| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. عامر صالح

 

 

 

الخميس 1/4/ 2010

 

بين مفهومي الهزيمة النفسية والخسارة السياسية في
الانتخابات البرلمانية العراقية 2010

 د.عامر صالح
 
"
هناك مناسبات يستحسن فيها أن تخسر بدلا من أن تربح ” .... بلوطسن

لقد انتهت الدعاية الانتخابية وأقدم شعبنا بعنفوان واختار ممثليه السياسيين للبرلمان القادم,وبغض النظر عن البعد الإجرائي للانتخابات ومصاحبها والطعون الموجهة ضدها والطقوس الدعائية الغير متكافئة التي أجريت في ظلها,فهي خطوة أخرى هامة من خطوات ترسيخ الممارسة الديمقراطية,وقد أفرزت الانتخابات كعادتها أن هناك طرفا رابحا وآخر خاسرا في المفهوم الكمي والإحصائي لفرز الأصوات,وليست بمفهوم الكفاءة المميزة لهذا الفريق أو ذاك,حيث لازال شعبنا قيد اختبار الجميع واختبار نفسه أيضا,وقد يحبط شعبنا لاحقا أو قد يشعر بالسعادة,والأمر مرهون بدقة اختياره لسياسيه و بالوعود الانتخابية ومصداقية البرامج, في مجتمع حديث العهد في الممارسة الديمقراطية.

أن من الأمور المهمة جدا في علم النفس كما في السياسة هو جانب التقييم لبعدي النجاح والفشل سواء مع الأفراد أو الجماعات أو الأحزاب,فعندما تصدر مجوعة اجتماعية أو سياسية حكما أو تقيما لنجاح حققوه فأن تأثير الغرور والثقة بالنفس الكاذبة يمكن أن يزداد بتأثير الإيحاء وأتساع دائرة التأثيرات الانفعالية بين الجماعات والأحزاب,وخاصة أذا كان النجاح يأخذ بعدا كميا خالصا في ظروف الانتخابات العراقية,فأنه قد يلقي بضلاله وأثاره السيئة على الإطراف التي خسرت الانتخابات !!!.

وقد أصبحت ظاهرة المبالغة في تقيم النجاح لدى الشعوب المتقدمة ضعيفة التأثير فالنجاح الذي تحققه الأحزاب السياسية أو الجماعات هو نجاح مدروس ويستند إلى برامج ملموسة في غالبيته ويخضع لتنبؤات موضوعية,كما هو الحال على سبيل المثال نجاح المرشح الأمريكي اوباما على الرئيس السابق بوش الابن نتيجة لبعض المنعطفات السياسية الهامة في سياسة بوش التي ساهمت ببلورة رأي أمريكي عام ضدها مما سببت خسارته,أما في المجتمعات المتخلفة فهي تستخدم تقييمات غير دقيقة وغير مناسبة,فتكذب على نفسها وتصدق هذا الكذب,فهي قد تنسب أو تعطي لنفسها أو للأوضاع خصائص وقوى غير موجودة فعلا,وتبني تنبؤاتها على واقع غير موجود فتكون تقييماتها منخفضة الدقة بدرجة ضعيفة,وأغلب هؤلاء يريدون الفوز أو الربح بأي طريقة كانت,فالمهم بالنسبة لهم الشعور بنشوة الفوز والنجاح,ونموذج عودة الكثير من القوى البرلمانية العراقية السابقة إلى البرلمان الحالي المرتقب دون دليل قاطع على انجازاتهم السابقة,وانتخاب بعض من القوى الجديدة التي لا يزال ولائها للديمقراطية مشككا فيه, هو دليل على ذلك.

أن ملاحظة سريعة لسلوك الناخب الذي خسر مرشحيه,وخاصة بعد فرز الأصوات مباشرة,أن هناك شعورا بهزيمة المبدأ أمام الواقع,حيث يشعر الناخب أن ما يحمله من مبادئ فشلت أمام ضغط الواقع,أما بسبب الإحساس الذاتي بعدم واقعية المبدأ والتفكير الأولي الذي مفاده أن المبدأ افتقد إلى الأدوات السليمة في التعامل مع الواقع,أو بسبب جمود وفقدان المنظرين الذين لديهم القدرات الفكرية والذهنية لمطاوعة المبادئ للواقع,ومن مظاهر هذا الإحساس الذاتي هو أن المبادئ تحولت إلى شعارات لا محتوى لها,وكذلك الإحساس بهزيمة الذات أمام المبدأ,حيث يشعر صاحب المبدأ أن ضريبة حمل المبدأ عالية وهو لا يستطيع الصبر عليها,وهذا الإحساس الأولي بالهزيمة يخلق الكثير من المشاعر السلبية لدى الذين صوتوا وخسروا مرشحيهم,كالشعور بالعجز وضعف الإرادة على التغير,أو الإعجاب والتضخيم من صورة المنافس الانتخابي بما لديه من " قدرات ومهارات " على الفوز,آو الإحساس المتدني للذات آو التخلي عن الهوية الذاتية ـ الفكرية.

أن الخسارة في الانتخابات هي جزئ من حالة الفشل المؤقت وهي جزئ من هذه الحياة باعتبارها أمر طبيعي وتجارب تمر بها الأحزاب والجماعات,ونحن نسعى دوما لأبعاد الخسارة عن حياتنا أن كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية,والجميع يعمل من اجل النجاح,ولم نسمع بحالة فرد آو جماعة آو حزب سياسي يعمل من اجل الفشل,وإلا فما جدوى عمله !!!,إلا إننا نتأثر كثيرا بهالة الماضي وتعقيداته وما أوقعه من أضرار أو انتكاسات على هذا الكيان السياسي أو ذاك,فلم نستطيع بعد ذلك أن نسمع بالخسارة !!! بل في أحيان كثيرة نريد ربحا سريع غير متوفرة ظروفه وعلى الفور !!!!.

لقد تعرض الناخب العراقي بفعل خسارة مرشحه إلى هزيمة نفسية أو أزمة أو خيبة أمل,استنادا إلى توقعات ما بالفوز لم تؤتي ثمارها كما كانت مرسومة لها في ذهن الناخب والمرشح,وهكذا شكلت نتائج الانتخابات صدمة نفس ـ سياسية,اتضحت ملامحها بالمراحل التالية :

1ـ مرحلة الصدمة : وهي المرحلة الأولى من مراحل الحزن والتي جاءت بعد فرز الأصوات,ولم يكن المرشح والناخب متهيئا لها,وتحمل الكثير من المشاعر السلبية التي قد يعبر أو لا يستطيع التعبير عنها,وقد ذكرنا بعض ملامحها اعلاه بعد فرز الأصوات مباشرة.

2 ـ مرحلة الإنكار والرفض : وهي المرحلة التالية للشعور بأزمة الخسارة,فالشخص الناخب والمرشح لا يستطيعون التصديق بأن ما حدث قد وقع فعلا,وهنا تأتي أهمية تقبل الخسارة باعتبارها نقيض الربح وقابلان لتبادل المواقع عندما تتوفر الظروف المتكافئة للأعداد والتعبئة لمحاولات قادمة.

3 ـ مرحلة الشعور بالحزن والاكتئاب : وهي أن شرائح واسعة من الناخبين يواجهون أزمات من مشاعر متضاربة من الحزن والاكتئاب واليأس من الكيان السياسي وفقدان الأمل,وقد يرافق ذلك المزيد من مشاعر الشعور بالذنب واللوم وجلد الذات,وهي حالات من النكوص بعيدة عن النقد الذاتي .

4 ـ الشعور بالغضب الشديد : قد تنتاب هنا الناخبين والمرشحين مشاعر الغضب الموجهة نحو الآخرين أو نحو الذات أو للوسط المحيط بهم ومحاولة البحث عن مزيدا من الأسباب الذاتية والموضوعية لإلقاء اللوم عليها وتحميلها مسؤولية ما حصل,كإلقاء اللوم على الكيان السياسي الذي ينتمي إليه المرشح وعلى تاريخه ومصداقيته,وقد تجري تلك بأشكال انفعالية غير مجدية.

5 ـ مرحلة التقبل : وفي هذه المرحلة حيث تهدأ جميع الإطراف المعنية بالخسارة الانتخابية,وتنطلق الحكمة باعتبارها الفيصل لفهم الخسارة والحد من تأثيراتها الضارة والسلبية على العمل السياسي,والتي تجسدها قبول الخسارة بروح رياضية عالية واستيعاب الخسارة,والابتعاد عن المشاكل والصراعات التي تلحق الأذى في الكيان السياسي التي يفرضها عليه الآخرون,والنظر إلى الجانب المنير من الفشل الذي ندعوه بالتجربة لنستفيد منها متجاوزين وحذرين من الوقوع في فشل متكرر,فهذا نجاح بحد ذاته,وربما يكون الفشل بحد ذاته نوعا من النجاح لما فيه من اثر تربوي,فمجرد تحويل التجربة الفاشلة إلى درس نتعلم منه ونكتسب خبرة,فهذا يعتبر نوعا من نجاح يغفله الكثيرون.

وفي هذا الخصوص وبما أن الخسارة في الانتخابات قد طالت قوى اليسار أشير بشكل واضح إلى أن حركة اليسار ـ الشيوعية أسست إلى مرحلة مهمة سابقة من النقد الذاتي باعتباره وظيفة مهمة في تشخيص الأزمة السياسية ومعرفة أسبابها ودوافعها ومعوقاتها ومحاولة تجاوز الواقع الذي افرزها,ويجب أن يأخذ هذا النقد مدى أوسع لكي يطال كل التفاصيل بدون حرج,وهنا أشير إلى قول عمانوئيل كانط بأن عصرنا هو عصر النقد,وأن كل شيء ينبغي أن يخضع للفحص النقدي بهدف قبوله أو رفضه,وأن نقد الذات يعبر عن وعي متزايد وشجاعة وثقة بالذات تنبع من رغبة حقيقية في أعادة إنتاج الفكر وتحديث الممارسة بما ينسجم مع ظروف العراق الحالية الصعبة جدا,والتي يفوز بها المرشح عبر التجييش واستلاب أرادة الناخب وخندقته وليست عبر انبهاره ببرامجه الاقتصادية والاجتماعية,وهي أساليب لا تمت بصلة بثقافة اليسار.....والى مزيدا من تحسين ورشة العمل والاستعداد الأفضل للانتخابات القادمة في ظل اعتراف شعبي واسع بنزاهة اليسار وقدراته في بناء مجتمع العدالة ودولة القانون !!!!.








 

free web counter