| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبد الصاحب الناصر

 

 

 

الأثنين 15/2/ 2010

 

قصة قصيرة

تسلسل الافضليات... امام عبد الودود خباطه ؟

عبد الصاحب الناصر *

ان الشعب العراقي وبعد التغيير و بعد خيبة الامل اصبح يطحن السياسة فيخبزها و يأكلها كرغيف عند الفطور، ثم (يثرد) المتبقي من الرغيف وينقعه في طبيخ السياسة ليأكله كغداء قبل الشاي المزكى بهيل السياسة ثم ينام القيلولة فيصحو ليجد قرص اخر من خبز السياسة يحمص على منقلة من الفحم الخشبي مع جبن الاكراد المنقع بالماء الحار، ويأخذ المتبقي من قرص الخبز ليضعه تحت وسادته قبل النوم ليتنفس السياسة من رائحة هذا القرص فيغفو على اصوات نشرات الاخبار السياسية من الشقة المجاورة .
هذا ما اتذكره من ما توصلنا اليه ، صاحبي عبد الودود وانا عندما كنا نجتمع بعد العمل في مقهى في السوق – الموول - التجاري في منطقة (
Ealing) من لندن. كنت استمتع لسماع صديقي عبد الودود. كان مغترباً مثلي يعمل في شركة (Ealing Studios) للافلام . يحدثني دائما عن السبب الذي الصق باسمه لقب (الخباطة) و كان هذا اللقب ما يدعونه به من قبل رجال الامن في سجن المخابرات في زمن صدام و ما كان يسمونه به رفاقه من المساجين كذلك .
عبد الودود خباطة
كنت استمع له وهو يحدثني بطريقة مرحة و استهزاء غريب ساخر (
intelligent and smart Absurdity) عن ايام اعتقاله وكيف توصل بعد ان وجد المقاومة لا تكفي ، توصل الى علاج لتضميد جراحه و لتقليل الامه بعد كل حفلة تعذيب، توصل الرجل الى ان يتصنع الغباء و يتصنعه اسلوب المجابهة السخرية التي لم يفقهها السجانون لغبائهم . يقول مثلا ، عندما يتعب الجلادون من الضرب لعدم اعترافي بما يبغون، اسألهم، ان كانوا يحبوني ويبغون مساعدتي؟ فيضحك الحرس مستهزئين بي و بطلبي، فاقول لهم ان كنتم تحبونني، فاقتلوني يوم غدا وسأساعدكم كثيرا بعدها ، يقول صاحبي عبد الودود، لم يتمالك الجلادون من الاستهزاء والضحك على هذا الاقتراح الا ان فضولهم لم يسمح لهم بعدم الاستفسار عن كيف سأساعدهم بعد موتي، فاقول لهم، اذا مت فسأذهب الى الجنة لاني لم اخبركم ولم افشي سر رفاقي، فسأسأل الله ان يغفر لكم كل ذنوبكم. فتلين قساوة الجلادين لا لعطفهم علي و لكن للاستمتاع بهكذا سخافات . فيقول ، صحيح انها سخافات و ربما حماقة و لكنها قللت من تعذيبي وهدأت من الامي . فكان يحدث رفاقه في السجن بعد العودة من الحفلات التعذيبية، لم يصدقوه في البداية بل شّك به ان يكون من المخبرين المدسوسين بينهم، فتجنبوه في البداية ( يقول لم يكن هذا يؤلمني كثيرا ) لاني كنت اعرف ما انا فاعل و اثق بضميري . و ازداد (عطف) الجلادين و قللوا من تعذيبي ، لاسباب انانية خالصة، لكي يبقوا على بعض المرح لدي كي يستمتعوا بهذه السخافة ولانهم عرفوا بعزلتي بين رفاقي في السجن، و يعلل ذلك ،بالامر الذي انتفى حاجة تعذيبي المضاعفة للاعتراف و نقل ماذا يتحدث به المساجين . يقول انه استفاد من هذا الخيال / السخرية ايما فائدة. و كان يستلذ بروايته و اسلوبه الى ابعد حدود .
كنا نجلس لساعات طويلة بعد العمل هو يحدثني وانا اكمل خياله باستضافات اكثر خيالاً وغرابة، وكأنني عايشت السجن معه. و الاجمل من كل ذلك، كان الناس المارة يتلفتون ويتعجبون من كمية الضحك المستمر بيننا، ضحك متهستر متناوب فيما بيننا. لم نتمكن من امتلاك وتماسك انفسنا. اجتمع خيالان في جو خال من الاثير، نحلق بين كوكبة من النجوم ومسافاتها المتناهية البعيدة. (
far cluster distance and spaces )
يستمر صاحبي فيقول، وعندما قدموه للمحاكمة امام عواد البندر، همس احد السجانين المرافقين باذن البندر وهو ينظر ويشير صوبي، فابتسم االبندر لاول مرة في حياته، وعندما جاء دوري سألني البندر، هل انت مذنب ام غير منذنب؟ فأجبت القاضي بسؤال من اياهم، وكنت قد اعددته مسبقا عن قصد، اي جواب يريحك يا سيادة القاضي؟ فيضحك القاضي وينظر صوب السجان الذي اسره بجنوني وسخافتي، ويعيد البندر السؤال بنفس السخافة، بماذا ترغب انت؟ فأقول له، اذا اطلقت سراحي سأكون لك من الشاكرين و سأعود لزوجتي واطفالي واخبرهم عنك وسوف اتكلم عنك بالخير والاحسان، اما اذا حكمت على بالاعدام و انت تعرف بأني بريء ، فسأخبر الله عز وجل وكل سكان الجنة بكل ما عملت وسأذيع اسماء كل الناس الذين اعدمتهم .ان الخيار يا سيادة القاضي بيدك .ضحك البندر وان لم يفهم ما اقصد لغبائه كغباء كل الطغاة فحكمني بالسجن خمس سنوات وسألني مستهزئاً، هل تكفي هذه المدة ؟ فأجبته وانا لم اتمالك من كبح سروري لعدم حكمي بالاعدام، سألته، قبل التخفض ام بعده ؟ . اخبرني السجان عند خروجي و تركيب الكلبجات على يدي ، باني كنت محظوظاً هذا اليوم ، لان عواد البندر قد حكم بالاعدام قبلك على ثلاثة عشر سجينا / مجرما ، لذا فانت اليوم محظوظ جدا .
ويستمر صاحبي في سرد مثل هذه القصص الرائعة، وعن سكنه في السجن الاعتيادي (ابو غريب).
بعد الحكم علينا ومن ثم تسفيرنا مكبلي الايدي في سيارات حمل الى السجن الكبير في ابو غريب ، اخذت افكر جديا في هذا الاختراع. و تركت لخيالي حرية التوسع و الانطلاق بلا حدود، فأتخيل نفسي باني سأكتب عن هذا الاسلوب كقصة قصيرة اطعمها ببعض الحقائق من السجن و سأتخيل الباقي او انقل عن رفاقي المساجين قصصهم عن التعذيب وسأنشرها في كتاب في بلدان الغرب بعد تهريبها، فسأشتهر و اكون من الكتاب اللامعين بعد ترجمتها الى كل اللغات وستنتظرني اموال طائلة في حساب خاص عند الناشر وربما سيعمل منها سيناريو لفلم (عظيم ) .
كنت اسلي نفسي بهذا الخيال ليمر الوقت مسرعا، وتكررت نفس حالة اتهامي من رفاقي في سجن ابو غريب هذه المرة فكانوا يتحاشونني و ينظرون لي بشذر وعدم تودد الى ان اكتشفوا حيلتي هذه، كانوا يتعجبون او يستهزؤن من انفرادي في ساحة السجن والضحك مع نفسي (عندما كنت انسج الخيال و لا اتمالك نفسي من الضحك) فتخيلوني قد جننت. اقترح احدهم ان يعاينني طبيب نفساني كان من النزلاء مثلنا الى ان اكتشفوا حيلتي او ربما ان احدا من من سكنوا معنا في سجن المخابرات قد نقل لهم هذه القصة.
كنت استعجل الوقت للقاء صاحبي عبد الودود وسماع ذلك الخيال المبدع. ما كان يدهشني من نظرية عبد الودود هو عمق خيالها و تعدد مراكز ربطها واغرائها .
اعود الى ما كتبت في البداية عن العراقيين والسياسة، لاني احاول ان افهم او اتفهم هذا الحب او الجنون في متابعة و ممارسة السياسة بين العراقيين الى درجة الهوس. ووسعت من خيالي حين تذكرت الاعلان الرائع الذي عملته شركة كوكا كولا، اعلان ذكي جدا جدا لفترة كأس العالم لكرة القدم في لندن. كان الاعلان يقول - كل كرة القدم ، نم مع كرة القدم لكن اشرب كوكا كولا. و حصل على جائزة عالمية في مهرجان عالمي الدعاية و الاعلان .
(
eat football - sleep football - drink Coca Cola )
 


* مهندس معماري / لندن

 

free web counter