| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبدالرزاق الصافي

 

 

 

 

الثلاثاء 2/9/ 2008



اغتيال متعدد الأهداف!

عبد الرزاق الصافي

هزّت العراق في الأسبوع الماضي جريمة كبرى ، تلك هي اغتيال المثقف العراقي الكبير كامل شياع ، المستشار الثقافي في وزارة الثقافة العراقية ،الوزارة التي حـُكم وزيرها السابق اسعد الهاشمي بالإعدام غيابياً في النصف الأول من هذا الشهر بتهمة مشاركته في اغتيال ولدي النائب عن حزب الأمة العراقية مثال الآلوسي .
لقد حدثت اغتيالات كثيرة في العراق خلال السنوات الأخيرة على أيدي الإرهابيين ، بشتى انتماءاتهم ، الذين يجمعهم هدف واحد هو نسف العملية السياسية السلمية الهادفة إلى بناء عراق ديمقراطي إتحادي تعددي موحد مستقل . وذلك بهدف إرجاعه إلى عهد صدام عهد الإرهاب الدموي لكل أبناء الشعب العراقي عرباً وكرداً وانتماءات قومية أخرى وشن الحرب ضد الشعب الكردي ومصادرة حقوقه القومية العادلة ،عهد الحروب العدوانية على الجيران والأشقاء ، عهد القبور الجماعية ، وتعريض الوطن للاحتلال . أو بهدف إقامة نظام متخلف على شاكلة نظام طالبان في افغانستان ، باسم دولة العراق الإسلامية ، التي قُبرت قبل أن تولد .
لقد قوبلت تلك الاغتيالات الجبانة بالشجب والاستنكار والإدانة من قبل الرأي العام العراقي . غير انها لم تُحدث الهزة الكبيرة التي أحدثها اغتيال كامل شياع . فقد نعاه رئيس الجمهورية جلال الطالباني، معتبر اغتياله خسارة كبرى للثقافة العراقية . وجرى للفقيد تشييع رسمي لم يسبق له مثيل بسعة من شاركوا فيه من شتى الاتجاهات السياسية والمنظمات والأحزاب ،وبادر رئيس الوزراء إلى شجب الجريمة وقراءة الفاتحة في اجتماع له مع عدد من الأدباء والفنانين ورجال الفكر ، ونعاه العديد من الصحف والمجلات ومنظمات المجتمع المدني وفي مقدمتها إتحاد الأدباء العراقيين ، وغيرها من المنظمات والهيئات التي تمثل أوسع أوساط الرأي العام العراقي .
فلماذا كان ذلك ؟ ومن هو كامل شياع ؟
إنه مثقف موسوعي عراقي متعدد الاهتمامات ، مناضل ، اضطر للعيش في المنفى سنوات طوال . وكان مشغولاً بتطوير إمكاناته الثقافية والعلمية والفلسفية . هذه الإمكانات التي كرسها في خدمة مجلة "الثقافة الجديدة " وهي المجلة الثقافية الرائدة ، التي تحمل شعار " فكر علمي ... ثقافة تقدمية" منذ صدورها الأول في العام 1953 وعانت التعطيل أيام الحكم الملكي وبعد انقلاب الثامن من شباط/فبراير 1963، وفي عهد صدام حسين المنهار .
عاد إلى العراق ، بعد سقوط هذا النظام ، لينغمر في العمل من أجل بناء الثقافة العراقية الديمقراطية التقدمية في العراق الجديد ، مستشاراً في وزارة الثقافة ، ومحرراً أساسيا في مجلة الثقافة الجديدة ، رغم المصاعب والأخطار التي يتعرض لها من قبل الإرهابيين في ظل الانفلات الأمني الذي ساد العراق بعد الاحتلال . الأخطار التي كان يحسّها ويتوقعها على نفسه . ومع ذلك ظل يواصل العمل بشجاعة ونكران ذات .
كان يعمل بصمت ويقدم كفاءاته الكبيرة في عمله في الوزارة ، وفي تنظيم مؤتمرات المثقفين العراقيين داخل الوطن وخارجه ، بتواضع جم وبإخلاص لا حدود له . ولذا صار رمزاً ساطعاً من رموز الثقافة العراقية الديمقراطية . ومن هنا جاء استهدافه من قبل أعداء هذه الثقافة ، أعداء النور ، أعداء العلم ، أعداء المعرفة أعداء الشعب ، لبث الرعب في نفوس أنصار هذه الثقافة وحملة رايتها. ولكن هيهات أن يحقق الإرهابيون ما يريدون ، فقد جاءهم الرد من رفاق كامل شياع سريعاً : كلنا كامل شياع .
إن اغتياله الجبان على أيدي الإرهابيين يذكّر بجرائم أسلاف هؤلاء المجرمين الذين اغتالوا الشهيد فرج فوده المصري والشهيدان اللبنانيان حسين مروة وحسين حمدان(مهدي عامل) . ويذكـّر بمحاولة اغتيال الأديب الكبير نجيب محفوظ ، وغيرها من الجرائم البشعة . فهل أوقفت هذه الجرائم مسيرة الفكر الحر الديمقراطي التقدمي ؟ كلا ، وألف كلا .


لندن 27/8/2008
الأيام البحرينية 2/9/ 2008

free web counter