| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

أحمد رجب

 

 

 

                                                                                       الجمعة 13/4/ 2012


 

لنتذكر الكوارث البشعة لعمليات الأنفال السيئة الصيت

أحمد رجب

لقد كنت هناك، في قلب الأحداث المُؤلمة وشاهدتُ فصولاً من الكارثة، وسمعتُ الأنباء المُروّعة

يتذكر الشعب الكوردستاني في نيسان من كل عام الكوارث البشعة للعمليات القذرة والجبانة المسماة بالأنفال السيئة الصيت التي شنّها نظام الدكتاتور الدموي صدام حسين في (8 مراحل وبدأت الأولى في 22 شباط / فبراير 1988 لتنتهي المرحلة الثامنة في 6 ايلول / سيبتمبر 1988) ضد الجماهير الآمنة والقرى والقصبات والمدن ومقرات الأحزاب الكوردستانية  والعراقية ومنها حزبنا الشيوعي العراقي في سه‌رگه‌ڵو، به‌رگه‌ڵو، یاخسه‌مه‌ر، چۆخماخ وچاڵاوا في منطقة دۆڵی جافایه‌تی، قره داغ، گه رميان، گۆپته‌په‌، ده‌شتی كۆیه‌، بالیسان، شیخ وه‌سان، ده‌شتی هه‌ولێر، سهل فايدة ومنطقة بادينان.

كانت عمليات الأنفال مُنظمة ومُحكمة وفق خُطة عسكرية مدروسة تم التخطيط لها مُسبقاً للإبادة الجماعية للشعب الكوردستاني الأعزل ومحوه من الوجود، إذ أنّها حرب شوفينية حقيقية، وهي من الجرائم الوحشية التي تنتهك قواعد القانون الدولي، لأنّها تُرتكب بهدف القضاء على مجموعات قومية وإثنية، أو عرقية، أو دينية، وان هذه الإبادة الجماعية هي سياسة القتل الجماعي المُنظمة للشعب وسلخه عن أرضه ووطنه وحضارته وتاريخه وقوميته.

انّ جذور هذه الخطط الجهنمية لإبادة الجنس البشري كانت نابعة ومُتأصلة في أفكارالبعثيين والقوميين الشوفينيين الفاشست والدكتاتوريين الذين حاولوا بهذه الجريمة النكراء إذلال الشعب الكوردستاني، والقضاء على معنوياته ومن ثمّ سحقه وإبادته كلياً، ولكن، كان لهذه الجريمة الوحشية الجبانة التي إرتكبها نظام الغل الشوفيني العنصري في بغداد صدى كبيراً دوّى في كل أنحاء العالم وهزّ ضمير المجتمع الإنساني بإستثناء حكام الدول العربية والإسلامية.

نظراً للظروف الصعبة التي مرّت بها الحركة الوطنية والكوردستانية، وظروف الإقتتال الداخلي بين الأحزاب والمُنظمات المُختلفة وحروب دول الجوار وتدخلاتها العديدة في الشأن الكوردستاني بشتّى الذرائع تنّقلت قوات حزبنا الشيوعي العراقي من مقر إلى آخر، وخاصة بعد تشكيل القواطع، ففي السليمانية وفي منطقة قره داغ استقر مقر {قاطع السليمانية وكركوك} في قرية أستيل العليا، وتوزعت البتاليونات (الأفواج) على النحو التالي: الفوج {4 - كه رميان} في باوه‌كر - گه‌رمیان ر، الفوج {7 - هه ورامان} في قرية شيوي قازي، الفوج {9 - سليماني} في قرية كه‌سنه‌زان والفوج {15 – قه ره داغ} في قرية كوشك السفلى، كما توزعت قوات پێشمه‌رگه‌ الاتحاد الوطني الكوردستاني في القرى القريبة في ته كيه و سيوسينان وغيرها.

صباح يوم (16 آذار / مارس 1988) حلقت سرب من الطائرات فوق مقراتنا، وأتخذنا الحذر والإستعداد كما تقتضي العادة، إلا انّ الطائرات ذهبت بعيداً، وتوقعنا أن مقراتنا غير مقصودة ولكن، بعد فترة عاودت الطائرات التحليق فوق مقراتنا ذهاباً وأياباً، وتكررت هذه الحالة عدة مرات وعند ساعات الظهيرة علمنا بأنّ الطائرات أغارت على مدينة حلبجة {هه‌ڵه‌بجه‌} واستخدمت الغازات الكيمياوية المحرمة دولياً، وفي المساء وردت أخبار الفاجعة الأليمة بإستشهاد أكثر من {5000} مواطن.

نعم، ان العراقيين عامةً والكوردستانيين خاصةً وأصدقاؤهم والناس الشرفاء والبشرية التقدمية يتذكرون اليوم الجريمة النكراء التي إقترفها البعثيون وقائدهم المجرم صدام حسين في حلبجة وضربها في ربيع عام (1988) بالسلاح الكيمياوي والغازات السامة وبالأخص غاز السيانيد التي أودت بحياة خمسة آلاف مواطن معظمهم من النساء والأطفال والشيوخ، وأدت إلى جرح عدد أكبر وتشريد أكثر من ثمانين ألف آخرين إلى دول الجوار، لكي يبدأوا رحلة شاقة وحياة صعبة، وتنتصب اليوم أطلال مدينة حلبجة شاهداً على الوحشية التي لم يسبق لها مثيل في التاريخ المعاصر.

في 20/3/1988 توجهت مع الرفيقين المسؤول السياسي أبولينا والمسؤول العسكري جوهر* من مقرنا في استيل العليا إلى مقر البتاليون / 7 هه ورامان في قرية شيوي قازي لزيارة رفاقنا الذين كانوا في حلبجة يوم الضربة بالسلاح الكيمياوي، والذين نجوا باعجوبة عند عودتهم من المدينة إلى المقر رغم الربايا العسكرية المنتشرة والإستنفار العسكري والسيطرات الحكومية العديدة للترحيب بهم باسم رفاق قاطع السليمانية وكركوك، وفي المساء سمعنا من رفاقنا نبأ التحشيدات العسكرية الضخمة للعدو الجبان عند منطقة البرج** المواجهة لرفاقنا في قمة جبل ميرياسي، وفي إجتماع مع رفاق قيادة البتاليون توصلنا إلى إستنتاج بأن العدو يبدأ عملية الأنفال الثانية وهذا ماحدث فعلاً، وتقرر عودتنا على الفور إلى القاطع، ونحن في الطريق سمعنا دوي إطلاقات وإنفجارات على ربية رفاقنا الأبطال في ميرياسي.

في 22/3/1988 تعرضت قرية سيوسينان الواقعة شرق قضاء قرداغ  للقصف بالسلاح الكيمياوي من قبل النظام الهمجي، وراح ضحية القصف {82} مواطناً أغلبهم من النساء والاطفال، وقيل بان العدو ضرب قرية دوكان القريبة من قرية شيوي قازي بالسلاح الكيمياوي، وكانت الضربة خفيفة وأدت إلى جرح مواطنين.

تجدر الإشارة هنا قيامنا عند سماعنا إحتلال العدو منطقة دولى جافايتي ومقرات الإتحاد الوطني الكوردستاني بتنظيم مفارز عديدة للاشراف على السجناء الذين كان عددهم (26)  لنقل المواد والارزاق والأسلحة بواسطة البغال من مقر القاطع في قرية استيل العليا إلى منطقة قوبي قرداغ عن طريق مضيق نيرامسين، وخلال اسبوع واحد أنجزنا ذلك، ووضعنا عليها حراسة خاصة.

وسط أنباء محزنة بإستشهاد الپێشمه‌ركه‌  النصيرين البطلين بارام هه ورامي وشوان حمه قتو ***فتح العدو وبمساعدة المدفعية الثقيلة والدبابات والطيران محورين بإتجاه مجه كوير – دولكان، ديوانة – مسويى – كه لوش قلاقايمز وأشعل نار حرب جديدة وتصدى لها رفاقنا وقوة من الإتحاد الوطني الكوردستاني، ولكن العدو حقق إنتصاراً آخر لجودة سلاحه ووجود آلاف الجنود والجحوش.

- وردنا خبر إستشهاد الشاب الطموح كاوه مام اسكندر.

في 30/3/1988 تقرر إرسال العوائل والاطفال إلى المدينة وسط غموض مجريات الوضع، ووفق هذا القرار هيأنا تراكتور وسيارة من سياراتنا لإيصال العوائل إلى قرية نه وتي، ومن هناك عليهم تدبير أمورهم ووصولهم بسلام إلى السليمانية، ولم تكن عندنا خسارة ووصل الجميع سالمين إلى المدينة بإستثناء الرفيق الباسل صلاح حسن {ماموستا خالد} عضو مكتب محلية السليمانية ****.

بعد إنسحاب رفاقنا وبيشمةركة الاتحاد الوطني الكوردستاني، تقرر ترك مقراتنا في أستيل وكوشك السفلى والذهاب إلى قوبي قه ره داغ، وهناك تم عقد إجتماع لكوادر القاطع مع كوادر البتاليونات وتقرر:  قيام عدد من رفاقنا من أهل المنطقة بطريقة فنية بإخفاء الأسلحة الثقيلة والأسلحة الزائدة مع اللوازم العسكرية في أماكن آمنة، وعدم حرق مقراتنا لعّلنا نعود إليها لاحقاً، التوجه إلى كرميان، إبقاء مفرزة خاصة في قوبى قه ره داغ للحفاظ على المواد التموينية.

لم نقم إحتفالاً بمناسبة ميلاد الحزب كما جرت العادة سنوياً، وبدلاً من الإحتفال تجرعنا المرارة وتوجهنا في 31/3/1988 إلى منطقة كرميان، وبدأ  المسير حسب المخطط  والقرارات المُتخذة، وكل قوة يستلم الأوامر من مسؤوليها، ونظراً لوجود قرار تم تشخيص مفرزة من الرفاق للإشراف على سير السجناء وكيفية مداراتهم، ويحمل كل سجين حاجة  من الحاجات التي نحتاجها حسب مقدرته ورغبته.

في كرميان شعرنا بألم وأسى، كان المواطنون متخوفين على  حياتهم وحياة أبنائهم وقراهم وأموالهم ومصدر رزقهم، ولكن رغم عذاباتهم ومآسيهم يستقبلون الپێشمه‌رگه‌ بحرارة، وهم يقولون كيف تتركون جبال قره داغ الشماء؟، كيف تتركون الجبال وتأتون إلى هذه السهول والتلال!!، لم يكن الجواب سهلاً لأنّهم شعروا بضعف إمكانياتنا القتالية مع عدو شرس يملك أحدث الأسلحة من خفيقة وثقيلة ودبابات وسمتيات وطائرات حربية وأنواع المدافع والصواريخ والراجمات، وخاض حرباً ضروساً لمدة (8) سنوات مع إيران.

بعد يومين وصلنا مقر البتاليون الرابع في باوه كر وأنتظرنا وصول القوات الأخرى، وكان الجميع مُتعبين ويُخّيم على البعض الوجوم وعلامات الإرهاق، ولكن رغم كل شيء الوضع العسكري كان هاجس الجميع، ولا يتحمل الإنتظار والتأخير وفي تلك الظروف الصعبة عقد إجتماع لدراسة وضعنا من النواحي العسكرية والسياسية والإدارية واللوجستية، وتقرر توزيع القوى والمهمات وقياداتها و التزود بالحاجات الضرورية المتوفرة والتحرك فوراً بغية التصدي لقوات النظام الدكتاتوري الشوفيني المقبور. تعانقنا جميعاَ، وكان الرفاق الأنصار  مسرورين وبشوشين، وهم يقهقهون ويضحكون من أعماق قلبهم، وهم يُوّدعون بعضهم البعض الآخر ويذهبون الى الخطوط الأمامية للقتال ضد عصابات نظام حزب البعث ونظامهم الجائر في سبيل وطن حر وشعب سعيد.

تقرر إطلاق سراح جميع السجناء، وهنا إصطدمنا مع واقع مرير لأن أكثريتهم رفضوا العودة إلى نظام الدكتاتور صدام حسين بعد المعاملة الحسنة لهم من قبل رفاقنا ومشاهدتهم لجرائم النظام، لقد بكوا وتعالى صراخهم وهم يطلبون البقاء عندنا، وبعد أحاديث مطولة معهم أقنعنا البعض بالعودة إلى السلطة، وقبلنا بالبعض الآخر بشرط عدم تسليحهم.

صبيحة يوم 7/3/1988 بدأت عمليات الأنفال القذرة والسيئة الصيت في كرميان من محاور عديدة، ودارت معارك حامية الوطيس، معارك طاحنة وأهّمُها معركة تازه شار وئاوايى شيخ حميد في بناري كل، البيشمةركة الأنصار بأسلحة خفيفة، كلاشينكوف، أر بي جي/ 7 رشاش بي كي سي، والعدو بالأسلحة الحديثة والمتطورة من كل الصنوف بما فيها الدبابات والدروع والمدفعية الخفيفة والمتوسطة والثقيلة وطائرات الهليكوبتر (السمتيات) والبيلاتوز والطائرات الحربية الميك وسيخوي وغيرها، ورغم كل الأسلحة والتقنيات المتطورة العدو ينهزم، والأنصار يُسّطرون بدمائهم النقية الزكية أروع صفحات البطولة والمجد.

العدو يشدد الخناق ويحاول محاصرة المقاتلين البواسل ويرسل قوات جديدة من جنود وجحوش، ومع إستمرار الهجوم الوحشي إنتهت الإطلاقات من قبل الأنصار واستطاع العدو محاصرتهم، وبعد تلك المعارك البطولية التي أرعبت القوات المهاجمة، تلقينا بألم ممض وحزن شديد نبأ إستشهاد كوكبة باسلة من رفاقنا وإخوتهم في الاتحاد الوطني الكوردستاني في ظروف قاسية أيام جريمة نظام الطاغية صدام حسين في عمليات الأنفال المقززة والهجوم الشرس للمعتدين الوحوش، مسجلين أروع البطولات في مقاومتهم أعتى الدكتاتوريات في عالمنا المعاصر ، مؤكدين كونهم الأبناء البررة للشعب العراقي والشعب الكوردستاني بجميع قومياته. لقد كانت المعركة التي خاضوها في قرية تازه شار وآوايي شيخ حميد معركة أبناء جميع القوميات المتآخية ضد نظام متغطرس جبان، امتزج فيها دماء العرب والكورد والتركمان ، معركة جبهوية شارك فيها أنصار الحزب الشيوعي العراقي وأنصار الإتحاد الوطني الكوردستاني.

بعد سقوط نظام الدكتاتور الدموي صدام حسين نقلت صفحة الإتحاد الوطني الكوردستاني على شبكة الانترنيت خبراَ يفيد بأنه تم العثور على مقبرة لـ(22) فرداَ من بيشمه ركة الإتحاد الوطني الكوردستاني والحزب الشيوعي العراقي داخل معسكر قديم لقوات الجيش العراقي المنحل في دوز خورماتو كان من بينهم الآمر القيادي ناظم بجكول من الإتحاد الوطني الكوردستاني والملازم سامي من قوات الحزب الشيوعي العراقي، كما إستشهد من رفاقنا الخالدون: ماجد علي خليفه، علي عرب من ديالى، طارق، آشتي، واستشهد لنا إرتباطاً بعمليات الأنفال السيئة الصيت الرفاق: بايز سيد باقي، حسين رحيم (هزار) وعبدالرحمن فرج سور (لاله) وعه تا حمه صالح (دلشاد)، الملازم أبو يسار، أبو عناد.

إشتّددت المعارك على الجبهات وفي المقابل ضعفت الإمكانيات عند الأنصار، قلت الطلقات عندهم، وتبعاً لذلك تقرر  مشاغلة العدو والإنسحاب بصورة منظمة بإتجاه قرداغ.

في كرميان العدو يًوّزع النار في كل مكان ويفتح جبهات جديدة، أهل القرى يفضلون الموت ولا يتركون قراهم التي تحمل تاريخهم وجغرافيتهم، الام تركب تراكتور لتنجو وبعد ساعات تعود وتسأل عن طفلها الرضيع ولا تجده لان رجل آخر شهم حمله لكي يذهبان معاً في طريق النجاة،  الشباب يحاولون إنقاذ الامهات والآباء والشيوخ، الآباء يسألون عن أبنائهم وبناتهم، كل واحد ذهب بإتجاه، وبين هذا وذاك تاهت الحياة، انّه يوم القيامة.

في منتصف آذار 1988 نحن من جديد في مقرنا في قوبى قه ره داغ مرة أخرى،  زاد عدد ضيوفنا من الاتحاد الوطني الكوردستاني والحزب الديموقراطي الكوردستاني ومعهم الاخوة  أعضاء اللجنة المركزية آزاد قره داغي وأكبر حيدر، وقلنا للجميع كلوا وخذوا ماتريدون، كل شيء متوفر عدا الخبز، الطحين موجود بكثرة ولكن أين الخباز؟، إستفاد رفاقنا وضيوفنا من المواد التموينية التي نقلناها من مقراتنا إلى قوبى قره داغ قبل بدأ عمليات الأنفال في المنطقة.

في إجتماع الكادر الحزبي والقيادات تقرر: إبقاء مفارز صغيرة في المنطقة على النحو التالي:

الرفاق: جوهر المسؤول العسكري في قاطع السليمانية وكركوك، جوتيار،علي بوره سويبة، مجيد دوكاني وآخرين.

المفرزة الثانية: الرفاق: بايز سيد باقي، حسين رحيم (هزار) وعبدالرحمن فرج سور (لاله) وعه تا حمه صالح (دلشاد).

كما تقرر توزيع الرفاق إلى (3) مجموعات، كل مجموعة مع مجموعة من الاتحاد الوطني الكوردستاني والحزب الديموقراطي الكوردستاني.

مجموعة القاطع – هي المجموعة الاولى في رطل يقوده الأخ الشيخ جعفر (وزير البيشمةركة) حالياً، كان الرفاق الجرحى معنا.

تحركت قوتنا بإتجاه قرية (قازان قايه) مكان التجمع حسب الإتفاق، وصلنا في الساعة المحددة ووصل الاتحاد الوطني الكوردستاني، ولم يصل كاك آزاد وقوته من الحزب الديموقراطي الكوردستاني، وانتظرنا ساعة واحدة ولكن بدون جدوى، وتقرر الذهاب بدونهم، وعند ساعات الفجر وصلنا إلى قرية ميولي، وتقرر توزيع القوة وتقليل الحركة وأخذ الحذر والحيطة من العدو، وعند ساعة الظهيرة شعر رفاقنا من بتاليون /7 هه ورامان بوحود حركة وقدوم شخصين وأستطاعوا أسر احدهم، وبعد التحقيق معه ظهر بأنه جحش أرسله القائد العسكري مع مرتزق آخر للإستطلاع، وقص هذا المرتزق الأسير بأن العسكر ودبابات النظام أحكموا السيطرة على طريق السليمانية – كركوك بالقرب من ناحية (ته ينال) – بازيان حالياً، وعلى هذا الاساس تم تغيير مسار القوة إلى قرية (ته نكي سه ر) وعند الغروب دخلنا القرية الخالية وبحثنا عن الخبز ولكن لم نحصل عليه، وتحركنا إلى خلف القرية، وتقرر وقوف القوة، ولاقينا نحن صعوبة كبيرة وكما قلنا أن الجرحى كانوا معنا وكل واحد يركب على بغل أو دابة، وكان بمقدورنا السيطرة على رفاقنا من عدم الحركة، امّا مع الحيوان كيف؟؟!!، وطلب منا رفاق في الإتحاد الوطني الكوردستاني ترك رفاقنا الجرحى وقلنا لهم لا يمكننا تركهم أبداً وعلى سبيل المثال معنا رفيق آمر فوج من ضمن الجرحى، كيف لنا تركه!!.

في ساعات الصباح أحرق العدو قرية (كاني زه ل) أمام أعيننا في الأسفل، كما قام عدد آخر منهم  بالتموضع في ربية جديدة فوق الجبل، وصرنا نحن بين الأثنين، وقد مر اليوم بسلام، وعند العصر تحركنا بإتجاه مجمع أللايى (حاليا سيطرة السليمانية – كركوك) وقد دخلنا المجمع والحق يُقال أن الجحوش باتوا يعرفون ان العدو اتخذ قرارا بمحو الشعب الكوردستاني ساعدونا ولم يعترضوا طريقنا. ووصلنا قرية (كه وره دي) بالقرب من جمي ريزان واشترينا خروفين من المواطنين الباقين في القرية وتم الذبح وأخذنا قسطاً من الراحة.

في اليوم الثاني إتجهنا إلى قرية عسكر ومن ثم ذهبنا إلى جنارة وعقد إجتماع وصدرت قرارات بتوزيع القوة وكيفية سيرها، وذهبت مجموعتنا إلى قرية كوبتبة (گۆپته‌په‌) ومنها الى قرية خبر، وبعد ليلة وصلنا إلى رفاقنا في دةشتى كوية، وأخذنا قسطاً من الراحة وعاودنا المسير إلى أن وصلنا في ساعة متأخرة من الليل إلى رفاقنا في سماقولي حيث مقر البتاليون /31 آذار التابع لقاطع أربيل.

في الصباح الباكر سمعنا بأن العدو ضرب قرية كوبته بة وده شت كوية بالسلاح الكيمياوي وعلى أثرالضربة إستشهد عدد من المواطنين وبيشمه ركة الاتحاد الوطني الكوردستاني، وراودنا الخوف من رفاقنا في البتاليون /7 هه ورامان وأنقطعت أخبارهم عنا، وبعد مدة سمعنا بأنهم عادوا إلى كرميان ليعيشوا حياة صعبة جداً كلها مخاطر ولهم قصة خاصة.

بعد يومين من الاستراحة في سماقولي ذهب بمعية الرفيق مسؤول قاطع السليمانية – كركوك رفاقنا الجرحى مع مفرزة خاصة متجهين صوب مقرنا الدائم في دوله كوكا، وحاولنا نحن الذين بقينا وبمساعدة رفاق بتاليون / 31 آذار فتح مقر عند جبل آوه كرد (ئاوه‌گرد) وحددنا المكان ونصبنا الخيم نهارا لنرى في الليل على الجبل المقابل لنا بإتجاه كوية تحركات عسكرية، وفي الصباح علمنا بأن العدو يفتح جبهة جديدة من ضمن خطة عمليات الأنفال القذرة وبعد دراسة وضعنا قررنا ترك المنطقة وبمساعدة دليل من رفاقنا في البتاليون / 31 آذار ذهبنا إلى الاسفل من جبل كاروخ ونمنا ليلة واحدة وفي اليوم الثاني وسط أنباء عن تحشدات عسكرية إستطعنا الوصول إلى ليزوي (لێژوێ) ومنها إلى بشتاشان، وبعد البقاء ليلة واحدة واصلنا المسير إلى أن وصلنا مقر رفاقنا في منطقة رزكة، وبقينا عدة أيام للإستراحة، وبعدها توجهنا إلى دولى كوكا حيث مقر حزبنا.

الغاية من عمليات الأنفال القذرة التي نفذّها البعثيون الفاشست بقيادة الطاغية المجرم صدام حسين وخادمه الذليل المجرم علي حسن المجيد الكيمياوي وقواد جيشه الجبناء على عدة مراحل كانت إحكام السيطرة والطوق التام على كل القرى والقصبات والمدن ومحاصرتها وإعتقال السكان بصورة جماعية وأسرهم وسوقهم كالعبيد ونقلهم بسيارات عسكرية إلى أماكن مجهولة، ونهب ثرواتهم وأموالهم إلى حد ساعاتهم اليدوية ، وتفجير بيوتهم وقراهم ومدنهم بما فيها من مدارس ومساجد وكنائس وتسويتها مع الارض.

في أواخر شهر (شباط – 1988) بدأ الهجوم الوحشي الشرس في المرحلة الأولى لعمليات الأنفال القذرة، أي جريمة الإبادة الجماعية (الجينوسايد) ضد الشعب الكردستاني الأعزل، بغية إبادة الكورد والكلدانيين السريانيين الآشوريين والتركمان وأبناء كوردستان وتطهيرهم وإذابتهم ومحوهم مع تاريخهم وجغرافيتهم وما يملكون، بدأ الهجوم على مقرات الإتحاد الوطني الكوردستاني، وكانت تلك العمليات السيئة الصيت بقيادة اللواء سلطان هاشم احمد قائد الفيلق الأول اثناء عمليات الاباده - ضد الكورد والتي ذهب ضحيتها تدمير أكثر من (4500) قريه - وقتل اكثر من  (182.000) إنسان بريء ودفن العديد منهم احياءا -, واستخدام الاسلحه الكيماويه والقوه المفرطه ضد الاهالي العزل . وكان يصدر الاوامر بالقتل والاعدام والتهجير والسلب لضباطه وقادة الويته في كردستان اوعلى مدى اشهر طويله,، بل كان يتباهى ويفتخر باعماله تلك على غرار اسياده - صدام وبرزان وعلي حسن المجيد الكيمياوى - حتى انه ارسل - رساله - يهنئ سيده بالقضاء على الكورد - ويقول في رسالته التي نشرتها جريدة العراق: في20/3/1988 ابرق قائد الفيلق الأول (انذاك) اللواء سلطان هاشم أحمد الى الرئيس برقية بتاريخ ١٩/٣/١٩٨٨ ورد فيها “ أزف إليكم انتصار القطعات المشاركة في عملية الأنفال على فلول بعض عملاء ايران حيث تم بعون الله تعالى تدمير مقرات المخربين في المناطق ( سركلو , بركلو , زيوة – عوالان – قمر خان – كاني تو –هه‌ڵه‌ده‌ن – چاڵاوا – باخان – چوخماخ – یاخسه‌مه‌ر – قزله‌ر ) والمناطق والمرتفعات المحيطة بها من قبل رجالك الشجعان أبناء القادسية من القطعات العسكرية والغيارى من أبناء شعبنا الكردي المتمثلة بمنتسبي أفواج الدفاع الوطني الذين آلوا على أنفسهم إلا أن يجتثوا هذه الحثالة التي تعاونت مع الأجنبي لتدنيس أرض الوطن حيث تم قتل أعداد منهم ومطاردة الاخرين الذين لاذوا بالفرار هاربين باتجاه أسيادهم وتم الاستيلاء على أجهزة الاذاعة للعملاء وأعداد من الأسلحة والمعدات والتجهيزات والعجلات.

سيدي الرئيس القائد حفظكم الله لقد قاتل جنودكم الأبطال من منتسبي رجال المشاة والدروع والمدفعية وطيران الجيش والهندسة والصنوف الاخرى من منتسبي قيادة قوات جحفل الدفاع الوطني الأول وقيادة قوات بدر وقيادة قوات القعقاع وقيادة قوات المعتصم وبتعاون واسناد تام من قيادة الفيلق الأول البطل وقيادة الفيلق الخامس البطل وبتوجيه مباشر من السيد نائب القائد العام للقوات المسلحة والسيد رئيس أركان الجيش وأعضاء القيادة العامة للقوات المسلحة ومشاركة التنظيم الحزبي لفرع الرشيد العسكري.

وفق الله الجميع لخدمة عراقنا الحبيب بقيادتكم الفذة ونعاهدكم على الاستمرار بالطرق على رؤوس هذه الفئة الضالة حتى تعود الى صوت الحق”

وكانت المحكمة الجنائية العراقية الخاصة بمحاكمة مسؤولي النظام السابق قد اصدرت حكما بالاعدام في تشرين الاول/اكتوبر 2007 بحق وزير الدفاع الاسبق سلطان هاشم احمد بتهمة الابادة الجماعية ضد الاكراد" ولكن لحد الآن لم ينفذ الحكم.، وجميع المسؤولين يقولون بأن القضاء نزيه ولا نتدخل في شؤونه.

لقد جابه البيشمركة الأبطال الحشود العسكرية الضخمة وأسلحتها الفتاكة بمقاومة بطولية نادرة، إستبسلوا فيها، وسجلوا أروع الأمثلة في الجرأة والثبات والإقدام، إذ تمكنوا من فك الحصار الذي فرضته القوات العسكرية المهاجمة في بعض المناطق، وعرقلوا تقدم هذه القوات في مناطق أخرى، كما إستبسلوا في إنقاذ جماهير الشعب لحد ما، والدفاع عنها بالوسائل الممكنة.

انّ البيشمركة الأبطال وبمساندة أبناء وبنات الشعب الكوردستاني قدموا مرة أخرى البراهين الساطعة على عجز النظام عن تصفية هذا الشعب المكافح، وعن تصفية الحركة الأنصارية، وعن قتل الروح المعنوية للمقاتلين الشجعان، وثقتهم العالية بعدالة قضيتهم التي يناضلون من أجلها، قضية الديموقراطية للشعب العراقي، والحقوق القومية العادلة والمشروعة للشعب الكوردي في العراق.

لقد زجّ النظام الدكتاتوري في عمليات الأنفال القذرة ثلاثة فيالق مدججة بمختلف أنواع الأسلحة الحديثة وفي مقدمتها الاسلحة الكيمياوية التي تركت تأثيرها المادي والنفسي على جماهير القرى وقوى الأنصار، وساندتها عشرات الألوف من قوات الأفواج الخفيفة، وأعداد كبيرة من الهليكوبترات والسمتيات وطائرات البيلاتوز وفي بعض الأحيان المقاتلات.

واليوم وفي الذكرى (24) لجريمة الجينوسايد وعمليات الأنفال السيئة الصيت ينبغي إعادة الإعتبار الكامل لجميع ضحايا الإرهاب والتعويض عن الأضرار التي لحقت بهم وبعوائلهم من جراء العسف غير القانوني، وتأمين عودة جميع الفلاحين والمواطنين الكورد إلى قراهم ومزارعهم بعد بناء بيوتهم من جديد، والتعويض عن خسائرهم وتمكينهم من إستثمار أراضيهم ورفع حقول الألغام.

الإشارات والهوامش:

* جوهر الاسم الحركي للرفيق {رؤوف حاجي محمد كولاني} المسؤول العسكري لقاطع السليمانية – كركوك. في معركة غير متكافئة مع العدو وبعد نفاذ الطلقات تم اسره ومن ثم إعدامه.

** منطقة البرج: على طريق السليمانية قضاء قره داغ وفي نقطة عالية يوجد برج مرتفع مع ربايا عسكرية للنظام الشوفيني.

*** بارام هه ورامي وشوان حمه قتو: نصيران بطلان إلتحقا قبل أشهر بالأنصار، وشوان هو إبن المطرب الشعبي الكوردي حمه قتو، الإنسان الكادح وصديق حزبنا الشيوعي العراقي.

**** صلاح حسن {ماموستا خالد} كادر حزبي معروف، عضو مكتب محلية السليمانية، أرسله الحزب للسهر على التنظيمات الحزبية، عند عودته إلى مدينة السليمانية إختفى فجأةً، ولم يُعرف عنهُ شيئاً.

 

13/4/2012
 

 

 





 

free web counter