| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. عامر صالح

 

 

 

الأربعاء 26/8/ 2009

 

التحصيل الدراسي المرتفع والذكاء الطائفي المنخفض!!!

 د.عامر صالح

"
غاية الأدب أن يستحي الإنسان من نفسه "
                                          علي بن أبي طالب(ع)

أثار التلاعب بنتائج الامتحانات الثانوية العامة وتزويرها في العراق على أساس جغرافي ـ طائفي استنكارا شديدا لدى أوساط المثقفين والكتاب والتربويين,نظرا لما يحمله من معاني خطيرة على مستوى تعزيز حالة التشرذم الطائفي ودق الآسفين في كيان الدولة وقطاعاتها المختلفة ونخر نسيج المجتمع العراقي,عدا عن كونها سرقة تمارسها السلطات التربوية لجهود الآخرين,لا يتفق مع الحد الأدنى من المعايير الأخلاقية والعلمية. وهي حلقة متواصلة من حلقات تدمير مكونات المجتمع العراقي وتأليب عناصر بنيته المتجانسة والمتعايشة تاريخيا,على قاعدة البحث عن ابخس الوسائل لتعزيز حالة " فرق تسد ",وإلحاق الضرر بقطاع التربية والتعليم,الذي يجب أن يتمتع بموضوعية وشفافية متناهيتين في أدائه على مستوى الفعاليات الداخلية لهذا القطاع ومخرجاته.

إن الأمم تقاس بقوة نظمها التعليمية والتربوية والتي تكون مخرجاتها على درجة عالية من الجودة,حيث تعد أفراد مؤهلين على درجة عالية من الكفاءة ومبدعين قادرين على تطوير المجتمع,ولديهم مرونة عالية على تطوير أنفسهم ومواكبة التغيرات ومستجدات العصر القائم على التقدم العلمي/التربوي والتكنولوجي,والتالي فأن النزاهة في هذا القطاع يعتبر من المؤشرات الدالة على كفاءة القطاع الداخلية,التي تتجسد من ضمن أمور أخرى بمصداقية الوسائل والمعايير والمقاييس التي يلجأ إليها لفرز الاصطفاف في التحصيل على أساس الكفاءات والقدرات الشخصية المختلفة لكي تستجيب بصدق وأمانة لحاجات التطور الاقتصادي والاجتماعي القائم على أساس التنوع في القدرات والإمكانيات الذاتية,لا على أساس التزوير وخلط نتائج التحصيل والعبث بها لمصلحة فئوية وسياسية بما يرفد سوق العمالة بأضعف وأردئ " الكفاءات ", وتلك هي تجارب البشرية المتقدمة التي يعز عليها مكانة الإنسان والعلم أولا و أخيرا,تلك هي التجربة الروسية "الرائد الأول للفضاء " , وتلك هي التجربة الأمريكية " الدولة رقم واحد في البحث العلمي والتقدم التقني ",وهذه هي التجربة اليابانية في خلق وتربية الإنسان المنتج والمحترم لنظامه السياسي ولديمقراطيته .

إن تزوير نتائج الامتحانات هو من المؤشرات الخطيرة لانعدام ثقة الطالب بنظامه التعليمي,ومن ثم بنظامه السياسي الذي يدعي الديمقراطية والعدالة والمساواة,فأي عدالة هذه وأي مساواة يسرق في ظلها أتعاب وجهد الآخرين.أنها عملية تثبيط للحوافز والمثابرة والإبداع القائم أصلا على المنافسة الفردية النزيهة وعلى بذل الجهد الذاتي.إن انعدام ثقة الطالب بقياداته التربوية في قطاع يعتبر من أكثر القطاعات تجمعا للعنصر البشري وتنوعا في ثقافات وطوائف واديان وأعراق الدارسين فيه,يعني ما يعنيه إلحاق الأذى بالطفولة "إن وجدت " والعبث بمستقبل الشباب " الواعد " الذي مازال يعيش لغد مجهول ويعني هذا أيضا خرقا لمبدأ تكافؤ الفرص التعليمية والمساواة التي قامت عليه نظم التعليم الإنسانية ورعته الأمم المتحدة,ويعني أيضا العبث بإمكانيات وقدرات شعبنا ومنعه من التعبير عنها, وتشويه فطرة الإنسان وقابليته عبر لجمها وعدم منحها استحقاقاتها.

إن تحسين التحصيل الدراسي أو رفعه, باعتباره درجة الاكتساب التي يحققها الفرد,أو مستوى النجاح الذي يحرزه أو يصل أليه في مادة دراسية أو مجال تعليمي,أو معدل دراسي في مجمل المواد لا يأتي من خلال التزوير وإعطاء من لا يستحق حقوق غيره,بل من خلال إجراءات تربوية مستديمة ومتكاملة يجب على النظام التربوي والقيادات المسئولة أن تأخذ بها " إذا كانت حريصة على تحسين التحصيل والأداء المدرسي "ولعل أبرزها : تطوير الخدمات التربوية وتحقيق نوع من العدالة بين المدن المختلفة من جهة وبين الأرياف والمدن من جهة أخرى,التحسين والتطوير المستمرين للمناهج وطرق التدريس الفعالة,تطوير أداء الكادر التدريسي عبر إعادة التأهيل وغيره من أشكال الإعداد,انتقاء عناصر الإدارة التربوية والتعليمية على أسس مهنية وحيادية وذات تأهيل مناسب,إحداث وتطوير نظم الإرشاد التربوي والنفسي,التي تسهم بحل مشكلات الطلاب بما يسهم برفع مستوى التحصيل,والوقوف على معوقاته وحل المشكلات ذات الطابع الفردي في انخفاض التحصيل,الحد من تأثير المشكلات الاقتصادية في التحصيل الدراسي,عبر دعم الأسر الفقيرة " وما أكثرها في عراق الذهب الأسود " بما يخفف عن كاهل الأطفال ويسمح لهم بمزيد من التفرغ الدراسي,تنظيف نظام التعليم من المزورين,وكذلك إعادة النظر الجذري دوريا بالمناهج الدراسية والتأكد من سلامتها من الطائفية والتعصب,وبما يخدم ربط المنهج بالبيئة وحاجات المجتمع.

وإذا أردنا للنظام التعليمي الارتقاء بمستوى مخرجاته (خريجيه) فيجب أن نلجأ إلى التقويم الشامل للطالب,باعتباره مكونا أساسيا في العملية التربوية ,وان تقويمه يجب أن يتضمن جميع أبعاد شخصيته : المعرفية ـ العقلية ـ الجسمية ـ الوجدانية, على اعتبار أنها وحدة واحدة,والابتعاد عن أحادية الجانب في تقويم التحصيل والتي تركز فقط على البعد المعرفي(أي المعلومات فقط التي يحصل عليها الطالب ويحفظها في الذاكرة لانتظار موعد الامتحان),فأن التقويم الشامل هو عنصر أساسي في نظم التعليم المعاصرة ,ومن خلاله يتم الوقوف على مدى تحقيق أهداف النظام التعليمي والتأكد من كفائتة في الاستجابة للظروف الحياة المتغيرة أبدا.ومن يريد أن يجير الذكاء والتحصيل بطائفة أو ملة ما بعيدا عن فهم عوامل تحسين التحصيل وظروفه,فأنه بالتأكيد من ذوي الذكاء المنخفض,إن لم يكن من فئة المعتوهين عقليا,وهو غير قادر على فهم ظاهرة التربية ودينامياتها.وبقدر ما نبذ شعبنا التبعيث في التعليم,فأنه سوف ينبذ الطائفية وطريقتها في رفع التحصيل !!!.


 

 

free web counter