| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبدالجبار السعودي

basrahahwar@hotmail.com

 

 

 

الأثنين 29/3/ 2010



(كلبة جيــــراني) المدللة !

عبد الجبار السعودي

  تقول الأخبـــــار:

((بحث محافظ بغداد الدكتور صلاح عبد الرزاق مع اللجنة المسؤولة عن تنفيذ الحملة الوطنية لمكافحة الكلاب السائِبة في بغداد  ، الخطة المعدة لتنفيذ هذه الحملة التي ستنطلق في الحادي عشر من الشهر الحالي.

وقال الدكتور عبد الرزاق في بيان أورده مكتبه الإعلامي إن" هناك الكثير من الشكاوي من انتشار الكلاب السائبة داخل المدن وما تسببه من عبث بالنفايات وقد لوحظ  إن هناك العديد من الأطفال أصيبوا بالإمراض. مضيفاً : "يجب إن يكونِ هناك حملة إعلامية لتهيئة الناس لكي تكون على علم بعمل هذه الفرق مما سيسهل علينا الكثير من المشاكل".

واكد إن" المحافظة ستوجه الوحدات الإدارية في المحافظة لتقديم المساعدة و تبليغ الدوائر الأخرى التابعة للوزارات  لإمكانية الاستفادة من السيارات أو معدات أخرى لدعم الحملة". مطالباً "بتقديم كشف باحتياجات الحملة لكل شهر وكم يحتاج المشروع خلال عمله لعام كامل وتشكيل لجنة بذلك ودفن هذه الحيوانات بدل من حرقها و تزويد المحافظة بتقارير أسبوعية عن عمل هذه الفرق ليتسنى متابعة هذه الفرق واخذ الإحصائيات من اجل إنجاح الحملة ومن اجل القضاء على هذه الظاهرة تدريجيا ".

في سياق متصل أعلن المحافظ انه" ستنطلق في الأول من شهر نيسان المقبل  حملة لمكافحة القوارض والحشرات الطائرة مثل البعوض والذباب  خاصة في منطقة الكرخ  بعد وصول شكاوي بانتشار هذه الحشرات و ستبدأ في المناطق القديمة منها ". مؤكدا إن "العملية تعتمد على مدى الشكاوي المقدمة من المجالس البلدية بهذا الخصوص و الشكاوي المقدمة من المواطنين على وجود قوارض فتخرج فرق مختصة لمكافحة هذه القوارض")). أنتهى الخبر المنشور في موقع النهرين في يوم 28 آذار الجاري 2010.

  وأنا أقرأ الخبر هذا، تهادى الى أسماعي نباح كلبة (جيراني) التي أشاهدها يومياً عبر النافذة تتقافز مرحــة ً وهي تلاعب أقرانها من الكلاب، صغيرات وكبار، في تلك الجنينة الواسعة والجميلة والمحاطة بأزهار( التولب ) الجميلة والمتفتحة في أجواء الربيع وفي خلف الدار التي أسكنها!

  تلقفت خبر أو أعلان أو بيان محافظة بغداد هذا وأنا أستذكر حملات الأبادة هذه المتكررة التي يراد منها القضاء على هذه الحيوانات الأليفة بدلاً من البحث عن أسباب (وحشيتها) أو نقلها للعدوى بين الصغار!   تذكرت (الحملات الوطنية) (المبرمجة) للقضاء على الكلاب السائبة التي أبتدأت في نهاية السبعينيات من القرن المنصرم وأطلاق الرصاصات التي كانت تدوي في الشوارع والأحياء (وتحديداً في أوقات الليل) مع توتر الأجواء السياسية في البلد بسبب سياسات السلطات الفاشية آنذاك (وأستعداداتها المسبقة للحرب) وما كان يصاحب تلك الحملات من أجواء نفسية متصاعدة مع كل الأطلاقات الجديدة على أسماع الصغار والكبار معاً، وخصوصاً أن أحداً ما لم يكن يعرف وجهة تلك الأطلاقات، وفيما إذا كانت ضد الكلاب السائبة فعلاً أم ضد آخرين من بني البشر؟! لم يكن يعلم سوى منفذي تلك الحملات الذين لم نشاهدهم بسبب (منع التجوال المؤقت والمحسوب مسبقاً) وقد تكررت تلك الحملات لمرات عدة خلال سنوات الحرب العراقية الأيرانية وما فرضته أحوال الحرب وأتساعها شيئاً فشيئاً من فوضى في الحياة اليومية المدنية للمواطنين وأجهزة الدولة وسوء الخدمات (في أزليتها المعروفة) ومعها تزايد عدد الكلاب السائبة والمنتشرة ليس في الأحياء السكنية وحسب، بل وفي جبهات القتال وحيث كانت تعتاش على مخلفات ما تلفظه الجبهات آنذاك !!  

هذا الخبر الذي قرأته وأجبرني لكي أجلس خلف جهاز الكومبيوتر لساعات طوال متناسياً شجون وأحداث الساعة المتلاحقة .. الخبر هذا نفسه يُدين الأجهزة الأدارية والفنية لمحافظة بغداد ذاتها وخططها وبرامجها و(حملاتها الوطنية) تلك كما قرأنا، فهي تعلن وتؤكد ولا تنـفي عن خطر أصابة العديد من الأطفال بالأمراض جراء عبث الكلاب السائبة بالنفايات فيما يتم تجاهل التساؤلات التي يطرحها سكنة الأحياء السكنية والشعبية منها على وجه التحديد يومياً ومنذ عقود مضت عن سر هذه (المعضلة) في عدم التغلب على أكداس النفايات المتراكمة التي تعبث بها الكلاب السائبة والقطط والفئران و الجرذان ؟ ما هذا السر في أزدياد تراكم تلك الأزبال، فيما الميزانيات السنوية هي الأخرى تتراكم وتزداد وتزداد معها اللجان والآليات و تزداد معها هذه المرة الحملات ( الوطنية ) ؟! ما السر الذي تتحدث عنه الأرقام عن أزدياد كميات ضخ النفط العراقي من الجنوب وهذه المرة من حقول الشمال كما يراد له الآن، مع تقادم وتفاقم مشكلة (تراكم الأزبال) ؟! أترك الأمر للأقتصاديين المختصين!!

 ((معضلة الكلاب السائبة)) لو صح التعبير رغم خطورتها و تهديدها للصحة العامة لا تستدعي تجييش كل هذه الفرق واللجان و(التخصيصات) .. و(هي مالية طبعاً) والتي لا يعرف أحد كيفية التحقق منها ومن طريقة صرفها وخصوصاً أن لا معطيات حقيقية سوف تنشر أو تتابع عن عدد الكلاب المنتشرة وفي أية أماكن وفي أي بقعة من الأرض وعن حركتها وأخيراً عن عدد الكلاب المقتولة والأحصائيات عنها وفي أية مقابر دفنت!!

  الكلاب لا تعيش وحدها، فهي بطبيعتها تعيش على شكل مجموعات متحدة أو أخرى متفرقة ولها عالمها وكيانها الخاص وهي كأية حيوانات لبونة، فإن أناثها سوف تلد بأستمرار وتتزايد أعدادها و تنتشر وسط فوضى البيئة في العراق وتلوثها والعبث الحاصل فيها. وهنا يأتي تساؤل آخر: ماذا عن أطفال تلك الحيوانات التي سيتم تصفيتها، هل سيتم القضاء عليها وهي صغاراً؟ هذه الجراء الصغيرة التي لا حول ولا قوة لها وهي لم تزل صغيرة ، هل سيتم تصفيتها هي الأخرى أم أنها ستترك لتكبر لكي تعيش عليها و تنتفع لجان وفيالق أخرى ؟!

 كان الأجدر بالمسؤولين في محافظة بغداد وهم يحشدون كل هذه (الفيالق) أن يعالجوا معضلة الأزبال التي تتراكم وعلى عناد المواطنين ولا من بشير يلوح في الأفق لحل معضلتها !

  أما عن القوارض و البعوض والذباب التي يبشــّر الخبر بها وبالقضاء عليها، فلا أدري أين ستبحث عنها الفرق المتخصصة تلك ؟ أين ستبحث عن الجرذان والفئران ؟ في الأنفاق الطويلة و المتشابكة التي تمتد من زاخو الى الفاو وهي تنخر بالتربة و بالوطن وبالصحة العامة للمواطنين وعلى عناد الحكومات المتعاقبة ؟ في المجاري المتهالكة التي تنخر في أحياء و زقاق المدن والقرى والقصبات وتحت الأرض والتي تتفنن القوارض لكي تختبئ فيها هانئة لكي تنهض من جديد ؟ أين ستبحث تلك الفرق المتخصصة عن الذباب و البعوض ؟ هل في الأزبال التي تعتاش عليها والتي تتنافس مع الكلاب والفئران لأقتناص حصتها اليومية منها ؟ أليس الأجدر القضاء على المستنقعات والمياه الطافحة و تجمعات النفايات ذاتها في المحلات والأسواق ؟ هل تخلو مرافق بنايات محافظة بغداد نفسها من الذباب العادي والمألوف منه والآخر ذو الألوان القرمزية، المبهجة هذه الأيام ؟!

 ما قرأته وما قرأه الآخرون هو ضحك على الذقون كما يقال، فالأجدر بأجهزة محافظة بغداد و بالتعاون مع وزارة الصحة ( إذا عناها الأمر فعلاً ) للقضاء على منابع هذه البيئة الملوثة وعن هذه الأزبال (الملونة) و(الفريدة بموجوداتها) والتي عجزت الدولة العراقية والأجهزة المختصة و فيالقها منذ تأسيسها في العشرينيات من القرن المنصرم ولليوم في الحد من تراكمها الأزلي وخطورتها، فيما تتفنن الدول المتقدمة وحكوماتها المنتخبة في الأتيان بأحدث الأساليب لمعالجة تلوث البيئة ومخاطرها عبر الوزارات و الأجهزة المتخصصة و توسيع رقعة المناطق الخضراء و التفنن في هندسة الزهور!

 عند ذاك فقط وحيث الأحياء وشوارعها وساحاتها نظيفة، ومياه الصرف الصحي تسير على هدير واحد وحيث مصانع تكريرها، عند ذاك فقط ستجدون الكلاب وديعة وهانئة في أحضان الناس ودلالها كما هو حال كلبة (جيراني) المدللة ! وحتى الفئران نفسها ستكف عن العبث وتغادر مواطن سكناها دون رجعة وفي أحسن الأحوال سترحم بالعراقيين وتأكل على قدر (حوصلتها) بعد أن قسى عليهم المتطفلون من اللهيبية والحرامية وهم يتفنون في سرقة مقدرات البلاد دون رحمة!

لا أشك في نوايا السيد محافظ بغداد، لكني أنقل له أن كلبة جيراني تنامُ هانئة ً بين الأحضانِ وتتطلعُ الى يوم ٍ قادم ٍ أكثرُ أنشراحـــــــاً!!

* * *

بصــرة - أهــوار
2
8  آذار 2010
 


 


 

Counters