| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبدالرزاق الصافي

 

 

 

 

                                                                                   الأربعاء 27/4/ 2011

 

حديث عن الامة العربية

عبد الرزاق الصافي

في مقال للأستاذ جاسم عطاوي نشرته "الايام" يوم الاربعاء الماضي بعنوان "الامة العربية والامة الصينية والامة الهندية"ورد ما يلي: " اقول - اقول لكم- في السنوات القادمة ، في عصر "القوميات" الجديد الآتي ستبرز ثلاث (امم) رئيسية هي الاقوى دولياً، ستسيطر على العالم كله اقتصادياً وعسكرياً هي الامة العربية والامة الصينية والامة الهندية ". وعلل السبب الذي جعله يدرج الامة العربية مع الأمتين الصينية والهندية في السيطرة على العالم هو ثروات الامة العربية : النفط والغاز وعدد السكان الذي سيبلغ نصف مليار وطول شواطيها من الخليج الى المحيط الاطلسي مروراً ببحر العرب والبحر الأحمر والبحر الابيض المتوسط .  

ولا شك ان مثل هذا التنبؤ الخطير لا بد وان يستند الى ان الامة العربية سائرة نحو تحقيق وحدتها او اتحاد دولها قريباً او في الافق المنظور على الأقل . خصوصاً وانه جعل ذلك " في السنوات القادمة " دون تحديد .  فالسنوات القادمة يمكن ان تمتد الى يوم القيامة . ولا احسب ان الاستاذ جاسم عطاوي يقصد بالسنوات القادمة مئات السنين ،لأنه ربط ذلك بـ " عصر القوميات الجديد ".

فهل الامر حقاً كذلك ؟ ام ان الامر مجرد امنيات جميلة ليس لها سند في الواقع الذي تعيشه شعوب الامة العربية .

ان موضوعة وحدة او اتحاد الامة العربية شغلت حيزاً مهماً في الفكر السياسي العربي واثارت خلافات وصراعات كثيرة  . فمن المعروف ان مؤتمراً عقد في بلاد الشام في النصف الاول من ثلاثينات القرن الماضي ضم مناضلين ديمقراطيين يساريين كان قد توصل الى رفع شعار الاتحاد العربي للدول العربية التي ستتحرر من الاستعمار الذي كان يهيمن على معظم الاقطار العربية .

اتحاد يقوم على اسس ديمقراطية تراعي الظروف الموضوعية الخاصة بكل بلد عربي ،ومصالح كل شعب من شعوبها .

غير ان هذا الطرح الموضوعي السليم جرت معارضته بشعار الوحدة العربية الشاملة من قبل القوميين العرب المتأثرين بالفكر الفاشي ، الذين كانوا يستلهمون تجارب الوحدة القومية في اوربا، كما حصل في المانيا على يد بسمارك وفي ايطاليا على يد غاريبالدي.

وبعد نجاح الثورة المصرية بقيادة جمال عبد الناصر في 1952تصاعد مد حركة التحرر الوطني العربية وتعاظم الحديث عن ا لوحدة العربية وضرورتها . وكانت التجربة الاولى ،او الخطوة الاولى نحو الوحدة هي الوحدة الاندماجية  المصرية السورية في شباط/ فبراير1958التي اجهضت النهوض الديموقراطي في سوريا والغتها كدولة ، ولم تراع خصوصيات الوضع السوري ، مما ادى الى انهيار الوحدة بعد نحو ثلاث سنوات .

وبسبب من الصراعات التي اثارها ميشيل عفلق بين القوى الوطنيةالعراقية الداعمة للثورة، بفرضه شعار الوحدة على قيادة حزب البعث في العراق ، بعد نجاح ثورة الرابع عشر من تموز/ يوليو 1958 على الضد من كل قوى الثورة ، عدا البعثيين ، تم اغتيال الثورة في انقلاب الثامن من شباط/فبراير 1963المدعوم من السي آي أي الامريكية والجمهورية العربية المتحدة (التي اقتصرت على مصر بعد انفصال سوريا عنها) وجرى التنكيل بقادة الثورة وبعشرات الالوف من خيرة ابناء الشعب العراقي الذين تصدوا للانقلاب الوحشي.

لقد جرى الانقلاب المذكوربزعم انحراف ثورة 14 تموز عن هدف الوحدة العربية . ولكن حملة الشعار الذين سيطروا على الوضع في العراق وسوريا ومصر عجزوا عن ان يخطوا خطوة واحدة نحو الوحدة . والاكثر من ذلك ان جناحي حزب البعث اللذين توليا الحكم في العراق وسوريا ليس لم يحققا الوحدة بين البلدين ومع مصر فحسب بل شددا الصراعات في ما بينهم مما ابعد شعار الوحدة عن التداول بعد ذلك . اذا استثنينا إدعاءات صدام بأن غزوه الغادر للكويت كان بهدف تحرير فلسطين والسير نحو الوحدة العربية !

ومما له دلالة كبيرة ان الحديث عن الوحدة العربية او كل يتعلق به من قريب او بعيد لم يجد له مكاناً بين اي من الثورات والانتفاضات والهبات التي شهدتها الشعوب العربية منذ بداية هذا العام حتى الآن . على عكس ما كان يجري في الانقلابات العسكرية التي جرت في النصف الثاني من القرن الماضي ، عندما كان يجري الحديث عن نصرة فلسطين والسير نحو الوحدة العربية .

 ان شعار الوحدة العربية يمثل مطمحاً نبيلاً ولكنه غير عملي . ولا موجب لإشغال الشبيبة وكل الشعوب العربية به ، بعيداً عما طرحته الصحوة النضالية التي تعم الشعوب العربية الآن من اجل الخلاص من الاستبداد والفساد وضمان الحريات الديمقراطية والقضاء على البطالة والتخلف وبناء الدولة المدنية الديمقراطية التي تستجيب لمتطلبات القرن الحادي والعشرين .


 

 

free web counter