| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبدالآله السباهي

 

 

 

 

الأثنين 10/10/ 2011

 

الباص رقم واحد

عبدالآله السباهي

بعد أن تركت العراق هربا من ملاحقات أزلام النظام السابق تاركا، زوجتي وأطفالي الصغار فيه، رحت أذرع شوارع عمّان ومقاهيها بحثا عن طريق آمن للوصول إلى أوربا، لتلتحق بي عائلتي فيما بعد، كي نبني فيها حياتنا من جديد لنعيش بكرامة وحرية.

التقيت في أحدى مقاهي عمان برجل عراقي، تشرد من وطنه مثلي، طويل القامة ذو جسم رياضي، كان اسمه مأمون. كان الرجل شديد الحذر، وربما كان حذر أكثر مني، ولم يجمع بيننا لقاء سابق، أو معرفة مسبقة إلا عندما التقينا عند مساعد مهرب في تلك المقهى، التقينا هناك صدفة، وهناك أجزل لنا هذا (المهرّب المشبوه) الوعود المعسولة في إيصالنا إلى البلد الذي نريده، وبطرق مضمونة، فتملكنا الخوف من تلك الوعود الخيالية والحياة قد علمتنا الكثير.

تركنا المقهى الذي التقينا فيها دون أن ندل المهرب على عنوان لنا، وكل ما أعطيناه وعدا باللقاء في اليوم التالي.

عند خروجنا من المقهى سرنا سوية أنا و مأمون، ورحنا نلف وندور في أسواق عمان وقد شعرنا حينها كأننا مراقبين، فأخذنا نضيع الأثر على مساعد المهرب، أو على من كان يراقبنا من رواد تلك المقهى.

بعد أن تعبت أرجلنا تماما من ذلك المشوار الطويل في أسواق عمان المكتظة جلسنا في أحد أركان ساحة الملعب الروماني وسط عمان، وهناك رحنا نقلب العرض المقدم لنا من قبل المهرب، والذي كان من شروطه أن نعطيهم جوازات سفرنا العراقية ليضعوا عليها تأشيرة دخول إلى هولندا، وكما قال المهرب أن التأشيرة مضبوطة مائة بالمائة يشتريها هو بثلاثة آلاف دولار من أحد موظفي السفارة. ورحنا نقلب كل العروض التي كانت قد قدمت لنا من هذا المهرب أو من غيره، والمصيبة أن هناك من معارفنا العراقيين يؤكدون على أن فلان مضمون وفلان أوصل عائلات عدة إلى أوربا عن طريق ماليزيا! (وهناك مثل ساري في بغداد يقول : يا الرايح إلى كركوك مرّ بالسماوه).

لم نطمأن لحديث المهرب طبعا، وكان حرصنا على جواز السفر وصل حدّا غير مبرر، فما هو إلا وثيقة لا يمكن السفر بها أبعد من عاصمة الأردن ورحنا نقلب الاحتمالات الممكنة ووصلنا إلى مرحلة اليأس، وأصبحنا نبحث في الخيارات التي ما وراء تلك المرحلة..

افترقنا في ذلك المساء على أمل اللقاء بعد ثلاثة أيام، و في ذات الركن من الملعب الروماني عسى أن يستجد شيء.

في اليوم التالي ذهبت أنا إلى أحد الصاغه الأردنيين الذين تربطني به علاقة صداقة بدأت عندما زارني الرجل في دكاني في بغداد، باحثا عن منهوبات الكويت من الماس فدللته على أحد الصاغه الذين تعاطوا شراء وبيع تلك المنهوبات.

وثق الرجل بي عندما رأى أنني لا أتعاطى بتلك البضاعة المنهوبة، وكنت قد زرته عند وصولي إلى عمانّ محملا بهدايا من العراق قبل شهرين.

عند زيارتي له هذه المرة رحب بي كثيرا ووجدت عنده في المحل رجلا وقورا بدت عليه آثار النعمة، يجلس على الأريكة الفخمة التي احتلت أحد أركان المحل.

عرفنّي صاحبي على الرجل فقدمه لي كونه القنصل الفخري لدولة (بليز) في عدد من البلدان العربية.

لم أسأله أين تقع دولة (بليز) تلك كي لا أكشف عن جهلي بجغرافية العالم، ولكنني سألته أن كان بإمكاني زيارة هذا البلد؟

هنا بادر صديقي الصائغ بالإجابة نيابة عن القنصل الفخري بالإيجاب، محددا سعر تأشيرة الدخول لدولة (بليز) بألف دينار أردني إذا كان جواز سفري نظامي وغير منتهي الصلاحية.

قبلت العرض فورا بعد أن يئست من مماطلات المهربين تاركا الخمسمائة دولار التي دفعتها تقدمة لأحدهم، والذي ظل يماطلني لأكثر من شهر دون جدوى.

اتفقت مع (سعادة) القنصل الفخري على اللقاء بعد أربعة أيام حيث تمنعه عطلة الأسبوع التي تمتد من الجمعة إلى يوم الاثنين من أي نشاط (قنصلي)!

جئت إلى مأمون في الموعد المحدد بيننا في الملعب الروماني، وأخبرته بقصة القنصل الفخري لدولة بليز، وكان عليّ أن أشتري خارطة جديدة للعالم كي أبين لمأمون أين تقع دولة بليز هذه، وحتى الخارطة الجديدة لم تحل معضلة التعرف على دولة بليز، ولكن مأمون، وكما يقال في المثل الشعبي العراقي (ذبها على الساطور) أي لم يعد يبالي أين سيحل به الدهر، المهم أن يخرج من معاناة التهريب والمهربين في عمان، وهكذا اتفقنا بأن ندخل هذه المغامرة سوية بعد أن ضاقت بنا السبل، عسى أن يسهلها رب العالمين هذه المرة.

لابد أن الفضول يدفعكم الآن لمعرفة أين تقع دولة بليز وهل هي موجودة فعلا، ولكنني بكل (خبث) لن أشفي غليلكم، وعليكم البحث عنها كما فعلت أنا وكما فعل مأمون ولكن دون جدوى.

أخذت جواز سفري وجواز سفر مأمون الذي جلس ينتظرني في المقهى المقابلة لمحل الصائغ، ومعي المبالغ المطلوبة وصورتان لكل منا، وحضرت إلى الموعد المتفق عليه في دكان الصائغ، وقد جاء (سعادة القنصل) في الموعد بالضبط. كانت في المحل امرأة تساوم على شراء خاتما صغيرا ولم تشتريه في النهاية، وبعد أن خلى المحل من غيرنا أخذ سعادة القنصل جوازات سفرنا وراح يقلبها فاحصا، ثم أخذها بعد أن اطمأن بأن الألفي دينار أردني قد أصبحت في خزنة الصائغ.

غادر القنصل الفخري المحل بعد أن وضع قسما من النقود، وجوازات السفر في حقيبة سمسونايت أنيقة يحملها بشيء من التباهي، وطلب أن أنتظره ساعة واحدة فقط.

لم أقلق كثيرا هذه المرة على فقد جواز سفري، ولا على فقد النقود فأنني قد سلمتها لسعادته عن طريق صديقي وزميلي الصائغ، وهو إنسان محترم كما عرفته وله سمعته النظيفة في السوق، وقد طمأنني وتمت كل الأمور بكفالته.

لم أرى في حياتي ساعة أطول وقتا من تلك الساعة التي قضيتها متبرما رغم أقداح الشاي والقهوة المتتالية، والتي لم يبخل عليّ بها صديقي، أما كيف كانت حالة مأمون فحدث ولا حرج، فهو لم يجرأ على دخول محل الصائغ حيث أجلس أنا ويستطلع الخبر، ولم يستطع الانتظار في المقهى القريبة لحين أن يفرجها الله عليه، فظل يقطع الدرب بين المقهى والمحل جيئة وذهابا.

جاء القنصل بعد أقل من ساعة، وسلمني جوازات سفرنا وعليها تأشيرة دخول إلى دولة (بليز)، والظاهر أن حقيبة السمسونايت هي مكتب عمل القنصل الفخري.

تفحصت جوازات سفرنا ورحت أمعن النظر في ختم تأشيرة الدخول التي راحت تزين الصفحة الأخيرة منه، والتي لم يجف حبرها بعد فوجدتها أصولية، ولكن ظهرت أمامي مشكلة جديدة هي أنه لا توجد رحلات سفر مباشرة من عمان إلى عاصمة (بليز)، فيجب على المسافر إلى هناك أن يمرّ بدولة مجاورة كترانزيت، ومنها إلى جمهورية بليز.

بعد أن ذهب القنصل الفخري تعهد صديقي بتذليل تلك العقبة أيضا، فعنده صديق يعمل في سفارة دولة مجاورة لدولة بلبز، و سوف يؤمن لنا تأشيرة الترانزيت لقاء خمسمائة دينار أردني لكل جواز سفر، قبلت بهذا الحل حتى دون أخذ موافقة مأمون، فقد خولني الرجل بكل ما أراه مناسبا لينهي متاعبنا التي امتدت طويلا في عمان.

حل ذلك الأشكال فعلا، وظهرت تأشيرة جديدة بجانب تلك البليزية، وكان سعر بطاقة السفر التي توصلنا إلى المحروسة (بليز) سبعمائة وثلاثين دينار أردنيا لكل منا.

جازفنا بكل ذلك، فوصلنا أنا ومأمون أخيرا إلى دولة بليز بشكل رسمي بعد ساعات من الطيران المتعب، وفي مطار عاصمة بليز استقبلنا بساط رائع الخضرة ووجوه مرحبة باسمة.

كنت أخفي معي مدخرات لا بأس بها من العملة الصعبة، أما مأمون فقد صرف أغلب مدخراته على المهربين ثم على تأشيرات الدخول وبطاقة السفر، وأصبح كما نقول نحن العراقيون (على الحديدة).

كان مأمون كما علمت منه يشتغل ميكانيكيا متخصص في إصلاح سيارات المرسيدس الفخمة في العراق وقد كان قد تخرج من دورة تعليمية بهذا الشأن على يد خبراء ألمان مرسلين خصيصا من شركة المرسيدس، ليعلموا من له قدرة من العراقيين على تصليح وإدامة ذلك النوع من السيارات، وكانت له ورشة مزدهرة في شارع الشيخ عمر في بغداد، والتي باعها بثمن بخس قبل سفره، ولكنه لم يفقد مهارته في تلك المهنة الرائجة في كل بقاع العالم..

عقدنا اتفاق شرف أنا ومأمون على أن نبدأ حياتنا في وطننا الجديد شراكة على الحلوة والمرة، وهذا ما حدث فعلا فبرأس المال الذي معي وبخبرة مأمون نستطيع أن ندبر عيشنا بطريقة أسهل.

العيش في ذلك البلد رخيص، ولم تكلفنا الإقامة فيه كثيراً، فاستأجرنا في البداية أنا ومأمون دارا صغيرة في ضواحي المدينة، ببدل إيجار زهيد، وسكنا سوية في تلك الدار، ولكن بعد أن تعرفنا على البلد أكثر أكترى كل منا سكنه الخاص به وبسعر رخيص أيضا.

لم تكن لغة البلد صعبة علينا فنحن قد درسنا من قبل اللغة الانجليزية بشكل جيد في المدارس العراقية، وقوانين موطننا الجديد كانت سهلة ومفتوحة، فرحنا نبحث بجد عن محل نفتح فيه ورشة لتصليح السيارات فلم تكن عندنا فرصة أخرى غيرها لكسب العيش في بلد تكثر فيه البطالة، أما فكرة فتح محل للصياغة فنزعتها من ذهني منذ البداية، فالمسألة تحتاج إلى رأس مال كبير لم نقدر على توفيره، ومجازفة غير مضمونة النتائج.

كان مأمون قليل الكلام في البداية، شديد الحذر معي، رغم أننا نسكن قريبين من بعضنا، ولا أصدقاء لنا نقاسمهم همومنا، وأظن مرد ذلك الحذر يعود إلى التربية الحزبية الصارمة التي نشأ عليها مأمون في شبابه، ولكنه ترك تلك الصرامة بعد أن أطمأن لي ولم يجد أحدا غيري يكلمه.

مع الأيام أصبح مأمون لا يفارقني، وكأنه طفل صغير، وخاصة بعد أن صنعت من بعض ألواح الخشب المرمي في الأنقاض (طاولة زهر) أو كما نسميها نحن العراقيون (طاولي) لنقضي الوقت لعبا برهان بسيط، وكان مأمون يكسب الرهان في أكثر الأوقات.

بعد أن أخذنا رخصة بالعمل، والإقامة الدائمة في البلد بعد أشهر قليلة من وصولنا، فتحنا سوية ورشة لتصليح السيارات الفخمة ، وبيع بعض قطع الغيار الضرورية لها، وبعد دعاية رصينة من على شاشة التلفيزيون البليزي، راحت الورشة تدر علينا أرباحا شحيحة في البداية، ولكنها كانت تكفي لعيش كريم، ويوعد بمستقل جيد، وفعلا ازدهر العمل في ورشتنا بعد أن أثبت مأمون مهارة كبيرة في عمله.

يعد أن أخذت جواز السفر (البليزي) والجنسية البليزية أرسلت خلف أسرتي، فباعت زوجتي أملاكنا بثمن دون سعرها الحقيقي بعدة مرات، وهربت بالأطفال إلى سوريا والنقود معها، وكانت تلك مجازفة كبرى خطرة النتائج على أسرتنا لو كشف أمرها، ولكن زوجتي كانت بارعة الحيلة وقوية الشخصية فلم تخشى شيئا.

هناك في عراقنا (العظيم) قوانين عجيبة يجب التحايل عليها لتدبر أمور حياتك. من إحدى تلك القوانين هو قانون(المحرم) أي أن على المرأة المسافرة لأي مكان يجب أن يرافقها رجل (محرم) أي لا يحل عليه الزواج منها، كالأخ والابن والأب وإلى آخر (الآية)، وقد سبب ذلك القانون عقبة جدية في حصول زوجتي على موافقة سفر، لم تحل المشكلة إلا بعد أن انتحل أخي الأكبر صفتي، وأصدر جواز سفر بأسمي ، وعليه صورته هو، ولكن بعد دفع رشوة كبيرة لأحد الضباط في مديرية الجوازات، ورافق زوجتي في سفرتها إلى سوريا.

لو كان يعلم أخي بأن زوجتي تخفي معها مبالغ كبيرة من المال بين أغراض الأطفال لما رافقها حتما فهو يخاف من تلك الأمور إلى حد الرعب، ولكن كل شيء مرّ بسلام والحمد لله.

سافرت أنا إلى سوريا بعد أن علمت بوصولهم، لألتقي بأسرتي التي افتقدتها واشتقت لها كثيرا ، بعد أن أنجزت هنا في بليز كل المعاملات اللازمة التي تمكن زوجتي وأطفال من السفر إلى دولة بليز، وهذه المرة دون الحاجة لخدمات سعادة القنصل الفخري، فهو يقيم في عمّان، وقد فقدت الصلة معه منذ سفرتي إلى بليز ولا أعرف حتى أين أراضيه بعدها وسافرت إلى سوريا على متن الخطوط الجوية البليزية.

في دمشق التقيت بزوجتي وأطفالي وأخي، وقضينا أياما كلها سعادة في جرمانا، تلك الضاحية الفقيرة المنسية في ريف دمشق، و التي تسكنها أغلبية مسيحية، فأصبحت مركزا لنا بعد هرب الآلاف من أهلنا المندائيين إلى سوريا.

حاولت جهدي بإقناع أخي بالسفر والهجرة معي إلى بليز، ولكن دون جدوى فقد ظل متشبثا بالوطن.

حولت المبالغ التي مع زوجتي إلى حسابي المصرفي في بليز، وقطعنا تذاكر السفر، ثم صعدنا الطيارة دون مشاكل إلى بليز، فقد كانت معي كافة الموافقات الرسمية لتسافر عائلتي معي.

هنا في بليز اشتريت بالنقود التي حولتها لبلدي الجديد مسكنا جديدا مطلا على ساحل البحر، في مكان يرتاده السياح غير بعيدا عن العاصمة.

أصبحنا مع الوقت (بليزيين) حقيقيين، ورحنا ننظم حياتنا على هذا الأساس.

افتتحنا متجرا لبيع المواد الغذائية، وبعض ما يحتاجه السائح غير بعيدا عن دارنا الجديدة، وراحت تديره زوجتي بمهارة بعد أن التحق الأطفال بالمدارس.

تركت التردد على الورشة بعد أن أخذ العمل يتوسع في متجرنا الجديد، والتحقت بزوجتي في إدارته، أما صديقي مأمون فلم تكن عنده أسرة لا هنا ولا في العراق، ولم يكن بحاجة جادة لتواجدي معه في الورشة فلم يكترث لغيابي عنها.

حاول مأمون تأسيس أسرة هنا في بليز فلم ينجح، بسبب الشروط المتشددة التي كان يضعها معيارا لشريكة حياته، رغم أنه تجاوز سن الخمسين.

كان مأمون يقضي جل ساعات النهار في تلك الورشة، والتي أصبحت تمثل له كل حياته، وكانت الورشة تدر أرباحا أخذت تزداد بعد أن طورنا قسم بيع الأدوات الاحتياطية فيها بالمبالغ التي توفرت معي، فلم تنقطع حصتي من الورشة بعد أن تفرغت لمتجري، وهكذا تحسن وضعي المادي هنا وأصبحنا نعيش في وطننا الجديد في بحبوحة.

مضت ثلاثة أعوام على معرفتي بمأمون هنا في بليز، وكانت تلك السنين كافية لتجعله فردا من أسرتنا، ومع الأيام راح يحدثني عن حياته في العراق على شكل حكايات للسمر يفرح بها الأطفال كثيرا، وعادة تبدأ حكاياته بعد عشاء تعده زوجتي خصيصا له وهو طبق (الدولمة) العراقي المشهور، والذي يحبه مأمون جدا.

يقول مأمون:

بنيت بغداد عام 710 للميلاد على خط الطول 44 وخط العرض 33 وكانت دائرية الشكل في البداية على غير العادة التي جرت في بناء المدن في ذلك الزمان. قسمت بغداد منذ بناءها إلى كرخ و رصافة، فصوب الكرخ على يمين نهر دجلة والرصافة تقع إلى شماله، وظلت تربط الصوبين جسورا تعددت نوعا وعددا على مدى العصور.

احتل الغزاة بغداد العاصمة الأشهر على مدى التاريخ أكثر من 12 مرة وفي كل مرة يقتل رجالها وتسبى نساءها وتخرب معالمها وتندثر حضارتها (1).

تشق صوب الرصافة اليوم شوارع طولية من بدايتها وحتى نهايتها قبل أن تتوسع المدينة بشكل كبير وعشوائي في السنين الأخيرة.

كان شارع الرشيد أكبرها وأهمها ثم شارع غازي وشارع الشيخ عمر، وكانت الشوارع وكأنها خطوط مستقيمة متوازية يبعد الواحد عن الآخر بضع مئات من الأمتار. يضاف لهن شارع المستنصر والذي يجري مع ضفة النهر، ولكنه يتعثر بمسيرته فلا يظل حتى يصل إلى شارع أبي نؤاس فيتحد معه مشكلا خطا رابعا.

ما يهمنا هنا هو شارع الرشيد و حصرا من باب المعظم شمالا حتى الباب الشرقي.

كان ذلك عاما 1957

كان العراق تحت الحكم الملكي الذي اختارته له بريطانيا العظمى قبل أن تتركه، وظلت روابط المودة والعرفان بالجميل لحكومة صاحبة الجلالة الصفة الواضحة للملوك الثلاثة الذين تعاقبوا على حكم شعب لم يعرف السلم طيلة تاريخه.

كان الشعب العراقي ولا يزال عصي على القيادة ولا يعجبه العجب كما يقال، فتجده ثائرا دائما على من يحكمه، ولا أعرف كيف استطاعت حكومة البعث التي أتت بها السفارة الأمريكية أن تظل على دفة الحكم إلى الآن؟.

بعد أن ينتهي شارع الرشيد في باب المعظم وقبل أن يواصل السير إلى مدينة الأعظمية تحت اسم جديد، توجد منطقة واسعة جمعت بين المدنية والريف حيث تناثرت مجموعة من الكليات، وانتشرت بشكل عشوائي، مثل كلية الهندسة ودار المعلمين العالية وغيرها، وهناك خلف تلك الصروح الحضارية أقيمت بضعة بيوت بنيت من القصب لا يلتفت لها أحد.

هناك في واحد من تلك الأكواخ خلف سدة ناظم باشا كان يختفي وكر للحزب الشيوعي العراقي، والذي كنت عضوا نشطا فيه، (والحديث لا يزال لمأمون)، وهو الحزب الذي ظل يرفع شعار وطن حر وشعب سعيد طيلة العهد الملكي.

المطبوعات التحريضية الحزبية، والتي توزع على البيوت والمحلات سرا بعيدا عن أعين أجهزة الشرطة، كانت تطبع في ذلك الوكر ربما، أو تنقل إليه من مكان آخر، وكانت تدعو الناس إلى الانتفاضة على الحكم الملكي ووزاراته.

كان الانتماء إلى الحزب الشيوعي في تلك الحقبة يعد جريمة يعاقب عليها القانون بقسوة، وقد زج بالمئات من الشباب في السجون ليقضوا سنين طويلة بجريمة انتمائهم للحزب الشيوعي، أو بسبب التعاطف معه.

كنت شابا جميل الطلعة، وكنت مقداما عندما التحقت بذلك الحزب، أما كيف تم ذلك فلا تسأل ربما بالوراثة، ولكن ما حدث لي ذات يوم في شارع الرشيد كان قصة تستحق السرد:

كان الوضع السياسي متوترا جدا في العراق، وفي المنطقة العربية نتيجة للعدوان الثلاثي على مصر، وبسبب سياسة الأحلاف التي سارت عليها الحكومة العراقية.

كلفت من قبل المنظمة التي كنت عضوا نشطا فيها، بالذهاب إلى وكر الحزب الواقع في الأكواخ التي خلف السدة، في منطقة باب المعظم لاستلام منشورات الحزب وإيصالها إلى رفيق آخر من منظمة أخرى في منطقة (البتاويين) والقريبة من الباب الشرقي في الجهة المعاكسة تماما لباب المعظم.

ذهبت ظهرا إلى هناك بملابس العمال العتيقة كي لا تلفت النظر، وأخذت رزمة من تلك المنشورات من ذلك الوكر، أخفيتها بكيس من قماش أبيض اسوّد لونه من كثرة الاستعمال، وقصدت باب المعظم سيرا على الأقدام، وهناك ركبت في باص (2) المصلحة رقم واحد المتجه إلى الباب الشرقي.

كان باص الأمانة ذو طابقين، فوجدت مكانا خاليا بالصدفة في آخر الباص، في المقاعد الأخيرة تماما. سار بنا الباص في شارع الرشيد من بدايته، مجتازا وزارة الدفاع ومحلة الميدان، فاكتظ الباص بالركاب، وراح يدفع بعضهم بعضا، وقبل إن نجتاز منطقة حافظ القاضي، قفل سائق السيارة الأبواب، وأعلن إنه متجه إلى مركز شرطة(العبخانة) القريب بسبب وجود سارق في الباص، وقد حدثت سرقة فيه بلغ بها الآن.

جرت العادة في مثل تلك الحالات أن يتجه الباص مباشرة إلى أقرب مركز للشرطة دون أن يتوقف أو ينزل منه أحد، وهناك في مركز الشرطة يتم تفتيش الركاب بشكل دقيق بحثا عن المسروقات والسارق.

كانت دقائق مرعبة تلك التي مررت بها عند مركز شرطة العبخانة، صعد شرطيان في الباص واتجها إلى الطابق العلوي، وبعد أن فتشاه جيدا أنزلا ركابه من الباص بريئين من أية تهمة ليترك لهم الخيار في انتظار نتائج التفتيش، أو أن يستقلوا الباص القادم بذات التذاكر التي قطعوها، أو يبحثوا عن واسطة نقل أخرى.

أخذت المقاعد الأمامية في الطابق الأسفل تفرغ من ركابها الواحد بعد الآخر، وأخذ رجال الشرطة يقتربون مني. ترى ماذا سأفعل بكيس المنشورات، والركاب كل واحد منهم يراقب صاحبه فلا مجال لرمي الرزمة، اقترب الخطر مني كثيرا ولم يظهر السارق بعد، ويئست من الخلاص من تلك الورطة، أخلي الباص من الركاب عدا أربعة فقط، وكنت أنا من بينهم فقد كنت أشغل آخر مقعدا في السيارة، وقبل أن يصلوا إلى ما أحمل من مناشير التي كانت سترسلني إلى السجن لو ضبطت معي، أمسكوا بشاب كان يجلس أمامي مباشرة فتنفست الصعداء، ولكن ما كان يحيرني هو كيف وصل هذا السارق إلى هذه المقعد، والذي لم يكن خاليا. أنزلوا السارق من الباص، وعاد من عاد اليه من الركاب، وانطلق الباص بنا من جديد حتى وصلنا إلى الباب الشرقي، ومن هناك سرت راجلا إلى المكان المطلوب وتخلصت من ذلك العبء وكأن جبلا قد انزاح من على كتفي..

تلك مغامرة من مغامرات مأمون العديدة في أيام شبابه رواها لي، واعدا برواية العديد من مغامراته في أيام العهد الملكي، والعهد الجمهوري، ولكن الأيام لم تسمح له بأن يفي بوعده.

كان مأمون يتابع أخبار العراق أولا بأول عن طريق الفضائيات، ويواكب استعدادات أمريكا والغرب للإطاحة بنظام صدام حسين.

عندما حلت ساعة الصفر، وأرسلت أمريكا جيوشها لغزو العراق، استبشر مأمون خيرا في البداية، وراح يعد نفسه للعودة إلى العراق بعد (تحريره) بعكسي تماما فأنا أؤمن بأن الحروب مهما كانت أهدافها لا تجلب الخير للشعوب، ولكنني حقيقة حلمت بلقاء من بقى من أهلي وأصدقائي في العراق الذين انقطعت أخبارهم عني منذ أن تركت العراق.

وبعد أن حلت الكارثة بالعراق، وراح الغزو (الثالث عشر) يدمر البنية التحتية في بغداد على كل الأصعدة، وبعد أن تفككت الدولة، وراح كل طامع بمنصب أو ثروة من العراقيين الذين تركوا العراق يعد العدة للعودة، كان هدف مأمون في العودة أكثر رومانسية، فكان يريد أن يعود إلى الوطن ليساهم في بناءه .

توالت الأحداث لا بل قل المصائب مسرعة على بلدنا، وكنا هنا في بليز نراقب نهب كنوزه المادية والثقافية والتراثية من قبل كل من أستطاع الوصول إليها قبل غيره، وكنا نرى مدى وحشية القوات الغازية وكذب ادعاءاتها بإحلال الديمقراطية والعدل في العراق.

تبدلت وجهة نظر مأمون بخصوص العودة لبناء العراق بعد أن أصبح كل شيء فيه يدمر بشكل منهجي، ولكنه هذه المرة راح يحضّر نفسه ذهنيا، وحتى ماديا للعودة إلى العراق من أجل أن يأتي بزوجة له من هناك، فيكوّن أسرة معها هنا في بليز. لم أعارضه أنا هذه المرة، بل بالعكس شجعته على أن يقوم بهذه الخطوة المهمة في حياته بعد أن اقتنعت بأن مأمون لن يقترن بغير امرأة عراقية.

مضت بضعة سنين على غزو الجيوش الأمريكية للعراق ووضع العراق يزداد سوءاً وخاصة وضعه الأمني، لذا راح مأمون يؤجل مشروع سفره إلى هناك في كل مرة، إلى أن وصل إلى قناعة بأن لا فائدة من التأجيل فالأمور لن تتحسن على المدى المنظور، كان ذلك عام 2006 وقد مضى على الاحتلال ثلاث سنين.

كان مأمون لا يزال يحتفظ بجواز سفره العراقي على الرغم من أن دولة بليز قد أعطته جواز سفر بليزي.

أخذ مأمون معه مبلغا جيدا من النقود بعد أن ارتهّنا الورشة عند أحد المصارف، مضيفا على قيمة الرهن المبالغ التي كان قد وفرها لهذا الغرض، وسافر إلى الأردن بجواز سفره البليزي، ودخل العراق عن طريق طريبيل بجواز سفر عراقي.

فرح مأمون بعد أن شعر أنه يطأ تراب وطنه من جديد دون أن يتخلى عن عراقيته.

وصل مأمون بغداد منهكا تماما، فالطريق من طريبيل (المركز الحدودي العراقي مع الأردن) إلى بغداد كان مجازفة خطرة بعد أن انتشرت عليه فرق القتل والخطف ، ناهيك عن رداءة الطريق المتروكة من دون صيانة أو خدمات، فالرعب قد وجد له موقعا بارزا في قلب كل المسافرين، ومن بينهم مأمون طبعا ففي كل نقطة تفتيش، كانت العيون تتفحصهم، وتتفحص أوراق سفرهم.

من محاسن الصدف أن مأمون القنطار وهذا هو اسمه في جواز سفره لا يكشف عن تبعيته المذهبية، فلم يعترضه أحد لا من أتباع (علي) ولا من أتباع (عمر).

وصل مأمون بغداد أخيرا، فنزل ليلته الأولى في فندق متواضع من فنادقها، متجنبا الفنادق الفخمة، والتي كانت مستهدفة دائما من قبل الإرهابيين.

في اليوم التالي راح مأمون يسير مشيا على الأقدام في شوارع بغداد المهدمة بحثاً عن بيت خالته في مدينة الثورة. ومدينة الثورة هذه هي مجمع سكني هائل يمتد موازيا لرصافة بغداد خلف سدة ناظم باشا وأغلب سكانه من الفلاحين المهاجرين من جنوب العراق.

كان كل شيء قد أصبح جديدا على مأمون، فوجد الناس في بغداد غير الناس، والشوارع مقطعة بكتل من الكونكريت، وأصوات مولدات الكهرباء تصم الأذن والغازات المنبعثة منها حولت هواء بغداد إلى سم قاتل فكان الهواء يدخل إلى الرئة ثقيلا كالرصاص، أما منظر جنود الاحتلال وهم يمشطون الشوارع بسياراتهم (الهمر) فكاد أن يسبب له أزمة قلبية، أيعقل أن يضحي مأمون بشبابه في الكفاح من أجل حرية الوطن وسعادة الشعب فيجده تراب يداس تحت أقدام جنود (المارينز) والناس تفتش في النفايات عن كسرة خبز؟

اهتدى مأمون أخير إلى بيت خالته، وكانت فرحة أهله بلقائه غامرة.

لم يستطيع البقاء في بغداد أكثر، فالحياة اليومية فيها غدت شاقة حتى على مناضل كادح مخضرم مثل مأمون، لا مياه نقية ولا كهرباء ولا أمن والوجوه كلها عابسة مكفهرة.

هذا ما دونه مأمون في دفتر ملاحظاته الذي اشتريته أنا له خصيصا في بليز ليدون فيه تحركاته يوما بيوم.

عاد مأمون مع ابن خالته على دراجة نارية صغيرة، إلى الفندق الذي نزل فيه ، وهناك أخذ أغراضه البسيطة، ودفع ما بذمته لصاحب الفندق بالدولار والذي أصبح عملة متداولة في بغداد يفضلها الناس على الدينار العراقي، بعد أن فقد الأخير قيمته منذ أمد بعيد.

في بيت خالته راح مأمون يشرح لخالته هدفه من زيارة بغداد، ويأمل في أن تساعده في إيجاد ابنة حلال تناسبه، ومستعدة للسفر معه إلى بليز.

أكثر النساء في بغداد كنّ يطمحن بالحصول على فرصة كهذه، فقد وصلت نسبة الأرامل فقط عشرة في المائة ناهيك عن عزوبة الباقيات من (الماجدات)، فشاع الخبر في المنطقة، وكثرت زيارات النساء لبيت خالة مأمون حتى الفتيات صغيرات السن رحن يفتعل الحجة لزيارة ذلك البيت، فغدا وكأنه مزار السيد (ادريس) الذي كانت الفتيات يقصدنه في أيام بغداد الخوالي ليرزقهن بحبيب القلب.

لم ترق الحالة تلك لمأمون، فقد كان يريد امرأة راجحة العقل تناسبه سنا وهو الذي يعيش في خمسينيات عمره.

مأمون في الأصل من العشائر القريبة من بغداد، ولكنهم سكنوا مدينة الثورة منذ زمن بعيد، ولم يلحظ أحد من سكان الحي بأنهم من عشائر سنية المذهب.، وكانت له علاقات قربى كثيرة في مدينة المحمودية، فأشارت عليه خالته أن ترافقه إلى هناك، ومن هناك حتما سيختار شريكة له، فالنساء هناك ملتزمات بالعادات القديمة المحافظة، وهناك الكثير ممن يعرف مأمون وخالته، وهم أسرة فوق الشبهات.

استأجر مأمون سيارة تاكسي ودفع مبلغا كبيرا لسائقها على أن يسوقها مأمون بنفسه فلم يرغب بأن يتقيد بأوقات ذهاب وإياب، أراد أن يكون حرا في تحركه، وأخذ خالته معه في رحلة شاقة إلى جنوب بغداد.

الطريق إلى منطقة اليوسفية القريبة من مدينة المحمودية، مليئة بقوات الاحتلال، فكانت عملية المرور شاقة جدا وخطرة في ذات الوقت. أراد مأمون أن يعود أدراجه فالمخاطرة كبيرة، ولكنه قد سلك أغلب الطريق ولم يستطع التراجع والعودة خالي الوفاض.

ذهبا هو وخالته من هناك مباشرة إلى بيت تعرفه الخالة جيدا، وهو يعود لواحد من أقربائهم في مدينة اليوسفيه، فرحب أهل الدار كثيرا بمأمون وخالته.

سكنت تلك الدار أكثر من عائلة بسبب الظروف الأمنية الجديدة، وفيه بضع نساء مناسبات لمأمون. وصادف أن كانت في ضيافة أهل الدار امرأة مع بنتيها من سكان المحمودية، فغمزت له خالته كأنها تقول أنت مرزوق يا ابن أختي، ففرصة الخيار كبيرة وسط هذا الجمع الجميل من بنات العشائر.

بينما كان مأمون جالسا مع أصحاب الدار يحدثهم عن بليز والحياة فيها، وكيف أنها جنة من جنان الله على الأرض، وخالة مأمون جالسة مع النساء تقارن وتفاضل بينهن قبل أن تفاتح واحدة منهن، أو تخبر ربة الدار بهدف الزيارة، راحت تطنب في مدح ابن أختها الوحيد، وبالحياة المرفهة التي يعيشها في الخارج، وهي في ذروة حديثها عن بليز والنساء يستمعن لحديثها فاغرات الفم، في هذه الأثناء هجمت على الدار مجموعة من قوات المارينز الأمريكية مكونة من ثمانية جنود مدججين بالسلاح، وراحت تقتل الرجال في الغرفة المجاورة دونما سبب وبشكل عشوائي ومأمون من بينهم، ولم يجد الوقت الكافي ليريهم جواز سفره الأجنبي، فقد سبقته رصاصات من رشاش ثقيل وتركته سابحا في دمه، ثم هجم الجنود على غرفة النساء والفتيات المجتمعات فيها وهن مستمتعات بحديث مأمون وبليز. لقد صعقن من ذلك الهجوم غير المتوقع، وهناك قام هؤلاء الجنود الثمانية، وهم من فرقة المارينز باغتصاب النساء والفتيات بدون استثناء، وبعد أن اغتصبوا جميع النساء الموجودات هناك قتلوهن جميعا حتى العجائز، ثم أرسلوا إشارة إلى قواتهم الجوية محددين إحداثيات الدار، وطلبوا قصفها كما جرت العادة كونها وكرا للقاعدة، ولم تمضي دقائق حتى راحت الصواريخ المنطلقة من الطائرة تدك الدار، وتحيلها إلى أثر بعد عين لتمحي آثار الجريمة التي ارتكبها الجنود الأمريكان في مدينة اليوسفيه.

هكذا انتهت حياة مأمون، وتناثرت حكايات نضاله مع أشلاء جسده الذي لم يعثر عليها أحد، بعد أن افترشت البساتين المجاورة نتيجة القصف الصاروخي.

بعد أن طال غياب مأمون عنا، وانقطعت أخباره، كلفت أخي المقيم في بغداد في البحث عنه، وبعد جهود أسطورية استطاع أخي أن يصل إلى بيت خالة مأمون في مدينة الثورة، وهناك راحوا يحدثونه كيف أن مأمون قد قتل مع خالته في جنوب بغداد على أثر غارة أمريكية على بعض أوكار القاعدة، ولم يعلموا حقيقة جريمة الجنود هناك لأن آثار الجريمة قد انمحت بعد القصف.

بعد أن علمت بالخبر اتفقت مع البنك كوني وكيلا رسميا لمأمون هنا في بليز،على بيع الورشة وسداد القرض، وهذا ما تم فعلا، وبعد أن أخذت المبالغ الموظفة من قبلي في الورشة، زاد منها مبلغ بسيط أرسلته إلى أقارب مأمون ليبنوا له قبرا في بغداد، حتى ولو لم يسكنه جسده الطاهر كما كان يحلم.

قبل أيام من كتابتي لقصة مأمون هذه، سمعت خبرا على إحدى الفضائيات يشير إلى تقرير صادر من إحدى المنظمات الدولية، إلى جريمة اليوسفية بالتفصيل، وكيف أن الجنود الأمريكان الثمانية بعد أن قتلوا الرجال واغتصبوا النساء قاموا بدك الدار كما مرّ ذكره، وتلك واحدة من جرائم الجنود الأمريكان الكثيرة في العراق.

 

[1] أول حصار لبغداد دام أربعة عشر شهرا أثناء الحرب التي قامت بين الأمين والمأمون أبناء هارون الرشيد في بداية الدولة العباسية عام 812م ، ثم غزاها هولاكو عام 1258 وغزاها الجلائريون بقيادة تيمور لنك عام 1400 ثم أحتل السلطان أحمد الجلائري بغداد مرة أخرى عام 1405 وبعده حكمها التركمان بقيادة محمود شاه عام 1411 ثم أحتلها إسماعيل ألصفوي عام 1509 و دخلها الزعيم الكردي ذو الفقار علي مع أخوانه وبعدها احتلها العثمانيون عام 1535 وأعاد احتلالها الصفويون عام 1624 ثم دخلها العثمانيون من جديد في عهد السلطان مراد عام 1638 ودخلها الانكليز بقيادة الجنرال مود عام 1917 وأخيرا احتلها الأمريكان في عهد الرئيس بوش الابن عام 2003 في التاسع من شهر نيسان.
[2] وسائط نقل الركاب في العاصمة بغداد كانت تسمى " الأمانة" وبعدها تبدل اسمها إلى باص المصلحة أي مصلحة نقل الركاب



 

free web counter

 

كتابات اخرى للكاتب على موقع الناس