| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبدالرزاق الصافي

 

 

 

 

                                                                                   الأربعاء 27/7/ 2011

 

 تداعيات في اليوم العالمي للبيئة

عبد الرزاق الصافي

مر في الخامس من حزيران/يونيو هذا العام اليوم العالمي للبيئة الذي قررته الامم المتحدة في العام 2000. وكان شعار الاحتفال هذا العام هو "الغابات : الطبيعة في خدمتك". وذلك لأن الامم المتحدة كرست احتفال هذا العام للغابات، لما لها من اهمية بإعتبارها رئة العالم الخضراء التي تمد البشرية بالاوكسجين وتمتص ثاني اوكسيد الكاربون وتحمي كوكبنا من تفاقم الاحتباس الحراري لأن كل شجرة تمتص12 كيلو غرام من ثاني اوكسيد الكاربون وتعطي كمية من الاوكسجين تكفي عائلة من اربعة انفار كل عام .

وللاسف مر هذا اليوم هذا العام ، كما هو الحال في الاعوام المنصرمة، من دون ان يلقى الاهتمام المطلوب من الحكومات في الغالبية الساحقة من البلدان العربية واجهزة الاعلام فيها للتعريف باليوم وبموضوع البيئة وبالغابات ، ناهيك عن اتخاذ ما يستدعي من اجراءات ومشاريع لحماية البيئة وانقاذ الغابات من التلف والاراضي الزراعية والمراعي من زحف الصحراء الذي يغطي عشرات الوف الهكتارات كل عام .

تقول الاحصاءات ان مساحة المنطقة العربية تقدر بـ (1406) ملايين هكتار . تقع 90% منها في المناطق الجافة وشبه الجافة . وان رقعة الاراضي المتصحرة ازدادت، وتناقصت حصة الفرد من اراضي المراعي بنحو 33% بين عامي 1980 و2005 وتناقصت هذه الحصة بنسبة 33% من اراضي الغابات في نفس الفترة . ولم يلحظ الخبراء اهتماماً يستحق الذكر في هذا المجال سوى في مصر .

اما في العراق فإن الامر يبلغ مستوى الكارثة الحقيقية . تقول كتب التاريخ ان الخليفة هارون الرشيد كان يذهب من بغداد الى مدينة الرقة في اعالي نهر الفرات في سوريا الحالية تحت ظلال الاشجار . ومن الطريف ان نذكر ان البطيخ الاحمر يسمى في العراق بالرقي لأنه كان يأتي من الرقة. اما اليوم فإن ما يزيد على التسعين بالمئة او اكثر من الاراضي بين بغداد والرقة هو صحراء . وان ارض العراق التي كانت تسمى ارض السواد لكثرة ما فيها من الاشجار والخضرة تعاني من التصحر جراء عوامل عديدة استورثناها من العهد العثماني المظلم وتفاقمت بشدة على ايدي حكم البعث الجائر منذ انقلاب الثامن من شباط 1963 وخصوصاًفي عهد صدام حسين قبل ان يصبح رئيساً ولا سيما بعد ان تولى رئاسة الحزب والدولة في العام 1979. ان احدى جرائم انقلابيي شباط 1963 المسكوت عنها تقريباً بسبب الانشغال في الحديث عن فظاعة جرائمهم الاخرى هي تدميرهم لبيئة بغداد . فمن المعروف ان حكومة ثورة 14 تموز/يوليو 1958 حفرت قناة الجيش من شمال بغداد الى جنوبها بعرض عشرة امتار وبطول نحو 30 كيلومتراً وقررت زراعة جانبيها بالاشجاربعرض خمسين متراً لكل جانب، لتكون رئة خضراء تلطف جو بغداد الحار في الصيف . غير ان الانقلابيين الغوا هذه الحدائق . وبذلك حرموا بغداد من مساحة تغطيها المياه والخضرة مقدارها ثلاثة ملايين وثلثمئة الف متر مربع .

وبسبب من السياسات الحمقاء والحرب العراقية الايرانية وعاصفة الصحراء (حرب تحرير الكويت) والغزو الامريكي البريطاني في العام 2003 انخفض عدد النخيل في العراق من ما يزيد على الثلاثين مليون نخلة الى نحو عشرة ملايين لا غير . كما تسببت الاعمال الحربية وجنازير الدبابات في الاعمال الحربية المذكورة الى تدمير قشرة الصحراء من الاعشاب والنباتات الصحراوية ،التي تمسك بالرمال نسبياً، مما ضاعف العواصف الرملية وشدتها عشرات المرات وصرنا نسمع هذا العام عن وفاة العشرات من المواطنين اختناقاً بسبب العواصف الرملية . وتقول تقارير علمية موثقة قام بها خبراء اجانب في البيئة ان العراق من اشد البلدان تلوثاً بالهواء والمواد المسرطنة بسبب ما جرته عاصفة الصحراء والغزو الانكلو بريطاني في العام 2003.

ولا يفوتني في هذا السياق ان اذكر جريمة تجفيف الاهوار التي قام بها نظام صدام حسين وتأثيرها بالغ السوء على المناخ في العراق وعلى الثروة السمكية التي كانت تحويها وكذلك الثروة الحيوانية ،فضلاًعن كون التجفيف عدوانا ًفظاً على الطبيعية وتخريباًجائرا ًلمحمية طبيعية يمتد عمرها الى عشرات الوف السنين.

ولم تكن الغابات في العراق وغالبيتها الساحقة في اقليم كردستان في شمال العراق بمعزل عن الدمار الذي سببته سياسات النظام السابق الذي دمر مايزيد عن الاربعة آلاف قرية كردية واباد بساتينها وقتل وهجر مئات الالوف من سكنتها وجعل مناطق واسعة منها تزيد على مساحة لبنان اراضي محرمة على ابنائها . وقد حدثني صديق كردي ، وكنا في اعالي احد جبال كردستان ، في ثمانينات القرن الماضي ،انه من الموضع الذي كنا فيه كان يتعذر عليه رؤية سفح الجبل في الشتاء رغم تساقط اوراق الاشجار التي تملأ الجبل . وقال ، والعبرة تكاد تخنق صوته ، وهانحن في الصيف وهاهو الجبل و سفحه امام ناظرينا خاليين من الاشجار.

ان التداعيات تطول لو اردنا الاسترسال بما لا يتحمله الحيّز المخصص لهذا المقال . ولا بد من بضعة كلمات لمناسبة اليوم العالمي للبيئة ، وما يتطلبه هذا الامر من اهتمام الحكومات العربية بموضوع البيئة من ارض ومياه وهواء نقي وغابات ومراعي . وبالنسبة للعراق تنظيف البلد من الالغام التي تعد بالملايين وكل ما يجب توفيره من بيئة نقية خالية من الملوثات من كل نوع ، حماية لهذا الجيل والاجيال القادمة من مخاطر البيئة الملوثة بكل انواع الملوثات . فهل هناك من يسمع؟

 

لندن 27/7/2011    

 

free web counter