| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبدالرزاق الصافي

 

 

 

 

الخميس 23/9/ 2010

 

خمسون مليون نخلة!

عبد الرزاق الصافي

قرأت قبل ايام خبراً صغيراً ، في شريط الاخبار في التلفزيون، يقول ان جهة حكومية رسمية تعتزم وضع خطة لزيادة عدد النخيل في العراق ،الى خمسين مليون نخلة ، خلال بضع سنوات.واثار الخبر لديَّ تداعيات مؤلمة حول الكارثة التي احاقت بالنخيل في العراق خلال العقود الثلاثة الاخيرة
.
فمن المعروف ان عدد النخيل في العراق كان حتى اواسط سبعينات القرن الماضي هو اثنان وثلاثون مليون نخلة ، تشكل 38% من مجموع النخيل في العالم . تنتج نحو 40%من الانتاج العالمي من التمور . وكان العراق يحتل الموقع الاول في قائمة الدول المصدرة للتمور. وامسى عدد النخيل في عراق اليوم اقل من عشرة ملايين نخلة !أي خسر ما يزيد على العشرين مليون نخلة. وتراجع موقعه بين الدول المصدرة للتمور الى المرتبة السابعة ،بعد ان كان يحتل الموقع الاول.فكيف حصلت هذه الكارثة الاقتصادية والبيئية؟

لقد اقترنت بداية هذه الكارثة في اواسط سبعينات القرن الماضي بما سُمّيَ يومذاك بـ" التنمية الانفجارية" . يوم ارتفعت الاجرة اليومية للعامل غير الماهر الى ثلاثة دنانير ، اي ما يعادل نحو عشرة دولارات. الامر الذي ادى الى ترك الكثير ممن يعملون في الزراعة ومن بينهم من يعتنون بالبساتين ويهتمون بالنخيل عملهم في الزراعة والانتقال الى العمل في المدن.

غير ان الكارثة تعاظمت تعاظماً كبيراً ايام الحرب العراقية الايرانية ،التي دامت ثماني سنوات،وكانت محافظة البصرة التي كانت تمثل اكبر غابة نخيل في العالم ، وتضم نحو اربعة عشر مليون نخلة ، ساحة رئيسية من ساحات الحرب . فقد تعطل العمل بشكل شبه كلي في رعاية النخيل ، وجرى جرف ملايين النخيل لأغراض عسكرية وصنع سواتر ترابية ،من البصرة حتى الفاو، فضلاً عن تجنيد اعداد كبيرة جداً من الشبيبة في الحرب . كما ان الحرب واهمال البساتين ادى الى انتشار امراض النخيل لفقدان الرعاية المطلوبة لها وهلاك النخيل بالجملة .

وجاء بعد ذلك الحصار الظالم الذي فرضه مجلس الامن على العراق في اعقاب غزو نظام صدام الغادر للكويت، الذي دام نحو ثلاثة عشر عاماً ، ليسهم بدوره في دمار نخيل العراق .

ولم تسلم غابة نخيل البصرة من استمرار هذا الدمار في اعقاب سقوط النظام السابق ، بل زاد الامر سوءاً بسبب ما طرأ على مياه شط العرب من زيادة الملوحة جراء شحة مياه دجلة والفرات ووقف تدفق المياه في الانهارالقادمة من ايران التي كانت تصب فيه ، خصوصاً وان بساتين النخيل والفواكه الاخرى على جانبي الشط كانت ترتوي بمياه شط العرب غير المالحة ،عند حصول المد ، وصارت تردها المياه مالحة وتؤدي الى هلاك النخيل وسائر اشجار الفواكه من عنب ورمان وحمضيات وغيرها.
ان التوجه نحو زيادة عدد النخيل الى خمسين مليون نخلة خلال بضع سنوات امر يبعث على الفرح إذا ما اقترن بالجدية والتخطيط العلمي الرشيد، وتهيئة مستلزمات تحقيقه المالية والفنية والدراسات اللازمة وتعزيز الهيئة العامة للتمور، بما يمكنها من الاسهام في انجاح المهمة الكبيرة وتهيئة المعدات الضرورية لمكافحة آفات النخيل ، وخصوصاً طائرات الرش التي لا يوجد منها الآن سوى ثلاث طائرات!في حين ان الحاجة تستلزم وجود العشرات لكي تغطي كل المناطق التي تزرع فيها النخيل من البصرة في الجنوب حتى محافظة صلاح الدين في شمال بغداد .

وحبذا لو جرت الدعوة الى عقد مؤتمر علمي لوضع الخطط اللازمة يدعى اليه المختصون من شتى الاختصاصات المتعلقة بالموضوع . والبحث في كيفية جذب المستثمرين وتمكينهم من المساهمة في اقامة مشاريع كبيرة لزراعة النخيل واستخدام الطرق الفنية والعلمية والادوات الحديثة في الزراعة والاستفادة من الخبرات التي صارت تمتلكها دول جاءت الى هذا المجال بعد العراق مثل الإمارات العربية المتحدة والسعودية والكويت وامريكا وغيرها ،التي احتلت اسواق التمور في العالم بعد انحسار العراق عنها بسبب السياسات الحمقاء للنظام السابق وحروبه العبثية واهماله الاجرامي للنخيل .هذه الثروة الكبيرة الت يتطلب تعويضها جهوداً كثيرة على مدى سنين عديدة

 

free web counter