| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبدالرزاق الصافي

 

 

 

 

الأربعاء  18/8/ 2010

 

 الاستنزاف مستمر!

عبد الرزاق الصافي

والاستنزاف المقصود في هذا العنوان هو استنزاف العقول والكفاءات العلمية والفنية النادرة من البلدان العربية ، وليس الثروات الطبيعية الكبيرة ، التي تـُنهب بأشكال شتى .هذا الاستنزاف الذي تفاقم في العقود الاخيرة من السنين ، كما تخبرنا تقاريرصدرت عن الامم المتحدة (عبر تقارير التنمية البشرية العربية) وتقارير الجامعة العربية ومؤسسة العمل العربية.

خطر لي قبل ما يزيد عن الاربعين عاماً ان اتحرى عن مصير جزءٍ من هذه الثروة المستنزفة ،ألا وهي طلبة البعثات العلمية العراقية . قصدت يوم ذاك وزارة التربية والتعليم لأسأل الدائرة المختصة فيها عن ارسال البعثات العلمية الى دول الغرب ،وفي مقدمتها الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا، أسألها عن عدد من ارسلوا في هذه البعثات ، ونوعية اختصاصاتهم ، وكم هو عدد من عاد منهم الى الوطن بعد اكمال دراستهم؟ وراعني ان الدائرة المختصة، وهي مديرية البعثات في الوزارة ، لا تملك سجلاً بمن ارسلتهم للدراسة العليا، ولا اي شيء من المعلومات عن من عاد منهم ،ومن لم يعد!

والغريب انه رغم انقضاء هذه العقود من السنين لم تجد الحكومات في العراق ، وفي سائر البلدان العربية ، الحاجة الضرورية لتفادي هذا الإهمال الخطير ، لهذه الثروة المهدورة . إذ تدل الدراسات الجادة لهذا الموضوع ان خسائر البلدان العربية سنوياً، بسبب هذا الاستنزاف تبلغ مئتين مليار دولار . وهو مبلغ يفوق ما تتلقاه الدول العربية من المساعدات من دول الغرب بعشرات المرات.

وللتدليل على عظم هذه الخسارة يمكن ايراد الارقام التالية :
- هناك اليوم اكثر من مليون خبير واختصاصي من حملة الشهادلت العلياوذوي الإختصاصات الفنية العالية مهاجرون او مهجــَّرون او مضطرون للهجرة لشتى الاسباب يعملون في دول الغرب.
- وان امريكا واوربا تضم اربعمئة وخمسين الف من حملة الشهادات العليا ، كما تقول مؤسسة العمل العربية .
- وان اربعة وثلاثين في المئة من الاطباء الاكفاء في بريطانيا ينتمون الى الجاليات القادمة من البلدان العربية . ونسبة كبيرة من هؤلاء من العراق . إذ لا تكاد تخلو اية مستشفى في بريطانيا من طبيب عراقي او اكثر!
- وان العراق شهد ما بين 1991 و1998 هجرة سبعة آلاف وثلثمئة وخمسين عالماً بسبب الارهاب والحصار الجائر الذي فرض على الشعب العراقي بحجة معاقبة النظام الدكتاتوري لغزوه الغادر للكويت عام 1990!

اما ما حصل بعد احتلال العراق في العام الفين وثلاثة فكان كارثة حقيقية في هذا المجال ،إذ جرى استهداف الكفاءات العلمية وخصوصأ الاطباء والأكاديميين بالقتل والتشريد ،وبلغ عدد الضحايا الالوف ، الذين لا يضمهم إحصاء دقيق حتى الآن على ايدي عصابات اجرامية ذات انتماءات شتى .

لقد كان الاضطراب السياسي في العديد من البلدان العربية احد الاسباب الرئيسية لهجرة العقول والكفاءات من البلدان العربية الى دول الغرب . ومما يؤسف له حقاً هو ان هذا الاضطراب ما يزال مستمراً في الكثير من البلدان ويفعل فعله المدمر في هذا المجال ، الامر الذي يسبب تصاعد اعداد الكفاءات العلمية والفنية التي تفقدها البلدان العربية سنوياً ، واستمرار الخسائرالمادية الهائلة التي اشرت اليها في بداية المقال ، واستمرار ما يسببه فقدان هذه الكفاءات من تخلف في حقول المعرفة واضعاف الفكر العلمي وعرقلة التقدم الذي تنشده الشعوب العربية في شتى مجالات الاقتصاد الصناعية والزراعية والتنمية البشرية المطلوبة لوضع حد للتخلف المريع الذي تعانيه الاغلبية الساحقة من البلدان العربية ان لم تكن كلها مع الأسف الشديد . فهل ستلتفت النخب الحاكمة الى هذا الجانب الخطير ، وتغلب المصالح الوطنية العليا لشعوب البلدان العربية بدلاً لمراعاتها مصالح فئات ضيقة تتحكم بمصائر هذه الشعوب حتى الآن؟!


لندن 18/8/2010
 

free web counter