي ولد هناك له خصال وعادات تختلف عن طبائع عباد الله الآخرين . لا أريد هنا أن استفزكم بالحديث عن برحي الفاو أو بريم العمارة ولا عن خستاوي شثاثة أو زهدي الحلة وتبرزل بغداد وأشرسي راوه.
ولا عن برتقال بعقوبة أو رمان شهربان .
ولا عن تين السليمانية أو بطيخ سامراء أو رقي الموصل .
فلا أشهى ولا ألذ منها في كل الدنيا أو على الأقل كما نراه نحن العراقيون .
وحديثي عن الإنسان العراقي كيف كانت طباعه قبل اليوم وهو سيظل يتغير كل عشر سنين ؟ :
شاء قدري أن أولد في حقبة كان العراق يبدل ثوبه وقادته باستمرار ولا يعجبه العجب ! .
عشنا في أيام الملكية ، وكنا نهتف للملك ولفلسطين رغم طراوة حناجرنا في تلك المرحلة .والنتيجة ؟ لا فلسطين ولا الملك .
ثم هتفنا بحناجر شابة للزعيم وللحزب والنتيجة معروفة .
وهتفت الملايين من جديد لجلادها ثم شنقته بعد ذلك في ليلة عيد .
وهتفنا للديمقراطية وتلطخت أيدينا بحبر العار والنتيجة صخام وجه.
واليوم الملايين تهتف للحسين الشهيد وهي التي قتلته ألف مرة وستقتله من جديد فالحسين فكر وعقيدة ورحمة قبل أن يكون جسما وروحا !
ونحن هنا نعيش في الغربة (نجتر) الذكريات فيما بقي لنا من السنين نستعيد ذكريات العمر وتجاربه فتحولنا إلى ( محللين سياسيين وخبراء ستراتيجيين ومنظرين وشعراء ووو) والناس تقتل هناك والكل تهتف فدوه المهم سلامة الوطن !
ذكرتني سلامة الوطن هذه بتجربة شخصية مرت منذ خمسين سنة .
كنت آنذاك في عزّ الشباب ولا أرى في الدنيا غير الكفاح والنضال وفورة الحماس والعمل.
وفي عام 1957 خضت تجربتي الأولى باكتشاف عالم آخر غير العراق الذي لم أكن أعرف غيره وكان ذلك بمحض الصدفة وكأنه حلم جميل لم أفق منه إلى الآن.
لا أعرف كيف تجمعنا حينها . وكيف تسنى لنا الحصول على جوازات سفر وكيف نقلتنا شركة ( نيرن) بسيارتها العملاقة إلى دمشق ومن هناك إلى ميناء اللاذقية حيث شاهدت البحر لأول مرة .
جازفت بالركوب على الباخرة التي راحت تمخر البحار إلى روسيا لحضور المهرجان العالمي للشباب في موسكو.
أستغرب كيف لم يكتب أحد من الذين حضروا ذلك الحدث الهام . والمشاركون فيه كانوا يعدون بالمئات ومن شرائح فنية وأدبية كبيرة وأسماء لامعة في عراق تلك الفترة. لا أريد أن أسترسل هنا فهذا ليس موضوع حديثنا.
المهم وبعد عودتنا من موسكو (وهنا بيت القصيد) إلى دمشق سكن غالبيتنا في بيت كبير في حي( القصاع) على ما أذكر ننتظر العودة إلى العراق .
كانت سورية في تلك الفترة تمر بمرحلة ازدهار ( وطني ) وكانت تتعرض لتهديدات تركية فانخرطنا في صفوف المقاومة هناك ورحنا نتدرب على السلاح فوق جبل قاسيون دفاعا عن الوطن الكبير وعن أحلامنا في العيش الحر! .
كانت فلول الحزب القومي السوري "وهو حزب عميل كما كان يقال لنا" ،كانت لا تزال تعشعش في مناصب حكومية عدة . ومن سوء حظنا نحن العراقيين و ( الفقير فوق الجمل والجلب عضه) أن مسوؤل الجوازات في ميناء اللاذقية كان واحد هؤلاء القوميين . باع هذا كافة المعلومات المتعلقة بجوازات سفرنا إلى الأمن العراقي ولا أعرف عن أي طريق أو كيف .
المهم أسماء الوفد العراقي أصبحت بحوزة التحقيقات الجنائية العراقية والتي كانت بقيادة الجلاد بهجت العطية الذي لا يرحم.
وعندها كلما عاد واحد منا إلى العراق القت الشرطة القبض عليه في أول نقطة حدودية .
فيعلن الخبر إلى الساكنين في ( القصاع ) أنه تم القبض على فلان وفلان مع خطبة مقتضبة من قادة الوفد لرفع المعنويات تختم ب ( المهم سلامة الوفد ) وهكذا إلى أن تم القبض على كل أعضاء الوفد عدا من عاد إلى الوطن بطريق غير شرعي .
وهكذا نحن اليوم في ( قصاعنا ) الجديد نسمع يوميا أن قتل في العراق فلان وفلان ممن لم يجد طريقا للفرار من ( ديمقراطية ) قوات الإحتلال ومرتزقتهم ومن وكلاء الله الذي اختص بهم العراق وحده ومن اللاهثين خلف حور العين ويظل حكامه وقادته يهتفون ( المهم سلامة الوطن ) .
وهكذا تي تي مثل ما رحتي جيتي .