| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبدالجبار السعودي

basrahahwar@hotmail.com

 

 

 

الثلاثاء 31/8/ 2010



ضاعت الحواسيب .. ضاع الحساب !

عبد الجبار السعودي

أدارة الشركة العامة للموانئ في البصرة تنفي بيعها للحواسيب الألكترونية التي تم التبرع بها من قبل فرقة القوات الأمريكية كهدية مقدمة للمدارس في محافظة بابل لتعليم الأطفال، والتي أشار اليها الخبر المنشور يوم السبت 28-08-2010 في وسائل الأعلام الى أنها ( أي الحواسيب ) قد بيعت من قبل أحد مسؤولي ميناء أم قصر بالمزاد في أسواق البصرة والتي تقدر قيمتها بنحو مليوني دولار أمريكي بمبلغ يقل عن خمسين ألف دولار أمريكي فقط بدلاً من أن تأخذ وجهتها الصحيحة !!

رئيس الوزراء نوري المالكي قد أمر بأعادة شحنة تلك الحواسيب الى ميناء أم قصر و وضعها تحت تصرف الجهات التي أشترتها كهدية لطلبة مدارس بابل كما أشار الخبر.
قائد فرقة الولايات المتحدة الأمريكية في جنوب العراق قام بفتح تحقيق فوري في ملابسات الأجراءات التي قام بها موظفو ميناء أم قصر لتحديد سبب بيع الأجهزة في المزاد العلني كما يقول الخبر ذاته.

الشركة العامة للموانئ على لسان مدير أعلامها أوضحت أنه ليس لها صلة ببيع تلك الحاسبات وأن ( كَمارك أم قصر باعت حواسيب مدرسية مخصصة لمحافظة بابل بعد مرور تسعين يوماً من قدومها الى الميناء وعدم تسلمها من قبل الجهة المعنية بالأستلام ). فيما لم يطالعنا الخبرعن سبب عدم تسلم الجهة المعنية بالأستلام لأي أشعار بوصول الشحنة خلال الثلاثة أشهر!

أطفال مدارس بابل، حالهم حال الملايين من طلبة العراق يتطلعون بعد عقود من الحرمان الذي عاشه أقرانهم في سنوات الحكم الدكتاتوري السابق والذي تمتد آثاره للآن، الى مدارس متقدمة ونظيفة وخدمات يومية تــُقدم لهم ومناهج وأجهزة متطورة تواكب التقدم العلمي والتكنولوجي الحاصل، ترتفع بذهنيتهم و معرفتهم التعليمية . هؤلاء الطلبة ذكوراً وأناثاً يتطلعون الى من ينتشلهم من الحال البائسة في مدارسهم وفي عيشهم أيضاً والتي يريد البعض من السراق والفاسدين والمرتشين والمهربين والمتلاعبين بقوت الناس ومصائره الأبقاء عليها ودفعها الى حال أكثر بؤساً وشقاءً وحرماناً مما كان يجري في سنوات الحقبة المنصرمة من عمر الدولة العراقية مستفيدين من الضعف الواضح للأجهزة الحكومية المختلفة وعدم تطبيق القوانين المنصوص وكذلك مما أضفته التطورات السياسية بعد عام 2003 من أنتعاش للعلاقات الطائفية والمذهبية والقومية وأتضاح هوية الحكومات المتعاقبة شيئاً فشيئاً وسط الصراعات المعروفة حتى الآن.

شركة كاتربلر الأمريكية المعروفة أهدت في سنوات الثمانينات لأحد أقسام شركة نفط الجنوب يوم كان الحاسوب الألكتروني يُمنع تداوله وأستخدامه لعدم توفر خدمة الأنترنت أساساً بسبب أصرار النظام السابق على محاصرة أبناء الشعب العراقي ومنع أية وسائل أو خدمات تقنية تصل اليهم كالأنترنت وأطباق أستلام القنوات الفضائية العالمية والنشرات العلمية وغيرها . تلك الشركة المتعاقدة آنذاك لتطوير بعض معدات الحفر في حقول نفط الرميلة أهدت حاسوباً ألكترونياً متقدماً وملحقات تقنية مصاحبة له على أمل أستخدامه في تطوير برامج العمل وتطوير العاملين وذهنيتهم ومواكبتهم للعلوم التقنية . الحاسوب المذكور الهدية هو الآخر بقي قابعاً لأشهر عديدة في مخازن القسم المذكور تغطي صناديقه الغبار وفضلات الطيور دون أن يسمح للفنيين المتابعين لبرمجة عمل المواد الأحتياطية لمعدات الحفر في الأستفادة منه ومن تقنيته المتقدمة، وعوضاً عن ذلك، أرسل ( الحاسوب ) أخيراً على حين غفلة الى أحدى المنظمات الفاشية لحزب البعث الحاكم آنذاك في مدينة البصرة والتي قامت بأستخدامه لاحقاً في وضع برامج أحصائية عن العاملين في شركة نفط الجنوب وغيرها تتضمن معلومات وأحصاءات متعددة عن أحوالهم الأجتماعية والسياسية والمهنية وغيرها، فيما بقيت ذكرى ذلك الحاسوب والحسرة عليه تداعب مخيلة الفنيين المعنيين باستخدامه حصراً !

الحكايات المثيرة عن تلك الأيام وغيرها وما قرأناه الآن عن الحواسيب المخصصة لتلاميذ مدارس محافظة بابل ، هي نفسها في معانيها وإن أختلفت فضائحها المخزية. حكايات تتجدد، ستبقى تلاحق أبناء العراق صغاراً وكباراً في تفاصيل حياتهم اليومية ما دام هناك سراق ومنتفعين يحتمون وسط العلاقات السائدة التي أتسعت وتنوعت بعد عام 2003 في مفاصل عمل بعض المؤسسات والدوائر الحكومية العراقية الهزيلة والذين لازالوا في منأى عن أي رادع أو حساب واضح وقوي تنصفه قوانين فاعلة وأجهزة تنفيذية نزيهة تملك كفاءة مهنية وأخلاقية تنتصر للمال العام و لثروات العراق ولقوت الشعب والتي أهدرت وتهدر بوتائر يُراد لها ذلك والتي صاحبها نزيف هائل للثروة البشرية يمتد لعقود منصرمة وحتى الآن في تصفيات وحروب وحصار وتشريد وهجرات متلاحقة ونزيف داخلي متواصل بسبب العنف الطائفي والعمليات الأرهابية..

نأمل أن نتابع ( حكايـــــة ) الحواسيب هذه وما سيفعله السيد رئيس الوزراء من تطبيق للقوانين المنصوص عليها، فيما سيبقى أطفال مدارس العراق البائسة يعدّون بأصابعهم على طريقة ( الكتاتيب ) المنقرضة وكما يُريد البعض لهم ذلك من جديد..
واحد زائد واحد .. يساوي .. أثنين .. صَح يا شيـــخ ؟!
 


 


 

Counters