| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. عامر صالح

 

 

 

الثلاثاء 14/7/ 2009

 

جدل العلاقة بين الكلاب السائبة والكوابيس الليلية
وبعض من ألوان الطيف السياسي !!!

 د.عامر صالح

"
اللطف يفعل أكثر مما يفعل العنف "
                                    لافونتين

أن الكلب السائب هو الكلب الذي حرم من العطف والرعاية الإنسانية, فأضطر النزول إلى الشارع لسد رمق العيش.وبدلا من أن يتحول إلى صديق وفي وحارس أمين للإنسان وبدون مصلحة ذاتية ولا معاملة بالمثل ولا صفقات بائسة , أضطر الذهاب متسكعا في الطرقات بمجموعات " لا تحمل السلاح " بحثا عن لقمة العيش , معبرا عن غرائزه الأولية في النباح والعض أحيانا من هول الجوع, أسوة بما يتعرض له البشر من أزمات شرسة يقتل فيها الإنسان أخيه الإنسان وفي حروب عبثية لا مبرر لها في أحيان كثيرة , علما أن الكلب لا يقتل أخيه الكلب , إلا في حالات الدفاع عن النفس ويكون القتل هنا ليس هدفا بذاته بل نتيجة جانبية للصراع في عملية غير مخطط لها سلفا , وليست على نسق ما يجري في مجتمعنا الإنساني حيث يجري التخطيط للقتل والإبادة وبدوافع مختلفة.وينحصر العنف عند الكلاب في حالات الجوع بشكل خاص وفي بعض الحالات المرضية عند بعض الأنواع من الكلاب.أما عند الإنسان فلا حصر لحدوده.

وقد أثبتت أغلب الأبحاث من أن عدوانية الإنسان هي الأشرس في مسيرة الكائنات الحية على الإطلاق , بل أن الكلاب لا تمتلك القدرة على تشكيل " فرق الموت أو الاغتيالات " أو" ميليشيات مسلحة " على غرار ما يجري في العراق من قبل دعاة الإسلام أو عصابات الجريمة وغيرهم , بل تجاوز ذلك عندنا إلى تفخيخ الكلاب " رأفة بها " ! بأحزمة ناسفة أو متفجرات واستخدامها وسيلة للقتل الجماعي.

كما لم نسمع أن كلبا سرق طعام صاحب داره أو ولي نعمته , فهو يلتزم بما يقدم له من طعام وحسن المعاملة مكيفا غرائزه الفطرية لصيرورة صداقته مع الإنسان ويتحمل في أحيان كثيره غضب الأخير وانفعالاته , خلافا لما يجري لدينا من سرقة لمال البيت العام وتبديد للثروات ونهب للنفط وتزوير للشهادات (التي وصلت إلى صناديق الاقتراع), ولا تنطبق على الكلب مقولة "حاميها حراميها " , كما لم نسمع بكلب يتجاوز على الاتفاقات الفطرية بين أعضاء جماعته إلا في حالات نادرة , وليست كما يحصل عند السياسيين لدينا ,حيث يتحاور معك بيد ويطلق النار عليك بيد أخرى , أو يتفق معك على الدستور والنزاهة كمبادئ للعمل ويجري في الممارسة بالتطاول على صناديق الاقتراع لنهب أصوات الشعب , أو اللجوء في التطبيق إلى قراءة الدستور بطريقة انتقائية منفعلة وغرائزية بما يؤدي إلى التطاول على بنوده ونهب حقوق ألآخرين.

لقد وصلت حالة العدوان على الكلاب , وهي مظهر معبر عن حالة الإحباط والكبت والتي على ما يبدو لم تشبع لحد ألان بقتل الإنسان لأخيه الإنسان , إلى ليس فقط برميها بالحجارة " كما هو معتاد لدينا " بل إلى أكلها ,فقد سجلت واقعة فريدة في العراق , حيث ألقي القبض على تسعة أشخاص في مدينة خانقين بسبب تناولهم لحوم كلاب سائبة بعد اصطيادها , وهي ظاهرة غريبة على مجتمع العراق بكل دياناته التي تجمع على عدم أكل لحم الكلاب , وحسب تصريح الشرطة في المدينة المذكورة أن اثنين من هؤلاء التسعة عادوا للتو من الفلبين (آكلة لحوم الكلاب) وقد تعودوا هناك على أكل الكلاب , فإذا افترضنا ذلك صحيحا, فإلى أي فصيل ميليشياوي ينتمي السبعة المتبقين !!

ناهيك طبعا عن الإبادة الجماعية للكلاب , وهي حملات رسمية في عموم محافظات العراق, حيث أعلنت أمانة بغداد إنها تمكنت من إبادة 200 كلب في المدينة باستخدام العيارات النارية أو السم , الأمر الذي أثار استياء المنظمة الدولية لحقوق الحيوان وتوجيهها خطابا إلى رئيس الحكومة العراقية السيد نوري المالكي تحثه على إيجاد حلول طويلة الأمد لمشكلة الكلاب السائبة كالتعقيم وتسجيل الكلاب والقتل الرحيم واللجوء إلى وسائل أكثر رحمة للقضاء عليها ,إلا أن المنظمة الدولية لحقوق الحيوان لو تذكرت ماذا يجري للإنسان من معاناة !!! لقدمت اعتذارها إلى السيد المالكي وأعطت الضوء الأخضر لأرتكاب مجازر جماعية ضد الكلاب !!! .ونشير هنا إلى أن أغلب مدن العراق من البصرة والناصرية والعمارة وبغداد والديوانية والموصل تشكو من ظاهرة الكلاب السائبة , ولم يشار إلى ذكر محافظات إقليم كردستان فعلى ما يبدو هناك الكلاب في بحبوحة من العيش أو لم يذكر أن كانت هناك حملات إبادة غير معلنة ,على أية حال فأن الجوع أبو الكفار !!!!!!. ولا نريد هنا تقديم مقترحات من قبيل جمع الكلاب في أنفاق خاصة بها أو وضعها في ما يسمى " بفنادق الكلاب " كما يجري في دول أخرى...قد يبدو ذلك نوعا من" البطر" في ظروف العراق الحالية التي يرخص فيها دم المواطن, إلا إن الرحمة بهم كما يقول النبي محمد (ص) :" من يحرم الرفق يحرم الخير كله " تأكيدا لإنسانيتنا اتجاه الحيوان.

إلا إن ما يثير " الدهشة المضحكة " !!! هو قلق المسؤولين على الصحة العامة للمواطنين , حيث إن ما تسببه هذه الكلاب من كوابيس ليلية لأطفالنا وشيوخنا يثير "جزع ونفاذ صبر " القائمين على الصحة العامة عندنا !!!! , حيث ينتفض الناس من نومهم العميق ( الذي يسببه التيار الكهربائي والتبريد المتواصل !!! ) بسبب حالات الكوابيس وما تسببه من زيادة في ضربات القلب وسرعة التنفس , أو فزع ليلي وما يصاحبه من صراخ للأطفال وشحوب للبشرة أو تعرق بارد وحالات ذعر.... أن هذه الحالات قد تزول باختفاء أثر الكلاب ولا تدوم طويلا... ونطمئن المسؤولين أن لا يقلقوا كثيرا !!! ,ونذكرهم إلى إن ما تحدثه العمليات الانتحارية والميليشيات المسلحة من رعب يومي ليل نهار , وتصفيات جسدية وقتل جماعي على الهوية واعتقالات كيفية واستئثار واسع للسلطات , لا يمكن أن تزول أثاره وأحقاده على مر السنين, ويبقى الكلب أوفى كثيرا ممن لا يعرف قيمة الوفاء والأمن للناس .

أما من يرى في الأوساخ والقمامات المنتشرة في ألأزقة والشوراع انها من مخلفات النظام السابق , فنقول له إذا كان النظام السابق يكره الناس ويجبرها على تنظيف مناطقها وأزقتها مخترقا حالة التمرد النفسي عليه بالقوة , فأن عدم العناية ألان هو الأخر يعبر عن ضعف روابط النظام بشعبه , وتبقى مسألة النظافة مسألة حضارية يكرسها النظام القائم ويعبئ الناس لها , وخلاف ذلك فمن السهولة أن نتهم الناس " بالوساخة " !!! , وفي ذلك مجافاة للطبيعة الإنسانية الميالة إلى النظافة وخاصة عندما تسنح الفرصة لذلك.

والأسوأ من ذلك أن يتخذ البعض من ذلك فرصة للهجوم اللاذع على اليسار من شعراء وكتاب دونوا انطباعاتهم الصادقة عن العراق وأوضاعه المختلفة بعد غربة أكثر من ثلاثين عاما, وهي انطباعات امتزجت بحسرة المحب للوطن , فوصفوا الكلاب السائبة والقمامة ومظاهر التخلف التي لا يتمناها اليساري لوطنه العراق , ونقول لهم أن الهجوم على اليسار بتشعباته المختلفة والمتنوعة هو هجوم على حركة لها امتدادتها في ضمير شعبنا وقد لعبت هذه الحركة دورا عبر التأريخ كبوصلة رادعة للظلم الاجتماعي ومقررة لوجهة التطور الاجتماعي صوب التحرر والديمقراطية ضمن طموحات مشروعة لبناء مجتمع قائم على العلم والتقدم التكنولوجي لا على الشعوذة والخرافة وتغيب الوعي الإنساني. وأن الهجوم هذه المرة على هذه الحركة وكتابها وشعرائها هو ليس " نباح " كلب سائب بل هو عويل ذئب يرى في أدوات الحكم وسيلته المثلى وفرصته الذهبية للانقضاض على الرأي الأخر ومصادرته عبر أقلام مغلفة بالحراب والضغينة والتجريح بعيدا عن الحرص على الوطن ومصائر الناس.
 

 

free web counter