| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبدالرزاق الصافي

 

 

 

 

                                                                                   الأربعاء 29/2/ 2012

 

من اجل تنمية حقيقية لصالح الشعب

عبد الرزاق الصافي

استأثر الجانب السياسي ومعارضة الاستبداد والمطالبة بالحريات العامة على ما عدا ذلك عند تناول الحديث عن "الربيع العربي"، رغم ان اندلاع الشرارة الاولى لهذا الربيع كانت حرق الخريج الجامعي بو عزيزي التونسي نفسه بسبب فقره وعدم وجود عمل يتناسب وتخصصه واحتجاجاًعلى التعسف الذي لقيه على ايدي الشرطة.

ولذا ظل الاهتمام بالجانب الاقتصادي في "الربيع العربي"بعيداً،نسبياً،عن الاهتمام الذي يستحقه في دراسة اسباب اندلاع الاحتجاجات الغاضبة التي اطاحت بنظم الاستبداد في تونس ومصر وليبيا واليمن، وما تزال تتواصل في سورية من اجل تحقيق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.

ويقدم تقرير "تحديات التنمية في الدول العربية 2011:نحو دولة تنموية في المنطقة العربية"الذي صدر في التاسع عشر من هذا الشهر(شباط/فبراير2012)عن "المركزالاقليمي لبرنامج الامم المتحدة الانمائي" في القاهرة ،حقائق صارخة يجدر ان تكون محط اهتمام كل المسؤولين العرب،إن كانت تهمهم مصالح شعوبهم، حين يشير الى أن"نموذج الاقتصادالسياسي السائدفي كثيرمن الدول العربية ، والذي ادى الى غضب شعبي كبير ، كان في قلب موجةالتغيير التي تبدل الخريطة السياسية منذبداية 2011 . ويرسم التقرير السبيل الوحيد لتجاوز المرحلة الانتقالية الحالية وهو ضرورة اعتماد مسارات تنموية تقوم على اتاحة فرص عمل لمعالجة البطالة وخفض معدلات الفقر والحرمان، بما يتناسب وثراء الموارد العربية ، وإدارة تلك المواردبشكل مستدام ، في ظل انظمة ديمقراطية تحقق استقراراًلا يستند الى البطش وسلب الحريات العامة.

ليس من شأن هذا المقال، بما هو متاح له من حجم ،تناول الاوضاع في كل البلدان العربية ، وضرورة تغيير الوضع الاقتصادي العربي القائم على احتكار السلطة في ايدي نخب سياسية واقتصادية محدودة ذات مصالح متشابكة ، بمقدار ما يهتم – المقال- بالوضع في العرا ق سابقاً وحالياً.

فمن المعروف ان العراق دولة ريعية منذ اوائل الخمسينات من القرن الماضي ، وشهد تنمية بسيطة لم تهتم بتطوير الصناعة الوطنية وقطاعات الاقتصاد المنتجة ايام الحكم الملكي ، بمقدار ما اهتمت برعاية مصالح الاقطاعيين والبورجوازية الكومبرادورية  والفئة الحاكمة. وشهد العراق تنمية فعالة في اعقاب ثورة الرابع عشر من تموز/يوليو 1958 سرعان ما اُحبطت بعد انقلاب شباط/فبراير 1963 بسبب الارهاب الدموي والحرب الظالمة ضد الشعب الكردي وقانون التأميم الارتجالي محاكاة لما كان يجري في مصر،الذي دمر الصناعة الوطنية المتطورة نسبياً في السنوات التي سبقت الانقلاب.

وتيسرت للعراق موارد مالية ضخمة في سبعينات القرن الماضي بسبب من تاميم النفط وارتفاع اسعاره عالمياً، إذ كانت موارد النفط في العام 1980 تعادل اربعين ضعفاً لما كانت عليه في العام 1970. وكان بإمكان هذه الموارد الكبيرة ان تحقق تنمية مهمة تبني صناعة متطورة وتحسن وضع الزراعة ،فضلاً عن التنمية البشرية في مجالات الصحة والتعليم والخدمات العامة . غير ان ما سمـّي بالتنمية الانفجارية التي انتهجها الحكم والتوجه نحو التصنيع العسكري ومن ثم الحرب العراقية الايرانية وغزو الكويت والحصار الدولي الذي سبّبه الغزو،الذي استمر نحو ثلاثة عشر عاماً، ارجع العراق عقوداً عديدة الى الوراء.

غير ان ما يثير الغضب والمرارة هو سلوك النخب السياسية التي تولت السلطة منذ ازاحة النظام الدكتاتوري في العام 2003حتى الآن ،التي انصرفت الى تأمين مصالحهاالضيقة ونهب المال العام والابتعاد كلياً عن اية خطة تنموية ترعى مصالح الشعب وتأمين الخدمات العامة الضرورية من ماء صالح للشرب وكهرباء وخطط جادة للقضاء على البطالة الواسعة ، وتوفير العمل للعاطلين،وخصوصاً الخريجين والنساءالذين يشكلون النسبة الأكبربين العاطلين ،والارتفاع بالمستوى المعيشي للمواطنين الذين يعيش ربعهم تحت خط الفقر حسب الاحصاءات الرسمية التي هي دون الواقع ربما بكثير.

ويكفي للدلالة على هذا الواقع المؤلم ان نذكر ان موارد الدولة العراقية من العام 2003حتى الآن بلغت نحو اربعمئة مليار دولار امريكي ، كان بإمكانها ان تحول العراق الى دولة متطورة صناعياً وزراعياًوصحياً وتعليمياً، جرى نهب عشرات المليارات منها من قبل المحتلين والفاسدين ، وجرى تبديد غالبيتها في خطط ومشاريع وسياسات لا علاقة لها بتحقيق تنمية اقتصادية وبشرية يحتاجها الجمهور الاوسع من ابناء الشعب .

وميزانية هذا العام التي تأخر اقرارها الى هذا الاسبوع تزيد عن المئة مليار دولار، يـُجمع الخبراء الذين درسوها على انها لا يمكن ان تحقق تنمية حقيقية للعراق. إذ يكفي ان نذكر ان ما جرى تخصيصه للصناعة والزراعة هو نحو سبعة بالمئة من الميزانية يذهب الجزء الاكبر منها الى رواتب الموظفين وليس الى زيادة الاستثمار .وستذهب النسبة الاكبرمن الميزانية  الى رواتب الجهاز الحكومي المتضخم ، الذي يمثل البطالة المقنـّعة،ومخصصات الرئاسات الثلاث والوزراء والنواب والموظفين الكبار  من مستشارين وغيرهم.  وان نسبة ما خـُـصّص للتعليم هذا العام اقل مما كانت عليه في العام الماضي!

فمتى يلتفت من بيدهم الامر الى هذا الواقع المرير ويعملون على تخليص الشعب من اوضاعه المزرية؟!

 

لندن 25/2/2012

 

 

free web counter