|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

 الأربعاء 6/6/ 2012                                 عبدالرزاق الصافي                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

تداعيات من محاكمة حسني مبارك قرار تمييزي عراقي خاطىء عمره ستون سنة!

عبد الرزاق الصافي

كنت مشدوداً للاستماع الى وقائع محاكمة حسني مبارك ومن معه يوم السبت الماضي ، واستمعت الى قرار المحكمة ، الذي اعقب تلاوته من قبل رئيس المحكمة هيجان الجمهور في المحكمة الذي طالب بتطهير القضاء والهتاف بأن قرار المحكمة باطل.

وعادت بي الذاكرة الى ما قبل ستين سنة وما حدث لي مع قاضي محكمة جزاء بغداد الاولى برهان الدين الكيلاني. فقد كنت واحداً من المتهمين بالتظاهر يوم 27/كانون الثاني/1952 إحياءً لذكرى وثبة السابع والعشرين من كانون الثاني 1948 التي اسقطت وزارة صالح جبر ومعاهدة بورتسموث بين العراق وبريطانيا التي ارادت الفئة الملكية الحاكمة فرضها على الشعب بقوة الحديد والنار .

انتهت المرافعة واصدر القاضي المذكور حكمه بالافراج عن جميع المتهمين لعدم توفر الادلة ، وذلك تحت ضغط الرأي العام ودفاع محامي المتهمين من لجنة معاونة العدالة الذي القاه الفقيد عامر عبد الله . وعند الانتهاء من تلاوة قرار المحكمة هتفتُ يومها :" تعيش ذكرى وثبة كانون المجيدة شوكة في اعين الاستعمار والرجعية ". الامر الذي اعتبره القاضي برهان الدين الكيلاني إهانة للمحكمة ! وإخلالاً بالتعهد الذي فُرض عليَّ قبل سنتين بحكم منه بعدم القيام بأي عمل يُخل بالامن العام لمدة خمس سنوات. ولذا حكم عليًّ بضرورة تنفيذ الحكم الذي سبق واصدره قبل سنتين بالسجن احد عشر شهراً مع وقف التنفيذ.واُودعتُ السجن على اثر ذلك. وكانت وقائع الجلسة التي حكمني بها بإختصار هي التالية : شهد الشهود باني هتفت الهتاف المذكور . وكان ممثل الادعاء العام في الدعوى طيب الذكر الاستاذ عبد الامير العكيلي نائب المدعي العام يومذاك الذي سأل الشهود عن الوقت الذي حصل فيه الهتاف فأجمع الشهود ان ذلك كان بعد انتهاء القاضي من تلاوة الحكم . ولذا قال العكيلي في مطالعته : مادام الهتاف حصل بعد تلاوة قرار المحكمة فلم يعد للمحمكة وجود . وبالتالي لا وجود لإهانة .

وكان محامي الدفاع عنّي يومها النائب الوطني المعارض الفقيد عبد الرزاق الشيخلي ، الذي قال في مرافعته ان ليس لديه ما يضيفه الى ما تفضل به الادعاء العام.

وعندما استأنفتُ الحكم لدى محكمة جزاء بغداد الكبرى ، وكانت برئاسة القاضي القدير طيب الذكر الاستاذ عبد الجليل برتو ،قضت بنقض حكم برهان الدين الكيلاني. ولذا خرجت من السجن. غير ان الامن العامة التي كانت وراء الدعوى ضدي ميـَّزت حكم محكمة الاستئناف لدى محكمة تمييز العراق، التي كان من بين اعضائها القاضي شهاب الدين الكيلاني اخ برهان الدين ، فكان ان نقضت قرار محكمة الاستئناف وجرى اعتقالي مجدداً وايداعي السجن لقضاء محكوميتي السابقة.

ان هذه الواقعة ، واقعة قرار القاضي برهان الدين الكيلاني الخاطىء، ودعم محكمة التمييز له تؤكد ان القضاء السياسي ايام الحكم الملكي في العراق، سواء كان عرفياً او مدنياً، كان يخضع بهذه الدرجة او تلك الى تأثير السلطة التنفيذية وتوجهاتها المنافية للقانون في غالب الاحيان .


 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter