موقع الناس http://al-nnas.com/
بعد مرور أربعة أشهر على الإنتخابات ..
قــدّح المشمشْ .. يــا ( حكومـــة ) !
عبد الجبـــار الســـعودي
قد يترحم عليّ البعض في الدنيا قبل الآخرة وهو يسمع
بــ ( المشمش ) في مثل هذا الزمن الرديء الذي نعيشه ، وقد يلعنني بعضهم لأني (
بطران زماني ) وأنا أحدثهم وأذكرهم بتلك الثمرة اللذيذة وحلاوة وميوعة قضمها وأكلها
.. ومن ثم حموضة مذاقها وهي تذوب بين اللســــان والأسنــــان !
ومهما كان حكم أبناء جلدتي .. وأبناء وطني ، فإني راض بحكم الخالق .. والعبــــــاد
.. في أرض السواد ! لكني وأنا المحروم لا من المشمش و عذوبة مذاقه وحسب ، بل ومن
رؤية منظره والترحم على أيــــام زمان ، فقد شدتني الذكرى و بعفوية لا أعرف منبعها
.. لأغنيـــة المطرب سعدون جابر وهو يتغنى لا بثمرة المشمش نفسها ، بل بوروده
البيضاء المزهرة والفواحة ، حين يردد :
قدّح المشمش .. وإنت من قدّاحـــــه
تذكرت الأغنيــــة .. و رددتها مع نفسي ، وتحسرت على أمرين لا ثالث لهما في
أيـــــام حياتي التي أحيــــاها في بقعة من بقاع المعمورة .. وأنـــا أحمل ، لا
هموم موطني وحسب ، بل هموم أهلـــــي و شعبي هناك .. وهموم الأيــــام التي طالت
ولا من بشير يمر و ينثر أفراحه على الناس والعباد و يحل من ( عقدة ) الأيــــام
التي يحيونهـــا !
تذكرت حماسة الأيــــام التي بها إندفعنــــا لكي تكون لنــــا بصمتنــــا
الوطنيـــــة في الإنتخابات الأخيرة .. و عبق الفرحة .. وعيون الناس وهي تأتي من كل
صوبٍ وحدر .. تفيض حماساً .. و نخوة .. وشهامة .. و حباً عارماً للوطن !
و رغم إن ( نشوة ) تلك الأيـــــــام لم تزل عالقة في الأذهان والروح المتعبــــة
التي يحملها كل عراقي ، لكني ، وكما هُـم أبناء وطني المعذبون ، أتحدث الآن بلغة
أخرى .. صارخة .. و رافضــــة لكل ما دار .. و يدور .. ! فلا الوفــــاءُ الحقُ (
يلمعُ ) و يُعلن ( بريقه ) في سماء الوطن من أجل الضحايـــا الشهداء .. ولا
الوفــــاء الحق المنصف للكادحين المتعبين يتصدر همم الرجال و نخوتهم (
البطوليــــة ) التي أشبعتــنـــا ( إنتصارات ) !
كل شيء يختلط ، ومن جديد ! ولا كأن الوطن مذبوح و ينوح مع الأيام .. ! وإن جاءت
إستجابــــة مــــا .. فهي محسوبة بقدر ما تأخذ فقط .. لا غيــــــر !
مرّت أربعة أشهر بالتمام والكمال على ما أفصحت به أصوات شعب العراق .. نساءً و
رجـــالاً .. ولا نسمع إلا وعــــوداً بالبشير القادم والمنتظـــــر .. وشعبنا ينوء
ويسيل دماً و تتلاعب به هموم الحياة ومتاعبها و أهواء الطائفية المقيتة و شرورها !
أما الذين إرتضـــوا أن يمتطوا ظهر كل هذه ( المحن ) ، فيبدوا أنهم تناسوا أن
للطبيعة قوانينها ، وللحياة جدلهـــا .. ولهموم الناس في الوطن كلها لها مستحقاتها
، قبل مستحقاتهم هم أنفسهم ! فلا من منصب يدوم في وطن العراق ، ولا من كرسي لا
تتآكل و تتردى أخشابه ، ولا من عقـــــول تبقى صدئة الى يوم القيــــامة وإن
كثــــُر النواح ! فالحـــــال .. و الجود .. من ( الماجود ) كما يُقـــــال !
فيا ( فرســـــان ) الوطن المذبوح ، صغيركم و كبيركم .. لا تجعلوا من جماح ( خيولكم
) و ( خيـــــالكم ) مطحنة جديدة لما تبقى من نعمة أرض الرافدين و بشرهِ ! ولا
تختــــاروا ( أرضاً ) لأهواءكم لا تنبت فيها أشجار المشمش والياس والزيتون !
فالأرض الحق التي عليها تقفون هي أرض سومر ومن عاش فيها من أقوام لا زالوا بينكم
حتى يومنا هذا ، وهي أرض كيش و عنفوانها و أور وقدسيتها و بابل و رموز جنائنها و
نـــُفـــّر و آشور و بسالة أحفادها وهي أرض كربلاء الباسلة و كردستان و صمود
رجالها ! فلا تنسوا و تتناسوا و تتماهلـــوا وأنتم ( تتطاحنون ) من أجل أيـــــام ٍ
.. و أمجـــاد ٍ .. زائلـــــــة ! فقد قدّحت أشجار المشمش و تذوقت شعوبٌ كثيرة
مذاق حلوها .. ونحن لم نزل لم نسمع بها ، ولم نمتـــّع أنظارنــــا ببياض
ورودهــــا و فواح عطرها ! و ربمــــــا لا يأكل ( ثمـــــارها ) حلوة و عذبة إلا (
القليـــــل ) من رعية الوطن المحرومين أصلاً ، لا من ( اللب ) و حلاوته وحسب ، بل
من لون ( القشر ) و نضارته !
فحذار .. و حذار .. و حذار ، فالثمــــار لا تدوم نعمتها وعافيتها إن لم نرع جميعاً
منبعها ونسقي معاً جذور منبتها ، وقد تـــُنخر الأشجار والثمــــار معاً بــ (
ديدان ) لا زالت تعيش بين ثنايــا تربتكم الرخوة التي عليها تقفون وعلى الكراسي
التي بها تحلمون !
بصرة – أهــــوار في 17 نيســــــان 2006