| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. عامر صالح

 

 

 

                                                                                      الخميس 25/8/ 2011


 

بين إسقاط نظام عربي قمعي وبناء الديمقراطية !!!!

 د.عامر صالح 

لقد أسدل الستار على عدة أنظمة قمعية في المنطقة العربية, كنظام صدام حسين في العراق ونظام زين العابدين في تونس ونظام حسني مبارك في مصر وأخيرا ليست آخرا نظام العقيد معمر ألقذافي في ليبيا, وسوف تتبعها بالتأكيد سقوط نظم عربية قمعية أخرى, ولا يستطيع نظاما تجاوز منطق التاريخ الذي تلخصه المقولة الفلسفية: " تحول التراكم الكمي إلى تحول نوعي " عند توفر شروطه المناسبة آجلا أم عاجلا, أو كما يترجم قانون نيوتن عن الفعل ورد الفعل في نطاق الفعاليات الاجتماعية بالقول: " كلما يرتفع مستوى القمع فأن منسوب المقاومة يزداد بدوره ", ونلاحظ لذلك أيضا إشارة في التراث الشعبي المتداول والذي تعكسه بعض العبارات الشائعة الاستخدام مثل: " لكل ظالم نهاية " و " الظالم أيامه معدودة وان طالت " أو " ما طار طير وارتفع إلا كما طار وقع ", كما لا يستطيع أي نظام في المنطقة إيقاف عجلة التأريخ نحو الأفضل باعتباره فعل جمعي قائم على خلفية تفاعل عوامل الفقر والفاقة والظلم والاضطهاد وانعدام الحريات العامة والعزلة المجتمعية عن العالم, وقد اختمرت عوامل التغير المذكورة لعقود لتوحد الجماهير المنتفضة باختلاف مشاربها, وهو تراكم لازم لانطلاق فعل الثورة !!!!.

وقد لعبت العوامل الخارجية الدور المعجل لاكتمال شروط اندلاع الثورة ثم نجاحها في مرحلتها الأولى, وأقصد هنا بالعوامل الخارجية هو القوة العسكرية منها وكذلك العوامل الثقافية والتقنية, حيث تدخلت القوة العسكرية الأمريكية لإسقاط نظام صدام حسين, كما تدخل الناتو لمساندة الثوار في إسقاط نظام ألقذافي, أما بالنسبة للعوامل الخارجية الثقافية والتقنية المعلوماتية من فيسبوك وتوتير واليوتوب وشبكات الانترنيت ومختلف تقنيات التواصل الاجتماعي فقد أثرت بكل مجتمعات المنطقة تقريبا, من خلال التواصل الاجتماعي بين مختلف بقاع العالم وخاصة المتقدم منه, متأثرة بشكل كبير بالتجارب الديمقراطية العالمية ومعجبة بمناحي الحياة المختلفة عبر آخر المعلومات عنه والاطلاع على الجديد فيه. وكذلك لا نستغرب أن يكون الشباب هم القوى المحركة لهذه الثورة ولهذا التغير, انطلاقا من مصلحتهم الأساسية في التطلع للحرية والديمقراطية والانفتاح على العالم الخارجي والبحث عن نماذج للعدالة الاجتماعية, ولاسيما في مجتمعات عربية تشكل نسبة سكانها تحت عمر 31 سنة ما يقارب 70% من عموم السكان, وبالتالي فأن الرهان على الشباب في هذه المنطقة هو رهان استراتيجي لبناء المستقبل !!!.

وإذا كان تدخل العامل العسكري الخارجي يثير الكثير من الغضب والحنق والامتعاض لدى فئات واسعة من المثقفين والثوريين وعدم رضاهم عن هذا التحالف بين الثوار وقوى التدخل العسكري العالمية, إلا انه صحت هنا مقولة " عدو عدوي صديقي " في بعض من وجوهها, وخاصة عندما تكون السياسة " فن الممكن " أو ممارسة براغماتية على نطاق واسع قد يصح هذا التحالف مؤقتا, وخاصة في ظل فقدان الأمل في تنازل الدكتاتوريات العربية سلميا عن مملكة العرش المطلق. وعلى العموم فأن الأفعال تقاس بنتائجها وهذا الأمر ينطبق على اتجاهات التغير الحاصلة اليوم وعلى قدرات قواها الذاتية في تقرير بوصلة الأحداث, ونقصد هنا حصرا الحفاظ على وحدة الوطن وترابه, وتماسك النسيج الاجتماعي وحمايته من التدمير والتطهير العرقي والديني والمذهبي والثقافي, والحفاظ على مؤسسات الدولة والممتلكات العامة والثروة الوطنية من الحرق والسرقة والتخريب والتشويه, باعتبارها ملكا للمجتمع, والابتعاد عن سلوكيات الانتقام واخذ الثأر وترك ذلك الآن للقضاء العادل, وخاصة في ظل غياب الطلائع السياسية المباشرة في ميدان التغير لتحتوي عنفوان الشباب المشروع بعد طول الحرمان !!!.

أن بسالة الثوار في المجتمعات العربية المنتفضة لا تضاهى بثمن حيث وضعت مجتمعاتها على العتبات الأولى للخروج من العتمة إلى النور, وهي خطوات نوعية على مسار الحراك الشعبي العربي, وتبقى الأسئلة كثيرة هي التي تشغل أذهان الحريصين على تنقية مسار الثورة وحمايتها من الاختلاس, ولعل من ابرز هذه التساؤلات هي: هل يمكن النهوض قدما لبناء الدولة المدنية, وهل هناك ضمانة لكتابة دستور واضح يضمن حق المشاركة والمساواة للجميع بغض النظر عن الدين والملة والاتجاه السياسي والتأسيس لثقافة الحوار والتبادل السلمي للسلطة, ما هي القدرة على تجنب نظام المحاصصات الطائفية والعرقية في الدستور الجديد, ولكي لا يتحول الدستور لا حقا إلى قنابل موقوتة عند الحديث عن إعادة البناء ( كما في الحالة العراقية والتي لم يستطيع حتى رئيس الوزراء نوري المالكي أخيرا أن يتكتم عنها بتصريحه إلى السومرية نيوز بتاريخ 23 آب الجاري بقوله: أن الحكومة العراقية والدستور العراقي بنيا على أساس قومي وطائفي, وفي إشارته إلى إن الدستور قد تضمن " ألغاما بدأت تتفجر وليس حقوق " دعا إلى تعديله بما يحقق دولة المواطنة ... ), ما هو حجم التدخل الغربي والأمريكي وحتى التركي وبعض من الأطراف العربية في رسم الملامح العامة للنظم القادمة وطبيعة علاقاتها بهذه المحاور, ولكي لا تتحول البلدان المحررة من الدكتاتورية إلى مناطق نفوذ جديدة لصالح القوى المذكورة لتصفية حسابات سياسية أو لإدارة صراعات دينية ومذهبية, والتجربة العراقية اليوم شاهد على عدم الاستقرار من هذا النوع, وغيرها من الأسئلة !!!!!.

بعض من صعوبات الإجابة على الأسئلة المذكورة تكمن في الإرث الثقيل في مجتمعاتنا جراء هيمنة الفكر الإيديولوجي الاستحواذي الذي عمق من ثقافة إقصاء الآخر المغاير والمعارض, وكذلك هيمنة الفكر الديني المتطرف الذي يسعى بكل الوسائل لتطويق عمليات التغير وحرف مسارها, وكذلك انتشار الأمية الأبجدية والحضارية في المجتمعات العربية إلى جانب الفقر وآثاره الجانبية في عرقلة بناء العقل وخياره الديمقراطي, بالإضافة إلى ضعف الإرث السياسي المعارض وعدم قدرته في بناء تقاليد سياسية في البلد وهذا ناتج إلى ما تعرضت له هذه القوى من عمليات إبادة عبر عقود وتصفيات جسدية وعدم السماح لها بممارسة العمل العلني, إلى جانب الكثير من العوامل ذات الطابع النفس اجتماعي لا مجال لذكره هنا !!!!.

ومن هنا يجب أن يأخذ العمل الثقافي والتربوي القادم والذي يصاحب عمليات التغير حيزا كبيرا على طريق بناء الديمقراطية, ومن هنا تأتي أهمية بناء نظام ديمقراطي يدعم التنمية الثقافية ويخلق ثقافة سياسية جديدة تحترم الثوابت الوطنية وتعزيز المواطنة الحق والانتماء إلى الوطن وترسيخ مؤسسات الدولة الديمقراطية والبدء بمعالجة تربوية ونفسية و ثقافية شاملة لآثار السلطات الشمولية, وهو بالتأكيد عمل شاق وليست سهل, ومن أهم الرهانات لبناء الديمقراطية وترسيخها هو العمل على نشر ثقافة سياسية جديدة والتأسيس لبناء وعي مجتمعي جديد مبني على مفاهيم وقيم المواطنة الحق وأسس الديمقراطية والمساواة أمام القانون وتكافؤ الفرص في مختلف المجالات واحترام الرأي الآخر في المشاركة السياسية, ومن هنا يبدأ العمل في التأسيس للديمقراطية على جبهات مختلفة, الثقافية منها والاجتماعية والاقتصادية والسياسية. أنها مسيرة الألف ميل ولكن في البداية السليمة تكمن نجاحات المسيرة كلها !!!!.


















 

 

free web counter