| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبد الصاحب الناصر

 

 

 

الأربعاء 3/2/ 2010



الإنسان قبل الوطن والوطنية

عبد الصاحب الناصر *

عن الحس الانساني ... قبل الوطنية
وقبل المقاومة
وقبل الديمقراطية
و قبل الوطن

يكتب بعض السادة الافاضل عن العراق ( الوطن ) اليوم عن حس وطني خالص، لا شائبة عليه . الا انهم ينسون الكتابة عن الاهم، وهو الانسان، ذلك الانسان الذي يعيش على هذه الارض التي نسميها الوطن. واعتقد وبرأيي المتواضع انهم يكتبون بحس وطني لكن يقوده شعور بالاسف الشخصي لعدم تواجدهم في هذا المكان وفي هذا الوقت الماسب. واعترف كذلك بانه لم تسمح لهم الفرصة في حينها، الا ان الفرصة لم تكن سانحة لكل الشعب ولكل تلك المدة. حين كان يعاني من الفقر والعوز والاستغلال وكان صابرا لا حول له ولا قوة . يكظم غيضه بداخله (مرخوص بس كت الدمع، شرط الدمع حدر الجفن) تمنعه عزة النفس حتى من ان نسمع صراخه ،لان صراخه كان بدون صوت الا انه كان من الداخل، وتعبر عن اللوعة تلك النظرة الخائفة الحائرة التي تنبع من امل بعيد المنال. ولم يشتكي لان كثير من متعلميه ومثقفيه قد تركوه لوحده يعاني من ظلم الطغاة ، ولم يلم من هاجر منا الى كل بقاع الارض و ذلك لاعترافه بحرية الاختيار. وبكل تواضع ايضا لن اكتب عن السياسيين الذين هاجروا وتركوه يقاوم العوز والذل لوحده، ولم يحاسب هذا الشعب او ينتقد من كان قد اخطأ في سياسته وتعاون مع الظالم ، ولا ادعي باني احسن من غيري ، لقد هاجرت مع غيري وعشت ثلاثة وثلاثين عاما في رفاه وفي مجال من الحرية لا يمكن ان يتخيله اي انسان في العراق ولا يحسدني عليه أحد.

الا انني ارى انه من الواجب عليَّ ان اعترف اليوم بحقه في الاختيار، مهما يكن، انها حريته وحده و لا يحق لنا ، ان ننصحه من الخارج ونحن غير مستعدين حتى للتعايش معه في الداخل . غير مستعدين للتعرف على معاناته (هناك) غير مستعدين لشرب الماء الخابط مثل ما يشربه اهل الداخل ، ونحن غير مستعدين للتنازل عن المنافع التي هيأت لنا في بلدان المهجر. لم يلمنا هذا الشعب حتى حين نتدخل في شؤونه اليومية من مواقع علوية. ولم ينتقدنا او يلومنا حين كانت قضيته الاساسية ثانوية بالنسبة لكثير منا او كانت تستغل للمصالح الخاصة كمنافع سياسية للمعارضة. و اليوم يتدخلون في شؤونه من منطلق الخوف عليه، و من بعد كمن يتخوف من التلوث، ولم نعطيه حتى الاولية في تفكيرنا، حين كنا لا نهتم به قبل اهتمامنا بما يسمى ( الوطن ) اي الارض ، ما هي قيمة اي وطن اذا لم يكن الانسان فيه سعيدا محترما ومضمون له حق الاختيار و التفكير و الاعتقاد ؟ تحية لمن قال (الوطن من حملك؟). الم نختار نحن السفر او الهجرة كما يحب ان يسميها الكثير منا ، ليطفي عليها صفة النضال السياسي من الخارج؟ ولم يلم هذا الانسان حتى تلك القطط السمينة التي كانت يوماً ما ترفع زورا ( شعار للنضال و الكفاح) حين تعاونت و مثلت النظام الظالم من الداخل وفي اروقة المنظمات الدولية تعتاش على فقر وبؤس هذا الشعب . ما هو مثلا كفاح نوري عبد الرزاق، ليتسلم منصب مستشار رئيس الجمهورية الى هذا اليوم (على ما اعتقد)، و ربما مازال ينعم بمنصب كبير في منظمة الدول الاسيوية الافريقية في القاهرة منذ زمن عبد الناصر؟ او كفاح عزيز الحاج الذي يعيش و شكرا للطاغية، يعيش في بارس منذ بداية السبعينات - اعترف هنا باني ذكرت اسماء لا اخشى من بطشها اليوم كما كانت تمسك برقاب الناس بحجة التنظيم السري. وهذا رياء مني اتحمل وزره . لاني اتحاشى ان اذكر كثيراً من الاسماء التي اعرفها حق المعرفة و منذ الستينات و استفادت حينها و تستفاد الى هذا اليوم مثل ما ذكرت.

لكني سأركز على اهمية الموضوع الذي ابغي طرحه هنا . لا يحق لاي انسان ان يوجه انسان حر أخر من بعيد كما نستعمل الريموتكونترول لادارة التلفاز. لا تخدم الشعوب هكذا .اعترف بحرية الرأي الى ابعد الحدود، واعترف بحق كل فرد ان يقول ما يعتقد، او ينتقد، ولكن ليس من حق اي فرد ان يهين معتقدات او شعائر انسان آخر مهما بدت له سخيفة و رجعية ولا تتماشى مع العصر، بالاخص اذا كانت تلك المعتقدات لمجموعة من الناس بهذا العدد ولا تخالف القوانين الانسانية ولا تعتدي على احد و تجري بعفوية وفطرية، و بالاخص اذا كان هذا مطلب مكون كبير من الشعب ، هذا المجموع الذي يكون الانسان وحدة اساسية لتكوين المجموع. و ليس من حق اي فرد ان يحدد من اختيار اي انسان او يهين و يسخف من اختياره . مازالت والى هذه الايام تقام مسيرات دينية مسيحية وتجري تشابيه و ترفع تماثيل السيدة العذراء و تمثال السيد المسيح المصلوب في اكثر بلدان امريكا الجنوبية وفي بعض بلدان الجنوب شرق الآسيوية و حتي في بعض المناطق من اسبانيا و ايطاليا . تعبر عما يشعر هذا الانسان من انتماء لهذا الرمز او ذاك، صحيح انهم لا يستعملون التطبير او الزنجيل و اللطم ولا اؤمن انا بها، ولكن يجب ان نعترف بان شعب ايطاليا قد تحرر منذ زمن طويل قبل العراق. ولانها شعائرهم فهم احرار في ما يفعلون، بل على العكس، اعتقد ان على المخلصين لهذا الشعب ان يبنوا علاقات احترام معهم ومن الداخل وان يشرحوا للناس مساوئ بعض تلك الشعائر، ان كانوا مخلصين حقا. من اعطى لنا هذا الحق لنستسخف ماهو اقرب الى التراث؟؟ اليس التراث يبني مع مسيرة الزمن ومع تقدم الشعوب بحسناتها ومساوئها الى ان ينجلي و يتضح الاحسن فيبقى ويترك الاسوأ فيمحى؟ هل كل المنتجات الادبية والاعمال الفنية كانت جيدة من بدايتها؟ الم تتحسن و تتنقح بمرور الزمن.

ومن منطق الحرص على الشعب و الخوف من ان يكون مستغلا من قبل رجال الدين كما يحب ان يدعي كثير من الناس ، اليس من الاولي علينا و من منطق هذا الحرص ان ننزل الى الشارع ونشرح لهذا الانسان الحقيقة على سريتها، و نعمل على تعليمه وتثقيفه وشرح القوانين الانسانية له و حتى ان نشرح له استغلال بعض / اكثرية / رجال الدين لحقوقه بدل من ان نتعالى و نشير عليه عن بعد من الخارج و ننتقد ونهين ما يعتقد به اليوم. اليس من المنطق ان ندرس الاسباب التي دعته لهذا التعصب بعد ان خذلته كل النظريات السياسية في السابق. لم يكن الشعب العراقي في اي يوم من الايام متعصب في الدين، لا اقصد انه كان غير ملتزم بالدين. وانما جاء انتمائه الاخير بعفوية وبالتزامه بهذه الشعاىر لانها جاءت لشعوره بالخذلان من بعض الشعارات (الثورية) السابقة وسوء تطبيق و عبثيتها وغربتها عن المجتمع، ولتخلي النخبة عنه في كل ايام المظالم. وجاءت عن حاجته للانتماء الى شيء اقرب لمعتقداته كي يحس بانه ينتمي الى شيئ عظيم يساعده على تحمل الضيم بعد يأسه من اصحاب الشعاات الرنانة. كم من الناس الابرياء التحقوا بمجموعة عزيز الحاج فارسلهم الى الاهوار ليقتلوا هناك فخذلهم بقرار شخصي وبدون التفكير بمستقبلهم، عندما سلم كل الاسماء و الاسرار للطاغية في اول لحظة بعد احتجازه0. .

الموضوع الاهم ليست الوطنية او الوطن ، اهم من هذا الانسان و بالتالي من سعادته. ويجب ان تكون سعادة الانسان قبل كل النظريات السياسية والاقتصادية و الاجتماعية ، لان فيها من البطر والرخاء ما لا يملكه الشعب العراقي اليوم. ما فائدة النظريات الاقتصادية في السياسة النفطية اذا كان هذا الانسان لا يعرف كيف يعيل اولاده الان قبل ان يموت و يتركهم ايتام . ما فائدة الانتماء الى هذا المعسكر او ذاك اذا كان هذا الانسان لا يملك ما يجلب لعائلته قوت اليوم التالي ؟ اذا كان لا يملك ما يسد به رمقهم او يدفئ حجرته في الشتاء، و اذا كان لا يملك ما يكسي به عورتهم من البرد.

قبل ان اترك العراق، شاهدت منظرا لا انساه الى هذا اليوم ، كان رجل في قمة الحزن و كانت عيناه شاردتان في الافق البعيد و يجلس بجانبه اولاده ملتصقين به، لا يتجاوز اكبرهم العشر سنوات، البنت كانت اصغرهم، يجلسون على ظهر سيارة بيكاب مكشوفة وفي شهر تموز، يجلسون على الحديد (اكرر، في بغداد في تموز يجلسون على الحديد) كانت البنت الصغيرة النحيلة تتلوى بصمت مخيف من اكتوائها بحرارة الحديد التي تجلس عليه مباشرة ولانها كانت ترتدي فستاناً صيفيا، فخلع الرجل (المهانة كرامته امام اولاده) خلع غترته ليضعها على الحديد عله يحمي جسم هذه الصغيرة من حر الحديد، كانوا ينتظرون امام مركز شرطة الزوية لنقلهم وتهجيرهم الى ايران. و من جبني و خوفي و ربما من انانيتي، كي لا اتهم بالتعاطف معهم، اشتريت صمون، وبطل ماء (و شمرته لهم) من بعيد، و كأن امرهم لا يعنيني خوفا من ان اهان انا كذلك. لم اعترض حينها وبصوت عالي و مسموع على ما رأيت، ماذا صنعنا بعدها؟ هربنا الى الخارج، وانا اشعر بالذنب الى هذا اليوم. اين كان من هذا الموقف كل سياسي العراق الذين يكتبون من الخارج و يملون على هذا الانسان ان يتبع هذه السياسة او تلك وأن عليه ان يصوت لهذا المكون او ذاك. و لاننا لم نعترض بصوت مسموع كفاية و لم ننتقد ذلك النظام بقوة كافية، ولا ننتقده اليوم بشدة و بجدية. بل العكس، نلبس عن بطر رداء التسامح والانسانية.

انقل أدناه شعرا مترجما من الالمانية الى الانكليزية لانسان كتبه في السجن قبل ان ينفذ به حكم الاعدام من قبل النازية. علما انه كان المانياً. الترجمة الى العربية هي ترجمة حرفية لاني لا امتهن او اعرف كتابة الشعر ولا امتهن الادب، وعذرا عن الشكل الذي نقلته به، و لمن يقرأ بالانكليزية ادرجت الترجمة الاصلية ادناه .

-------------------

Guilt

الشعور بالذنب
العبىء الثقيل من شعوري بالذنب أمام القانون يزن الضوء على كتفي
لاعد و لاتأمر كان واجبي امام شعبي
سأكون حينها متآمرا ... اليس كذلك
لكني مذنب و لكن لا كما تعتقدون
لان كان علي ان اقوم بواجبي من قبل
كنت مخطئاً
لاني كان يجب ان اسمي الشر باسمه و بوضوح
تباطأت في ادانته كثيرا
وانا الان اتهم نفسي من داخل قلبي
لاني خنت ضميري طويلا
لاني غششت نفسي و رفاقي
كنت أعرف باطباع هذا الشر منذ البداية
ولم يكن تحذيري اوضح او صوتي اعلى كفاية
اليوم، اعرف ماذا كان ذنبي
ولهؤلاء الذين ما زالوا صامتين
ولهؤلاء الذين ما زالوا مستمرين بخيانة ضمائرهم
ولهؤلاء الذين ما زلوا لا يسمون الشر باسمه و بوضوح
ولهؤلاء منا من لا يسعون كفاية لرفضه ومقاومته
اقول لهم تقدموا
لنعمل سويا ولنحرر ضمائرنا ونوسع من قلوبنا
و لنريح جرحانا و نخمد اسلحتنا
و لنؤكد لانفسنا اننا بشر ونضع حداً للحروب.

Guilt

The burden of my guilt before the law weighs light upon my shoulders;
to plot and to conspire was my duty to the people;
I would have been a criminal had I not.
I am guilty, though not the way you think,
I should have done my duty sooner,
I was wrong,
I should have called evil more clearly by its name
I hesitated to condemn it for far too long.
I now accuse myself within my heart:
I have betrayed my conscience far too long
I have deceived myself and fellow man.
I knew the course of evil from the start
My warning was not loud nor clear enough!
Today I know what I was guilty of...
To those who are still quiet,
to those who continue to betray their conscience,
to those who are not calling evil more clearly by its name,
to those of us who are still not doing enough to refuse and resist,
I say "come forward."
I say "free your minds."
Let us, collectively, free our minds, soften our hearts,
comfort the wounded, put down our weapons,
and reassert ourselves as human beings by putting an end to war

نقلت هذا المقطع و ربما اطلت في الكتابة .

لانني احببت ان اقول شيء من داخلي الى الذين ما زالوا يحاولون فرض واقع الحال حين يطالبون بان تعطى الفرصة للبعثيين من جديد . لاقول لهم ، لنصرخ و بأعلى اصواتنا ضد التعسف و الارهاب و ان نجعل منه صفة مذمومة . و لنسمي الاشياء باسمائها .

 


* مهندس معماري / لندن

 

free web counter