| الناس | المقالات | الثقافية | ذكريات | المكتبة | كتّاب الناس |
الأثنين 25/2/ 2013 عادل سعيد كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس
يوم ارتقى سلام
عادل سعيد *
في دمشق ، منتصف الثمانينات ، وفي مكتب مجلة ( دنيا العرب ) جمعتني جلسة مع الكاتب و الروائي الفلسطيني ( محمد ابو عزة ) سكرتير تحرير المجلة . وفي خضم الكلام اكتست ملامحه مظهر التأمل والشرود ، ثم قال فجاة ؛ في ضميري ( مشهد ) مشهد لم يغب عنه و لابد ان ارويه ، ولكن ليس في سورية ، لأن الأمر يتعلق بحقبة من تاريخ البعث ، وان كان الأمر يتعلق بالبعث العراقي ، ولكني سأرويه لك ، وعدني بأن ترويه انت حين تغادر سورية فيما بعد .المشهد يعود الى العام 1963 و تحديدا في الأيام الأولى بعد انقلاب 8 شباط كنت ضمن طاقم الحرس القومي في مديرية الأمن العامة ، ومن بيننا مجموعة من العرب و الفلسطينيون تحديدا ، و لاسيما بعض ممن اصبح في الخط الأول من قيادات منظمة التحرير ضمن حركة القوميين العرب ، كأبي علي مصطفى الذي قال يوما ، بأنه يود لو يقطع يده التي ساهمت في تعذيب الشيوعيين و المناضلين العراقيين في تلك الفترة .
وفي نهار يوم كان لدينا ضيف ( دسم ) اقمنا له وليمة دسمة هي الأخرى من صنوف التعذيب والهتك الجسدي والنفسي على مدى ساعات .
( الضيف ) كان سلام عادل السكرتير العام للحزب الشيوعي العراقي .
كانت طاقتنا على الإبداع في التعذيب و القهر لا توصف ، وكانت طاقته هو على الصمود و التماسك لا توصف ايضا ، وحين بدا ان الرجل في طريقه الى النهاية الأكيدة ، جاءتنا اوامر بالإبقاء على الرجل ، لأن شخصية مهمة في الطريق الينا.ولم تكن تلك الشخصية سوى علي صالح السعدي وزير الداخلية و الأمين العام لحزب البعث العربي الإشتراكي . و في ( صالون ابداعنا ) بدا المشهد طويلا ، حين وقف السعدي يحدق في سلام عادل الذي لم يبد انه على وشك الإنطفاء بعد .
ثم قال السعدي مقربا فمه من عادل ؛انت منته وليس عليك الا الإعتراف .
ثم كرر طلبه غير مرة ، وفجأة رفع سلام رأسه وحدق في وجه السعدي طويلا ، ثم قال بكلمات متقطعة و لكن واضحة و مفهومة ؛ انت سكرتير حزب يفترض انه من ضمن احزاب التحرر ، و تطلب مني انا سكرتير حزب شيوعي ان اعترف..انت لست اكثر من شرطي من هؤلاء . ثم سكت سلام لحظات ، و بدا وكأنه يستجمع قواه مرة اخرى ، ثم فجأة بصق في وجه سعدي بصقة يخالطها الدم .
لم يبد من سعدي للحظات اي رد فعل سوى ان يمسح البصقة ، وبدت منه حركة واشارات عصبية فهمنا المقصود منها ؛ اجهزوا على الرجل. .لا اريد ان اسهب في كيف اجهزنا عليه ، ولكن الأمر بدا و كأنه قريب من رواية الشيعة لطريقة الإجهاز على الحسين في لحظاته الأخيرة .
* شاعر عراقي مقيم في النرويج