| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبدالجبار السعودي

basrahahwar@hotmail.com

 

 

 

السبت 30/5/ 2009



لمَ هذا الرحيـــــــــل ؟

عبد الجبار السعودي

بحثتُ عنك وأسماعي تتردد عليها تلك الصيحات .. تطاولتْ أقدامي وأشتد ساعدها لكي تداعب تلك الكرة المدوّرة .. ونطق الآخرون .. حلوة عمـــّو ! تساءلتُ في أحشائي التي كانت تنمو .. و رددت دون أن أهمس في إذن الآخرين و سؤالي عنك .. من هو عمـّــو ؟

من تلك الساحات المتربة .. وذلك القيــــر الذي يُلهب بواطن الأقدام في تلك الأزقة ، وذلك العشق الجميل للكرة الساحرة ، وذلك العرق المتصبب الذي يرطــّب جباهنا و نطفأه بكفّ من ماء لا نعرف لونه وطعمه ،.. من تلك الهتافات و صيحات المشجعين وهي تتردد .. من كل هذا و ذاك عرفناك يا عمـــو ! وعرفنا بعدك و بعدك وغيرك ، أسماءً جميلة .. طمرتها الأيام العجاف و تلك السنين المُر التي عاشها الرياضيون العراقيون على مدى عقود مضت بين نسيان وتناسي و تمييز و أضطهاد و تقتيل .. عرفنا من خلالك كل الأسماء والمواهب الجميلة التي كسبتَ من خلالها حب الناس وحتى من غير الرياضيين ، لتكون شخصية القرن العشرين وما تلاه بدون منازع .. و يتردد أسمك في صيحات الجميع .. حتى الأمهات اللاتي لا يفقهن شيئاً عن تلك الكرة المدورة .. ردّدن أسمك في مناسبات عدة .. وحيث أختلطت صيحات الأفواه و طفرات القلوب مع أبتسامتك وأنتصاراتك الرياضية التي لا تغيب !

في حي (( عرفـــة )) في مدينة كركوك التي عشتُ فيها صغيراً يافعاً ، متغرباً عن (بصرتي الجميلة) بعد عام 63 ، هتف لي أحدهم .. من أنك موجود هناك في تلك البقعة الجميلة والواحة المزدهرة بطبيعتها و ساكنيها في زيارة ما .. ! طفحتْ الدماء في عروق تلك الأرجل التي عشقت الكرة و فنونها .. وبحثتُ عنك هنا وهناك في خطوات لا تخلو من متعة .. وسألت نفسي في حيرة ، كادت تقتلني .. أين عمـّــو ؟

غاب ذلك الملتقى، المرتجى ، وألتقطت عوضاً عنه صورة ً لك كانت معلقــة في إحدى المكتبات المتواجدة في (سوق العصري) في مدينة كركوك.
صورة تفيض حباً للحياة ومعانيها ولمن يطالعها .. وفي أسفلها ذلك التوقيع الجميل الذي كنت تبعث به للقراء وللعشاق و للمطالعين.
صورة الشباب الذي لم يكن رحلة عابرة في حياتك يا عمو !
صورة السنين العجاف التي تحديت فيها بحكمتك وشجاعتك وخبرتك .. هَوَس و جنون المتعجرفين والطائشين والطارئين على الرياضة وكرة القدم بالذات .

قلتها بشجاعة وطنية نادرة يوماً ما.. لأبن صدام بعد خسارة للفريق العراقي لكرة القدم عام 96 أمام السعودية:
( بابـــا .. آني ما أفتهم بالسياسة .. فما أتدخــّل فيها .. أنت ما تفتهم بالرياضة ، ليش تتدخـــل ؟ )

لكل ذلك وحتى الذين ناصبوك العداء ، وجدوا فيك تلك الشخصية الشجاعة والمقدامة في عطاءها وهي تسامر الكرة لعبـــاً و تدريباً و عشقاً والتي أبرهت حتى عقول الصغار وأنتَ تقيم لهم ثلاث مدارس كروية للتدريب في سنواتك الأخيرة.

ربما يخونني الوقت ، لكي أبحث بين الرفوف والمجلدات عن تلك الصورة التي تحمل حب الناس لك يا عمو !
لكنني وأنا أستمع الى خبر رحيلك الذي كنا لا نريده بهذه العجالة ، فإن العبرات لم تخونني هذه المرّة ، ليس حزناً ، بل تحيــــة لك و لوطنيتك و شجاعتك النادرة والمعطاءة.

ســـــــــلاماً عمو بـــابا !
* * *
بصرة - أهـــــــــــوار
30 آيــــــــــار 2009





 


 

Counters