| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبدالجبار السعودي

basrahahwar@hotmail.com

 

 

 

السبت 4/9/ 2010

 

أستناداً للأخبار المتناقلة خلال الأيام الأخيرة في وسائل الأعلام، فقد أعلن عن وصول بارجة التوليد الكهربائية الى المياه الاقليمية العراقية قادمة من تركيا وهي الثانية التي تم التعاقد مع أحدى الشركات التركية لغرض رسوها بشكل ثابت في ميناء خور الزبير .. ويتابع الخبر المنشور يوم 2-9-2010 :

(( ووفق العقد المبرم يجب ان تبلغ قدرة انتاج البارجة الأولى 143 ميكا واط لكن انتاجها لم يتجاوز 50 ميكا واط، بسبب مشاكل في الانتاج، حسب دائرة توزيع كهرباء الجنوب )). 

كتبتُ يوماً ما عن كل هذا الضجيج الذي لا يثمر إلا قليلاً، فيما تأكل الناس حصرمــــاً !!  
 

طَـبّت البواخـــــــــــر !

عبد الجبار السعودي

جلستُ و(أبو ضامن) على واحدة من (المصطبات) المنتشرة على شاطئ النهر الذي يفصل بين المدينتين الذي يعيش كل منا في إحداها، نستمتع مع دفء الأجواء بمَشاهد السفن والمراكب المختلفة الأحجام التي تسير في نسق أحتفالي الواحدة تلو الأخرى، مزينة بالأعلام والأشرطة الملونة التي يلوح بريقها من بعيد، وما تحمله على ظهرها من مجموعات من الشبيبة، تعزف وتغني و ترقص على أنغام موسيقاهم التي يؤدونها بآلاتهم الموسيقية وفي مقدمتها الطبول أو تلك التي تصدح من خلال مكبرات الصوت المثبتة هناك على تلك المتون. وتختلط موسيقاهم الصاخبة والقادمة الينا من بعيد مع صفير تلك السفن المختلف في نبراته، فمنه ما يصدح عالياً ليملأ أجواء الشاطئ والمدينتين وما جاورهما، ومنه من ينطلق خجولاً وخافتاً يعبــّرعن حجم هذا المركب أو ذاك!

  وما كان يميــّــز تلك الأجواء بمجموعها التي تنطلق كل عام وفي مثل هذه الأيام هو حشود الناس التي تصطف على جانبي الشاطئ، أما واقفة أو جالسة على بسائط من الحشائش الخضراء، أو تلك التي تجلس في المقاهي المنتشرة هنا وهناك على كورنيش الشاطئين اللذين يأخذان المتنــز ّه في رحلة ممتعة تعيدك أحياناً الى أجواء كورنيش شط العرب في مدينة البصرة أيام زهوهـــــا و زهو ذلك الشارع الذي يمتد صخب المحبين ومتعتهم فيه الى ساعات متأخرة من الليل !

  ألتفت (أبو ضامن) نحوي وهو يهــزّ بكف يده اليمنى مستغرباً ومتألماً وقال ونبرة الحزن تغلـّف كلماته: .. راحت أيـــــام زمان .. أيـــــام البصرة .. وبواخر شط العرب، راحت كل تلك الأيــــام الجميلة .. وأصبح شط العرب اليوم ملوثــــاً، لا بماءه الشبه الراكد والحزين وبمخلفات الحروب والسفن الغارقة، بل بوقاحة المهربيـــــن وضمائرهم الوسخة والدنيئة و الذين جعلوا منه منفذاً لتهريب النفط، بضاعتهم المفضــّلة هذه الأيام، دون حسيب أو رقيب، إلا ما ندر .. وأزدادوا ثراءً وسلطانــــاً يُحسب له ألف حساب في خارطة الواقع الأجتماعي الجديد للعراق الذي تشكــّل أثناء الحروب الرعناء المجنونة منذ الثمانينات ويتشكـــّل حالياً، لكي يفرض نفسه وسط عملية الصراع الأجتماعي التي ستزداد أشتعالاً في مستقبل العراق القادم، خصوصاً وأن تلك الفئات المنتفعة كثيراً ما تجد لها من مواقع قوة ونفوذ تحميها وتداريها في السلطات السياسية المتعاقبة.

  لم أستغرب لأنتباهة صاحبي هذه و فطنته لما يجري في داخل الوطن وهو الذي لم يجن ِ ولا (بيـزة) طوال سنوات عمره هذا الذي جاوز الستين، بل قضى سنوات عمله يكدح ويضني من أجل لقمة العيش أملاً في أن تنصفه دولة العراق عبر أنظمتها السياسية المختلفة، فلم يجد نفسه إلا وهو مشرداً ومهاجراً من بلد لآخر كحال الملايين الأخرى من العراقيين!

 وحتى لا أجعل من نزهتنــــا هذه سبباً لتعكير مزاج (أبو ضامن) وهو المبتلي بأمراض الســــكــّر والضغط، فقد قاطعته متساءلاً:

 هذا الناس كلـــــّه تعرفـــــه .. وتعرف أكثـــــر منـــّه، بس خليـــــّنه هســـــّه بطــــاري .. البــــــواخر ..!

  تتذكر أيام شط العرب من چانت البواخر تدخل الشط رايحــــه لصوب ميناء المعقــــل وهيّ خابصـــــه الدنيا بصفيرهه، خصوصاً وكت الفجر، حتى تخلـــّي إبنــــادم يطفر من فراشه، خصوصاً الناس اللي چانوا ساكنين على صوبين الشط ؟ ومو بس هاي (أبو ضامن) .. ومن كثرة دخول البواخر لشط العرب ، چنــــّه نميـــّــز ما بين هذا المركب و ذاك ! اللي مليـــــان وجاي مشحون بالكامل، تدوّي صفــــّارته بصيحات عالية وثگيلــــه .. مثل الواحد الجاي فازع وفرحان ، والمركب اللي يفـــرّغ حمولته ويريد يرجع لديرتـــــــه، لا ، تلگـــاه غير شكــــل، تسمع صفــّارته حزينـــه .. وچنهـــــه جاي تكَـــــول ..إمودّعتكـــــم باللـــه و ماعدكم غير العافية ! ومو بس هاي (أبو ضامن)، تتذكر الباخرة اللي جابت المرحوم الملا مصطفى البارزاني هوّه و ربعه من الأتحاد السوفيتي و وكَــــفت بنص شط العرب وچان يومها الكورنيش مليان وادم .. زلم و نسوان وجهــــال .. عوايـــل بعشرات الآلاف طلعت لأستقبالهم .. وليلتها چانت ألعاب نارية .. ضوّت الناس والدنيـــــه ! وحينها .. قاطعني صاحبي متساءلاً : يابه إنت أشگـــد چان عمرك، حتى تتذكر كل هاي السوالف، لو واحد حاچيلك ؟!

 مو بس هاي (أبو ضامن)، تتذكر البواخر الحربية السوفيتية اللي چانت تزور البصرة أيام زمان وهيّ مزيـــّنه بالأعلام الملونة ؟ وتتذكر من چانت هاي البواخر من تريد تغادر شط العرب وترجع لأهلهــــه، تضرب إطلاقات مدفعية .. وداعيـــــــه ؟!

  تتذكر من چانوا الضباط والجنود الروس يفترون ومالين أسواق البصرة ولابسين أحلى ملابس البحرية، نسوان و زلــــم ؟! ومن تحييــــّهم لو تحچـي وياهم، يبتسمون ويقدمولك مدالية بيهه لو نجمة حمــــرة لو بيهــــه منجل و چاكـــــوج ؟! وهنــــا أنتفض صاحبي من جلسته التي كان يتكأ فيها على أحد جانبي المصطبة، وقال ذكرّتنـــي : عندي وحده منهــــــــن ! أي نعم عندي وحدة منهــــــــن .. للآن ضامهه .. ويمكن چنت ناسيهه .. واليوم من أعوفك وأرجع، راح أدوّر عليهـــــه! وبدلاً من أكمل حديثي بدأ يدندن أغنية قديمـــــة لمطرب مصري،رددناها سوية بعد حين بالتناوب :

على شط بحر الهوى .. رسيت مراكبنه .. والشوگ جمعنا سوى .. إحنه وحبايبنـــــه ..

على كـــُـلـــّن ..! قالها بأسف وحسرة . راحت ذيـــچ الأيـــــام .. وصُفتْ الآن للحرامية و للـ  لهيبيــــــة ..

 وهـسّه شط العرب حتى خجلان من الناس اللي تزوره.. وخجلان حتى من دجلة وفــــــرات نفسهن! ومو بس هاي ضال أگـــرع .. لا نخـــــل ولا بساتين .. لا سفرات ، لا وناســــه .. من أيام الحروب السوده لليــــوم !! ثم توجه الي قائلاً .. بس عندي آخر سؤال إلك أبو ستار قبل لا نرجع لأهلنــــــــــه:

  أشو هالأيــــــام .. بس جاي نقره بالتلفزيون، بالنشرة الأقتصادية .. وصلت البواخر وهي محمــــّله بآلاف الأطنــــــــــان من مفردات الحصة التموينيـــــة .. وستوزع خلال الأيام المقبلة ... وسيتم سد النقص الحاصل في المفردات ... الخ ، والناس باقية تتـنطـــــّــــر وما لاگيـــــــه وما سامعه.. بس التگــرگـــع :

 طبّت الباخــــــــرة الفلانيــــــــــة .. و راح توصل الثانيــــــــة، وتعاقدنــــــــه وي هالدولـــــــة وتصالحنـــــه وي ذيــچ الدولــــــــــة ! والناس گــاعده تصرف برواتبهـــه بالسوگ لنص الشهر .. ولابو علي ولا ... ؟

  وفي لحظات تساؤلاته هذه، صرخت إحدى السفن الكبيــــرة التي تستعرض في النهر الكبير وهي تحمل أشرعة بيضاء مختلفة الأحجام ترفعها ساريات من الخشب الصاج اللامع وتصدح منها موسيقى عالية، ويلوح من على متنها من بعيد مجموعة من الشابات والشباب يؤدون رقصاتهم على موسيقى قرع الطبول ، وعندها صاح (أبو ضامن) متفاعلاً مع دوي صفيرها المتكرر.. ملوّحـــاً ورافعـــاً يده عالياً صوب الشبيبة التي تتمايل أجسادهم رقصاً و مرحاً :

طبـــــّت البــــــــواخر .. إجاكــــــــم الخير .. هســـــّه طبـــّت !

* * *

   بصـــــــــرة – أهــــــــوار
حزيـــــــــــــــران 2007


 


 

Counters