| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبدالجبار السعودي

basrahahwar@hotmail.com

 

 

 

الأحد 20/9/ 2009



هل هو ( نذرُ العيدِ ) أيها القتلـــــــة ؟!

عبد الجبار السعودي

حَملت الينا الأخبار يوم أمس السبت 19 أيلول الجاري 2009 مصرع شابين من الصاغة المندائيين في قضاء الزبير بمجافظة البصرة على أيدي عصابات مجرمة، مستخدمين مسدسات كاتمة للصوت في ظاهرة ليست مستغربة وسط عسكرة واضحة وشاملة منذ عقود شهدها العراق منذ منتصف السبعينيات من القرن المنصرم مروراً بالحروب العبثية وحتى يومنا هذا.

هذا الأنفلات الأهوج للمارقين والقتلة وهم يمارسون هواية القتل المتعمد للمواطن العراقي بشكل عام ولأبناء الأقليات بشكل خاص وبمباركة من أطراف دينية و سياسية متطرفة تعج وتفخر بميليشياتها المسلحة والجاهزة على أتم الأستعداد لتصفية من يرونه مناسباً تلبية لأطماع شخصية أو حزبية ضيقة أو طائفية.

الصابئة المندائيون، سكنة العراق الأوائل و ملحُ الوطن كما أطلق عليهم بعض المفكرين والكتاب العراقيين يتعرضون لحملة أبادة مستمرة ، تختلف وتيرتها من حين لآخر، لكنها لم تتوقف ، وتزداد شراستها وهمجيتها مع عجز السلطات عن ألقاء القبض على قتلة الكثيرين منهم الذين سقطوا قتلى في محلات سكناهم أو في أعمالهم أو الشوارع أغتيالاً أو عن الذين يتم أختطافهم عنوة وأكراههم على ترك معتقدهم الديني وأصولهم وفي خطف وأغتصاب فتياتهم وأجبارهن على أعتناق الدين الأسلامي .

هذه الحملة من التصفيات الجسدية لم تتوقف لكون الوطن يعيش حالة من التسابق لا عبر تكريس مؤسسات الدولة بعيداً عن الطائفية ومحاصصات الأحزاب المتنفذة في السلطة وتكريس مبادئ المواطنة وأحلال الأمان من خلال القضاء على البطالة المتفشية من خلال المشاريع الأقتصادية الواعدة وغيرها من أجراءات الأصلاح الأقتصادي والأجتماعي التي ينتظرها المواطن ،بل يعيش الوطن في حالة من التسابق على المكاسب والمنافع والمناصب بين القوى التي تحكم بالقرار السياسي فيه، أما المواطن البسيط الذي يتطلع للعيش بأمان وعودة سالمة لبيته وسط أطفاله و ذويه ويحلم بمحصول يومي وبخدمات مقبولة ومعقولة تواكب ما هو التقدم الحاصل في القرن الحادي والعشرين ، فيبدو أن الأهتمام بهذا الأنسان قد أصبح ليس من أولويات السلطات المحلية في المدن العراقية لسبب واضح هو أن تلك السلطات وأغلب مسؤوليها يلهثون وكما هو واضح وراء هوايات متعددة و بتفنن مبتكر و واضح لحصد المغانم قبل فوات الأوان ، متخذين من خلفياتهم الدينية والحزبية منطلقاً لتحقيق تلك الغايات.

صاغة الصابئة المندائيون وفي مقتبل السبعينيات وما قبلها من القرن المنصرم وتحديداً في البصرة وأسواقها الشعبية المعروفة ( سوق الصيادلة و سوق الخضيري و سوق حنا الشيخ وغيرها ) كانوا يتركون محلاتهم غير مقفلة بشكل نهائي ويتوجهون لبيوتهم لتناول طعام الغداء ولقضاء قيلولة الظهيرة أيام الصيف القائظ ولساعات معدودات.. ولم تسجـّل حينها وعلى مدى سنوات، ظاهرة سرقة ما أو أعتداء ما أو سطو مسلح .. الخ كما نشهد الآن ! نفس مكونات المجتمع العراقي كانت تعيش في حالة من التراضي والسلام الأهلي المطمئـِـن الى حد ما، رغم التمييز الواضح للقوانين الحكومية الوضعية ولبعض الممارسات الأجتماعية على قلتها ضد أبناء الأقليات تحديداً. إلا أن الحال قد تدهور لاحقاً وبشكل سريع خلال سنوات الحروب الرعناء للنظام المدحور وما تلاها وحتى هذه اللحظات، وحيث نشهد ظهوراً ملحوظاً هذه المرة للمسدسات الكاتمة الصوت في تصفية المواطنين الأبرياء عمداً ومع سبق الأصرار!

السلطات المحلية في البصرة وغيرها تلهث وراء ( باعة الخمور ) و( باقي الممنوعات ) وتلقي القبض عليهم وربما تفرج عنهم لاحقاً بعد دفع الأتاوات ، في حين تعجز عن القبض على قتلة المواطنين الأبرياء ومنهم هذين الشابين !

السلطات المحلية تلاحق ( أصحاب الممنوعات ) وحسب تصنيفها المستند الى فتاوى التكفير والتخوين المبتكرة وتعجز عن ملاحقة عصابات الجريمة والقتل وعن أحلال السلام الأجتماعي المحلي و توفير الخدمات.
لا أدري بأية حلـــّة من العيد سيخرج هؤلاء القتلة ومن يباركهم، هُم وعائلاتهم و ذويهم وهم يتلقون التهاني (بالمناسبة) ؟ بأية بركة وبأية حجة أو تسبيح سيرفعون أياديهم لـ (سمائهم) داعين ومباركين؟ على أية رقبة (سيدة) أو (عاهرة) سيعلقون قلائد الذهب المسروقة مهنئين ومبتسمين ومقـبـــّلين ومتشدقين بمباركة ربـــّهم ؟ على أي معصم ٍ ستتلاعب أسورة الذهب التي خطفوا حياة صانعيها ومالكيها ومن ثم بريقها ؟

ليس مستغرباً في وطن مستباح من القتلة المأجورين أن يذهب هؤلاء بعد أرتكاب جريمتهم وسرقتهم الى جامع ٍ مــا أو حسينية ما لكي يكفروا عن ذنوبهم أو يقبــّلوا أيادي السادة والمؤمنين طمعاً بالتهنئة والأمتنان على فعلتهم تلك ! ليس مستغربـــــــاً أن يصبح الذهب المسروق والمدمّى محلــّـلاً بعد مباركة ( سيد ) ما أو ( إمام ) ما، أخرق ٍ أو أهوج ٍ من أدعياء الدين وما أكثرهم هذه الأيام !

ليس مستغربـــاً أن يزور هؤلاء القتلىة يوماما مساجد الأئمة الأبرار المقدسة ( وهي براء منهم ) ويؤدون مراسيم الزيارة وغيرها من الطقوس ويعودون سالمين وغانمين في الحلّ والترحال !!

ليس هذا وذاك ، بمستغرب في أيامنا هذا، بعد أن تعددت ( المحارم ) ومصادرها من فتاوى لا حصر لها يقف في مقدمتها التحريض على قتل ( الكفـــــار ) من أصحاب الديانات الأخرى والوطنيين وبلغات ولهجات متعددة يزخر بها الوطن، تفنن وتسابق عليها بعض أئمة المساجد والجوامع خلسة وعلانية وبدرجة أمتياز لا مثيل لها !

دماء الشهيدين المندائيين ( مهنــّــد قاسم عبد الرزاق و فرقـــــــد فائق عثمان ) التي أنتشى لهدرها القتلة الأرهابيون في ساعات الصباح الأولى في قضاء الزبير بمدينة البصرة وأباحوها ( نذراً ) للعيد .. وقبلها لشهيدين آخرين خلال الأسابيع الثلاث المنصرمة في بغداد تستصرخ كل الوطنيين وأبناء البصرة النجباء في الدرجة الأولى وأبناء العراق نساءً و رجالاً للوقوف بوجه هؤلاء القتلة ومن يقف وراءهم والذين لطخوا وجه العراق بحالك السواد وأساؤوا هُم وغيرهم لسماحة دينهم وللمناسبات الدينية ومنها هذا العيد!

أما أنتم أيها ( السادة الأمنيون و رؤوساء المجالس ) فبعد أن منعتم و حرّمتم كما يحلو لكم شرب و بيع وتداول وتعاطي الخمور وبدرجة أمتياز، بعد أن وفرتم الأمن والأمان والعيش الرغيد لأهل العراق ولمستقبل أطفاله ، فما عليكم إلا أن تبحثوا عن بائعي ولاعبي ( الدُعبــــل ) في أزقة و شوارع مدنكم و ترفعون توصية الى مجلس النواب خوفاً من أن يتحول (الدعبل) ذات يوم الى حجارة وسلاحاً بأيدي المنتفضين الكفار !
* * *
 


بصرة - أهـــــــــــوار
20 أيلــــول 2009





 


 

Counters