| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبدالرزاق الصافي

 

 

 

 

الأثنين 27/4/ 2009



من اجل حماية منظمات المجتمع المدني
لا ديمقراطية بدون حرية التنظيم

عبد الرزاق الصافي

حدد الدستور العراقي نظام الحكم في العراق بأنه نظام ديمقراطي برلماني اتحادي . وان واحدة من اهم ركائز النظام الديمقراطي ، الى جانب الانتخابات الحرة لممثلي الشعب في البرلمان والمجالس المحلية، هي حرية التنظيم السياسي (الحزبي)والنقابي والمهني وحرية تنظيم منظمات المجتمع المدني كافة .

غير ان هذا الفهم لديمقراطية النظام الذي ينشده الشعب بعد الخلاص من الحكم الدكتاتوي البغيض ، شابه تشويه خطير على ايدي القوى النافذة التي تصدرت المشهد السياسي الى جانب قوى الاحتلال . فقد اصدر مجلس الحكم قراره المرقم 27 الصادر في آب 2003 الذي قضى بإيقاف انتخابات النقابات الى اجل غير مسمى بذريعة ضرورة تنظيم هذا الامر بالدستور الدائم المزمع سنـّه فيما بعد . وجرى خلال السنوات التي اعقبت ذلك اتخاذ عدةاجراءات لا ديمقراطية منافية للدستور، من قبل جميع الحكومات التي تولت المسؤولية ،استهدفت ملاحقة النقابات وحرمان منتسبيها من حقوقهم الدستورية المشروعة بتنظيم انفسهم . ولم تخل هذه الاجراءات ، احيانا ، من استخدام العنف ضد النقابات واقتحام مقراتها بشكل فظ والتعامل مع منتسبيها بشكل غير قانوني . الامر الذي اثار موجة احتجاجات واسعة من قبل منتسبي النقابات وكل الحريصين على الديمقراطية وحقوق الانسان في الداخل والخارج عربياً ودولياً .وكان آخر هذه الاحتجاجات ما جرى في الشهر الفائت من اعتصام كبير في ساحة الفردوس ، نظمه المعلمون والعمال ومنتسبو منظمات المجتمع المدني . هذا الاعتصام الذي طالب المسؤولين والقوى النافذة في الحكومة بالكف عن التدخل في شؤون النقابات ومنظمات المجتمع المدني كافة .

كما يلاحظ المراقبون ان هناك توجهاً غير سليم يستهدف تقييد عمل منظمات المجتمع المدني من نقابات واتحادات وغيرها ، يتمثل في الانتقائية التي تمارسها جهات نافذة في الحكومة ، بدعوة منظمات معينة للتباحث مع الحكومة بشأن مشروع بقانون يراد سنـّه، واقره مجلس الوزراء، بهدف تقديمه الى مجلس النواب لتشريعه لمراقبة انشطة منظمات المجتمع المدني واوجه نشاطها وماليتها وغير ذلك من الامور التي تعكس الرغبة في تسييس عمل هذه المنظمات وتقييده ، وجعله لصالح جهات سياسية معينة وخدمة مخططاتها في السيطرة على نشاط فئات واسعة من السكان ، وتجيير هذا النشاط اليها، على الضد من إرادة غالبية منتسبي منظمات المجتمع المدني.

وقد استثار هذا المشروع ردود فعل سلبية من قبل جهات عديدة ذات اختصاص ، وفي مقدمتها ( المركز الدولي لقانون المنظمات غير الهادفة للربح ICNL )، الذي اصدر ملاحظات مستفيضة على مشروع القانون العراقي بشأن المنظمات غير الحكومية ، استهلها بذكر المادة 22 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ، الذي صادقت عليه الجمهورية العراقية في 23 آذار1976دون اية تحفظات . وهي المادة التي تنص على ان"لكل فردالحق في تكوين الجمعيات مع آخرين..ولا يجوز ان يوضع من القيودعلى ممارسة هذا الحق إلا تلك التي ينص عليها القانون وتشكل تدابير ضرورية ، في مجتمع ديمقراطي ، لصيانة الامن القومي او السلامة العامة اوالنظام العام او حماية الصحة العامة او الآداب العامة او حماية حقوق الآخرين وحرياتهم . ولا تحول هذه المادة دون إخضاع افراد القوات المسلحة ورجال الشرطة لقيود قانونية على ممارسة هذا الحق ". وتنص المادة 24 من الميثاق العربي لحقوق الانسان ، التي اصبحت سارية المفعول في الخامس عشر من آذار 2008 على لغة مماثلة تقريباً.

وانطلاقاً من هذه المواد ومواد اخرى مشابهة سارية في البلدان الديمقراطية ، لاحظ المركز ان القوانين التي تنظم علاقة السلطات الحكومية بمنظمات المجتمع المدني في العراق سواء كان ذلك في الحكومة المركزية او اقليم كردستان تشترك في فرض سيطرة الحكومة على قطاع المجتمع المدني في العراق .

وفي تفصيل ملاحظاته على مشروع القانون ذكر المركز ان المادة 18 من مشروع القانون تحظر على منظمات المجتمع المدني ان تتلقى "التبرعات والمنح"من داخل العراق او خارجه "دون إذن من دائرة المنظمات غير الحكومية . وتشترط على الافراد الذين يرغبون بالتبرع الى المنظمات غيرالحكومية القيام بابلاغ الدائرة المذكورة مسبقاً . الامر الذي يضع عبئاًكبيراً على هذه المنظمات يهدد ديمومتها وبقاءها.

وذكر المركز ايضاً ان القيود التي تفرضها المادة 18 المذكورة تتناقض مع بيان الأمم المتحدة حول حقوق ومسؤوليات الافراد والجماعات . وخلص المركز الى القول ان المنظمات غير الحكومية المسجلة قانونياً ينبغي ان يسمح لها بالبحث وتأمين التبرعات والمنح مباشرة من المانحين الدوليين والمحليين دون تقييد بواسطة تدخل حكومي غير مناسب او غير ضروري . ولذا توصل المركز الى الايصاء بالغاء المادة 18 .

كم تناول المركز المادة 26التي تنص على السجن ثلاث سنوات للشخص الذي "يكون عضواً في منظمة تم انشاؤها بصورة مخالفة لنصوص هذا القانون " او شارك في انشطة منظمة تم حلها او منظمة "تم رفض تأسيسها". كما يمكن سجن اي شخص يشارك في انشطة منظمة غير حكومية تعتبر موقوفة ، لفترة ستة اشهر . ورأى المركز في هذه المادة صرامة غير مبررة . إذ لا موجب للحكم بالسجن في التعامل مع مثل هذه المنظمات . ويمكن الاكتفاء بفرض غرامات بسيطة في حالة وجود مخالفات او فقدان المزايا الضريبية ، وفي اقصى الحالات حل المنظمة عبر القضاء . ودعا المركز الى الغاء المادة 26 المذكورة .

ونصت المادتان 6 و9 على كيفية التسجيل المربكة والمعقدة والطويلة ، اضافة الى النص على ضرورة اعادة التسجيل كل سنتين . الامر الذي يشكل مضيعة لوقت العاملين في المنظمات المعنية والمسؤولين الحكوميين . ولذا اوصى المركز باختصار خطوات التسجيل بخطوة واحدة بدلاً من خطوتين ، وحذف شرط اعادة التسجيل .

واوصى المركز بحذف المادة الثالثة والعشرين التي تقيـّد اشتراك او انتساب المنظمات المحلية الى منظمة او مجلس او نادي اومؤسسة او شبكة يكون مقرها الرئيسي خارج العراق وذلك لأن المادة 19 من العهدالدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ، الذي التزمت به الجمهورية العراقية ،تقضي بأن "لكل انسان الحق في حرية التعبير . ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ، ونقلها للآخرين دونما اعتبار للحدود ، سواء على شكل مكتوب او مطبوع اوفي قالب فني او بأية وسيلة يختارها".

وناقش المركز القيود المفروضة على المشتريات وبيع الملكية ، وربط ذلك بموافقة ادارة المنظمات غير الحكومية . وطالب بالغاء المادة 15 التي نصت على ذلك . لما تشكله هذه القيود من عرقلة لعمل المنظمات غيرالحكومية .
وتجنباً للاطالة سنصرف النظر عن ايراد كل ما اورده المركز من مناقشات واعتراضات على معالجة مشروع القانون للكيفية التي عالج بها موضوع حل المنظمة. ونكتفي بمطالبته بتعديل المادة 25وتخفيف شروطها التي تسهل للسلطات حل المنظمة دون مبرر جدي .

وكذلك الشروط الواجب توفرها في مؤسسي المنظمات غير الحكومية من المواطنين والاجانب . ومطالبة المركز بإلغاء حصر المؤسسين بالاشخاص الطبيعيين فقطً. كما طالب المركزبإلغاء المادة 30 التي تحظر على المنظمات غير الحكومية المشاركة في "النشاطات السياسية والفئوية" وذلك لغموض المادة ومطاطيتها التي تتيح للسلطات التعسف في التعامل مع هذه المنظمات ،ولمنافاة هذه المادة للمادة 19 من العهد الولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ،التي سبق ذكرها .

وتضمنت ملاحظات المركز الدولي لقانون المنظمات غير الحكومية قضايا تفصيلية اخرى يجدر الاطلاع عليها من قبل المشرعين قبل الاقدام على اقرارمشروع القانون الذي اعدته الحكومة واقره مجلس شورى الدولة .
وكذلك نرى من الضروري التذكير بـ"اعلان اربيل"الذي صدر العام الماضي عن الاجتماع الذي عقد بتاريخ 1-3 ونظمته الامم المتحدة وضم ممثلين رفيعي المستوى من البرلمان العراقي والوزراءوالمؤسسات العامة العراقية ومجتمع المنظمات الاهلية في العراق ، لما تضمنه الاعلان من منطلقات صائبة جرى اهمالها ، مع الاسف ، عند اعداد مشروع القانون الذي نحن بصدد مناقشته ، بأمل تشذيبه من السلبيات الكثيرة التي احتواها ، وجئنا على ذكر الكثير منها في هذا المقال .

*****
وخلافاً لما هو موجود في جميع الدول الديمقراطية العريقة استحدثت الجهات النافذة في الحكومة وزارة دولة لشؤون المجتمع المدني ، يـُفترض فيها ان تكون عوناً لمنظمات المجتمع المدني يساعدها على خدمة منتسبيها وتطوير نشاطاتها تعزيزاً للديمقراطية وتطبيقاً لنهج الحكومة المعلن عنه ، وتوجيهات رئيس الوزراء التي تدعو للتمسك بالدستور،الذي يدعو الى دعم منظمات المجتمع المدني وصيانة استقلاليتها ، نرى ان الواقع هو على العكس من ذلك تماماً .

ان استقلالية منظمات المجتمع المدني وحرية نشاطها ركن اساس من اركان النظام الديمقراطي الذي نص عليه الدستور . الامر الذي يـُلزم كل الجهات المعنية باحترام هذه الاستقلالية ، والكف عن التدخل في شؤونها ، والامتناع عن عرقلة نشاطها بذرائع مفضوحة لا يمكن ان تخفي نزعات السيطرة والاستئثار وتهميش الآخرين والاعتداء على حقوقهم وحرياتهم الديمقراطية .

ومما يبعث على التفاؤل ان منتسبي منظمات المجتمع المدني وفي مقدمتهم العمال والمعلمون لم يستكينوا ولم يستسلموا للنوازع المناقضة للديمقراطية ، ولنصوص الدستور، ويواصلون النضال من اجل احترام استقلالية منظماتهم وحرية نشاطها ، بعيداً عن اية تدخلات غير دستورية من اية جهة كانت . وهم مدعوون الى تصعيد نشاطاتهم السلمية الدؤوبة لضمان حقوقهم . فما ضاع حق وراءه مطالب .
 


 

free web counter