| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبدالرزاق الصافي

 

 

 

 

الأربعاء 29/12/ 2010

 

" إرتياح كئيب "!

عبد الرزاق الصافي

هذا العنوان الذي يبدو وكأنه يحوي تناقضاً ، ليس من عندياتي . بل هو عنوان ابتدعه الشخصية الوطنية الديمقراطية الفقيد كامل الجادرجي في خمسينات القرن الماضي ، لمقال له علـّق فيه على تأليف وزارة جديدة اعقبت سقوط وزارة ارتكبت الكثير من الآثام بحق الشعب . ومن طريف ما ذكره الفقيد انه عرض مسودة المقال بالعنوان المذكور على الشخصية الثانية في الحزب الوطني الديمقراطي الذي كان الجادرجي رئيسه ، اي الفقيد محمد حديد ، فما كان من هذا الاخير إلا ان يتساءل كيف يكون الارتياح كئيباً؟وكان جواب الجادرجي ،على ما اتذكر،انك تنظر للموضوع لغوياً في حين ان الموضوع سياسي. فالارتياح هو لزوال الوزارة السابقة ، والكآبة لأن الوزارة الجديدة لا تلبي المطالب الشعبية في التغيير واقامة اوضاع ديمقراطية .

تذكرت هذه الواقعة في اعقاب تشكيل الحكومة الجديدة في العراق لوجود تشابه ، وليس تطابق ، بين الحالتين .
فالارتياح النسبي الذي استقبل به تشكيل الحكومة ناجم عن انتهاء فترة التعثر في تشكيلها طيلة ما يزيد على التسعة اشهر، وتصاعد اعمال العنف التي رافقت ذلك ، وما اثاره ذلك من قلق لدى ابناء الشعب مما يحمله ذلك من مخاطر كادت تعصف بالعملية السياسية وتؤدي الى تعاظم الصراعات بين الكتل السياسية .

والكآبة الواسعة ناجمة من ان هذا التشكيل وُلد اعرجاً لا يلبي طموح ،ليس ابناء الشعب في جمهرتهم الواسعة فحسب ، بل وحتى رئيس هذا التشكيل ! وكان الاساس الذي تم بموجبه التشكيل هو نفس ما كان يشكو منه الشعب طيلة السنوات السابقة ، اي المحاصصة الطائفية والقومية المقيتة ، التي سعى المتصدرون لقيادة البلد الى التبرؤ منها لفظاً وتمسكهم بها في الواقع .

وبرغم العجز الكبير في موازنة الدولة للعام القادم البالغ نحو اثني عشر مليار دولار او اكثر ، فقد جاء التشكيل بأعباء جديدة على الموازنة لأن ارضاء الكتل التي تقاسمت كعكة الحكم تطلب زيادة عدد الوزرات الى اثنتين واربعين وزارة . وهو عدد يفوق عدد وزارات جمهورية الصين التي يبلغ عدد نفوسها مليار وثلاثمئة مليون انسان وعدد وزارات الولايات المتحدة الامريكية التي تدير اكبر اقتصاد في العالم وتمتلك اكبر قوة عسكرية. وليس هذا فحسب بل وتشكيل جهاز جديد ذي كلفة مالية بالغة هو المجلس الوطني للسياسات العليا . ومن المعروف ان رواتب المسؤولين الكبار والوزراء والمستشارين وذوي الدرجات الخاصة عالية الى درجة لا مثيل لها في كل انحاء العالم تقريباً . وتشكل عبئاً ثقيلاً على الميزانية كان ينبغي تخفيفه وليس زيادته .

ورافق التشكيل الجديد انتهاك فاضح للدستور تمثل ليس فقط في استبعاد المرأة عن المشاركة في المداولات لتشكيل الوزارة ، بل تكليفها بإشغال وزارة واحدة ثانوية بين الوزارات الاثنتين والاربعين ، في حين كان الالتزام بروحية الدستور وليس نصوصه يقضي بإستيزارما لا يقل عن عشر وزيرات . وكان هذا الانتهاك مبعث احتجاج الكتلة النسائية في البرلمان الذي اعلنته النائبة آلا طلباني ووصفته بأنه " ذبح للديمقراطية" . الامر الذي دعا رئيس الوزراء الى التنصل عن مسؤولية ذلك ورمي المسؤولية على الكتل،بما فيها كتلته إئتلاف دولة القانون، التي لم تستجب لطلبه ترشيح نساء للوزارات التي خصصت للكتل ، وتعهده بعدم العودة الى البرلمان قبل معالجة هذا الخلل الفاضح في تشكيلته الوزارية .

ومن الجدير بالذكر ان الاسابيع الاخيرة التي سبقت التشكيل شهدت اعتداءات على الدستور وانتهاك للحريات الديمقراطية التي نص عليها من قبل مجالس عدد من المحافظات التي يترأسها اعضاء في حزب رئيس الوزاء ، رئيس كتلة إئتلاف دولة القانون ، من دون ان يصدر عنه ما يوقف هذه الإنتهاكات . ومما يزيد القلق بهذا الصدد ما ورد في المنهاج الحكومي من حديث حمـّال اوجه عن " حماية الآداب العامة " يمكن ان يستغل لمواصلة انتهاك الحريات .

وليس سراً ان غالبية استطلاعات الرأي التي اجريت بشأن التشكيل الوزاري الجديد اعربت عن خيبة امل واضحة ، بمن في ذلك مرجعية السيد السيستاني ،كما ظهر ذلك واضحاً في خطبة ممثل المرجعية في كربلاء يوم الجمعة الماضية .

هذا وان اوساطاً واسعة من الرأي العام الديمقراطي ومنظمات المجتمع المدني اعربت عن عزمها على مواصلة النضال من اجل الحفاظ على الدستور نصاً وروحاً والتصدي بحزم لكل المحاولات التي تستهدف خرقه وانتهاكه ،ومن اجل القضاء على المحاصصة والفساد الذي ما يزال مستشرياً في كل مرافق الدولة ومن اجل استكمال بنا ء الدولة العراقية الجديدة إستناداً الى الدستور لتكون حقاً دولة قانون ديمقراطية دستورية موحدة مستقلة .

 

free web counter