| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. أحمد الشيخ أحمد ربيعة

 

 

 

الأحد 26/7/ 2009



هل سيتحول الشيوعي العراقي الى حزب انتخابي؟

د. احمد الشيخ احمد ربيعة

خرج الشيوعيون العراقيون في انتخابات مجالس المحافظات بنتائج تسر العدو ولا تفرح الصديق. وبالتأكيد يضع هذا الامر الشيوعيون العراقيون وكل القوى الحريصة على مستقبل اليسار امام مسؤولية البحث الجاد والصادق في هذا الامر. وقد كتب عن هذا الامر العديد من الكتابات الجادة والحريصة وهنا سأسعى قدر الامكان بالابتعاد عن تكرار ما سبق ان ورد.

واجه الحزب الشيوعي وقيادته بعد انهيار النظام الساقط، مهمة بناء الحزب من جديد داخل العراق وحقق الشيوعيون وبجهود جبارة خطوات جادة وكبيرة في هذا المجال، وابرز انعكاسات ذلك تحولهم الى جزء او ظاهرة طبيعة في الحياة اليوميه للمجتمع العراقي. وبهذا اكدوا ومن جديد انهم قوة ناشطة ونابضة بالحياة والنشاط، وهذا ما يعزز الامل بقدرة الشيوعيين وفعاليتهم بتجاوز نواقصهم واخطائهم.

رفع الشيوعيون ارتباطاً بتطورات الوضع الجديد، شعار تحويل الحزب الشيوعي الى حزب انتخابي وكان اولى الطروحات في هذا الصدد هي لسكرتير الحزب منذ ايام مجلس الحكم وفي لقاءاته الداخليه ولم يحظي هذا الامر باي دراسة جادة داخل الحزب وجاءت العودة موخراً له في اجتماع اللجنة المركزية الاخير، فهل يستطيع الشيوعي العراقي ان يتحول الى حزب انتخابي ؟ وهل صيغت تكتيكات مناسبة على كافة المستويات السياسية والتنظيمية والاعلاميه وغيرها لتحقيق ذلك؟ وهل وعى ويعي الشيوعيون حقيقة هذه الاسئلة؟

قبل مناقشة هذا الامر، اود الاشارة لبعض الملاحظات والانطباعات التي تكونت لي خلال زيارتي للعراق عشية الانتخابات. او رصد ما حدث بعد الانتخابات لاحقا:

* كان هناك رأي واسع وشبه عام يعكس سقوط هيبة الاسلام السياسي بوجهه الشيعي والسني وسقوط مشروعه السياسي . وهناك انفتاح باتجاه القوي المدنية وبدرجه واضحة باتجاه الشيوعيين يضاف لتأييد واسع للمالكي باعتباره حقق الامن، هذا الامر الذي كان في واقع الحال يمس مفردات حياة اي عراقي، اضافة لشعبية ملموسة لاياد علاوي والتي تحققت في ادارته الزيادات المعروفة في الرواتب. ان القاعدة الاجتماعية التي جاءت بالاسلام السياسي للحكم تعرضت لهزة قوية وبدا الوجه الكالح لنظام المحاصصة واسلمة المجتمع وطريقة ادارة الدولة وقضايا الفساد والارتباطات الخارجية وغيرها واضح للعيان. ولكن بنفس الوقت كانت القوى التي هي خارج اطار هذا المشروع ومنهم الشيوعيين غير مؤهلين وقاصرين ان يعكسوا او يثبتوا كونهم بديل للمشروع الاسلامي الطائفي ولم يكونوا مؤهلين تنظيمياً وسياسياً واعلامياً وحتى نفسياً لاخذ زمام المبادرة او جزء منها.

* يلاحظ ان قطاعات واسعة من الجماهير (تعبد) الدولة ان صح التعبير وهذه السيكولوجية هي احدى موروثات الحصار السابق والذي استمر لمدة 13 سنة تحولت فيه الدولة ومن خلال الحصة التموينية كما هو معروف الى الراعي الكامل للمجتمع والتي تتحكم بمصائره، والذي تعلم ان يعتاش عليها. هذه الكتلة البشريه هي التي لعبت دورا مهما ان لم يكن حاسم في تقرير مصائر الانتخابات، فهذه الكتلة الباحثة عن راعيها الاكبر والذي لم يعد موجوداً كما في السابق وجدته في شرطة وجيش حكومة المالكي ونقاط التفتيش داخل وخارج المدن و التي كانت توفر الامن للمواطنين وعلى طول اليوم.

* من جانب اخر فان نتائج الانتخابات لم تعكس تغير كبير في التوزان كما هو معروف وبدا توزيع جديد داخل المكون الواحد ورغم سيطرة الدعوة وحلفائه على مناصب المحافظين او رئاسة مجالس المحافظات ورغم ان المالكي زج باكثر كفاءات حزبه في هذا الميدان، الا انه هناك الكثير من الشكوك على قدراتهم باجراء تغيير جاد في ادارة الحكومات المحلية، وهذا ما ستظهره الايام، فلقد ترسخ نظام المحاصصة وبالذات الحزبية في معظم مفاصل الدولة وبالذات في المحافظات، وبالتالي فان استبدالات المواقع بالمنتصرين الجدد لن يتم بيسر وشفافية. اضافة للفساد المستشري وسيطرة البعثيون وليس المستبعثين على هذه المفاصل، ولسعة نفوذ وسيطرة هؤلاء تستغرب احيانا من يؤهل من، هل ان الاسلاميين يؤهلون البعثيين ام ان العكس صحيح ؟

* لكي يحصل الفائزون الجدد على مصداقية الناس فهم بحاجة الى مشروع وطني حقيقي وحتى لو سعوا ان يحققوا جزء من مشروعهم فهم بحاجة الى مشاركة القوى والعناصر الوطنية والديمقراطية وكل الشرفاء والمخلصين لتحقيق ذلك. ولكن الفائزين لم يستوعبوا بعد ان يكون لهم مشاركين حقيقيين من هذه القوى، هم يبحثون عن مستخدمين او منفدين.

* كانت مشاركة (المستقلون) شكل من اشكال ادارة الصراع في الانتخابات وبالذات تشتيت الاصوات ، فالكثير منهم لم يرشح نفسه الا بعد ان ضمن لنفسه غطاء من احد الاحزاب المتنفذة. ذكر لي احد الموثقين من المرشحين انه لم يقدم على ترشيح نفسه الا بعد ان حصل على ضوء اخضر من مكتب السيستاني وغير ذلك لم يكن يجرئ ان يقدم على ذلك. ومعروف ان عدد غير قليل منهم قد عقد اتفاقات غير معلنة حول تحركهم اللاحق في حالة الفوز.

وادركت القوى المتنفذة مسبقا ان الامر في صالحها حيث ان الاصوات المتبقة للذين لم يفوزوا سوف يتم توزيعها على الكيانات الحاصلة على اعلى الاصوات.

* من الصعب ان توصف الانتخابات بأنها اخذت طابع وطني، فلقد لعبت الجوانب الطائفية والقومية دورا كبيرا ان لم يكن اساسيا. فالمالكي يمثل اتجاها ليس دينيا فقط وانما مذهبيا، ولم نرى من الفائزين من طائفة معينة قد فاز في مناطق لطائفة اخرى في مناطق اخرى او ان احداً من المسيحيين او الصابئة فاز في مناطق الاخرين. اضفاء الطابع الوطني على الانتخابات فيه قدر غير قليل من الطموح والتفاؤل اكثر من الواقع. واقع الحال ان مشروع الاسلام السياسى ارتدى ثوب اخر ولكن مفرداته الاساسية باقية. يظهر ان الصراع من اجل السلطة اكسب بعض هذه القوى درجة من المرونة والتكيف واخذت تستجيب بهذا القدر او ذاك لآلية الانتخابات وكيفية كسب الاصوات. وهذه احدى المؤشرات البارزة لتحولها لاحزاب انتخابية.

ماهو الحزب الانتخابي:
بتقديري هو الحزب او القائمة التي تستطيع ان تحصل على عدد من المقاعد في البرلمان والتي تؤهلها لكي يكون صوتها مسموع ومؤثر على القرارات او الاجراءات التي يتخذها البرلمان او يؤثر في الحكومات سواء في المشاركة فيها والحصول على مواقع هامة او مؤثرة او في دعم الحكومات المشكلة او في رفضها او اسقاطها وخاصة في فترة الازمات ( هنا تلعب الاحزاب ذات الاعضاء القليلين في البرلمان دورا خاصا وقد توفرت فرصة كهذه امام النائبان الشيوعيان اثناء التصويت على قانون تشكيل الاقاليم). والحزب الانتخابي هو الحزب الذي تحسب القوى الاخرى سواء الصديقة او المعارضة له داخل البرلمان وحتى احيانا خارج البرلمان حسابه عند صياغة برامجها او سياستها الانتخابية قبل الانتخابات او بعدها. والحزب الانتخابي او الكتلة الانتخابية هي نتاج تاريخ وعمل وسياسة وبرنامج متواصل وواضح ولكن هذا لا يعفي من ظهور كتلة او مجموعة انتخابية يقف على رأسها شخصية كارزمية عالية تستطيع ان تحصد نتائج عالية في فترة معينه وعموما هذه المجموعة كما تشير الكثير من التجارب تعاني لاحقا من تفتتها. والحزب او الكتلة الانتخابية هي التي تستطيع ان تصون وحدتها وتماسكها داخل البرلمان وخاصة في المنعطفات وهي التي تستطيع ان يتواصل نوابها مع عموم الجماهير ويحضى موقفه او مواقفها وبالذات داخل البرلمان باهتمام الجماهير من مختلف الطبقات والفئات سواء من المؤيدين او المعارضين له. اي بمعنى ان الجماهير تعي وكذلك القوى الاخرى ان لهذا الحزب او الكتلة موقع مؤثر ليس في الدعم فقط او انما في المعارضة اي انه يستطيع ان يصل صوتها وبأعلى نبرة في البرلمان وضد ممارسات واجراءات الحكومة (حسب تصوره) التي لا تتفق مع مصالح عموم المواطنين ومستقبلهم حتى لو كان في بعض الاحيان عدد نوابه قليلين. والحزب الانتخابي هو الذي لديه مواصفات محددة خاصة به في كيفية ترشيح مندوبيه وكيفية اعدادهم وغيرها مما يتطلبه النضال البرلماني قبل او بعد فوزهم في الانتخابات، كذلك كيفية اعداد وتأهيل قواه وانصاره في الحملة الانتخابية وله مؤسساته وجهازه الخاص الثابت والذي يجري تطويره باستمرار لهذا الاعداد او الغرض. وعموما فان رئيس القائمة او الحزب او الشخصيات الثلاث الاولى في القائمة او الحزب هي التي تلعب الدور الاساسي في ان يكون صوته مسموعاً حتى لو كانوا خارج البرلمان.

لقد زكت الحياة توجه الشيوعي العراقي للمساهمة في العملية السياسية، وظل الشيوعي العراقي ينتقد نظام المحاصصة وشارك في تشكلتين حكومتين، ولكن المعضلة الاساسية في مواقف الحزب تكمن بتقديري ، انه رغم الانتقاد لنظام المحاصصة، الا ان الحزب ظل يبحث او ابدى استعداده للمشاركة بدور هامشي في هذا النظام. ورغم تبني الحزب لموقفه بدعم الايجابيات للحكومة وانتقاد السلبيات (هذه السياسية التي التزم الشيوعي بها منذ تموز 1958 ولحد الان في تحالفاته المختلفه والتي لم يجيد ناصيتها لحد الان)، الا ان خطابه والذي هو انعكاسا لسياسته، بقي عام وهلامي اتجاه الاخطاء والنواقص ويمكن تلمس هذا في بياناته التي صدرت وتصريحات قيادته، فاذا تم التطرق لسلبية معينة فلا بد ان تتقدمها جنجلوتية من تقييم الايجابيات، وحتى اللقاءات مع المالكي او رئيس الجمهوريه او غيره من القوى المتنفذة لا يعلن عما دار فيها وما هو موقف الحزب واحيانا يظل القارئ يبحث بين السطور ليفك الطلاسم والتكرار، لقد مارس الحزب نقده من خلف الكواليس او ان الانتقاد العلني كان في معظمه بصورة التعميم، طبعا سياسة كهذه، سبق ان اتبعها الشيوعيون في تحالفات سابقة ودفع الحزب ثمنها غاليا ويمكن الرجوع الى وثائق المؤتمر الرابع وكم كتب من ادانه في تلك الفترة لسلوك سياسي كهذا. ويلاحظ ان قيادة الحزب الشيوعي هي اكثر القيادات التي تلتقي مع جماهير الجاليات العراقية في الخارج، وهو امر رائع، لكن الملاحظ انه مع مرور السنوات كان الحضور يتقلص يوما بعد اخر، فالمحاضر ومع الاسف يستمر بالحديث لمدة الساعة ولكن في واقع الامر لا يعدو حديثه الا اعادة لاخبار الانترنيت، كان الخطاب حذرا، دفاعيا وتبريريا، بحث الحزب في خطابه المقيد ما لا يستفز القوى المنتفذة (يجري تكرار ولمرات عديدة من قيادات الحزب الاساسية وبأعتزاز بان خطابنا هادئ ومتزن ومقبول من كل الاطراف. والتساؤل لماذا يجب ان يكون مقبول من كل الاطراف) بل ان المشكلة عوّدوها ان لا تقبل بغير ذلك وتهاون في خطابه الذي هو اساسا موجه للناس و لم تتلمس الجماهير وحتى جماهيره مواقفه المستقلة بدون شكوك، وفي خطابه وجوانب عديدة من سياسته لم تجد الناس فيها بديلا صلبا في مواجهه الوضع القائم، وحتى ممثلي الشيوعيين في مجالس المحافظات السابقة لم تكن لهم مواقف واضحه معلنة ولم نسمع يوما شئ عن نشاطهم او مواقفهم. كانوا شهود صامتين على ما جرى من سرقة وفساد وقتل وتهجير وغيرها. كانوا اقرب الى الصوفيين في نشاطهم في هذه المجالس من كونهم مناضلين سياسيين اوصلتهم اصوات الناخبين الى هذه المجالس. لقد قالت الجماهير موقفها بعدم التصوت لقوائم الحزب وهذا درس تاريخي من الضروري قراءته بشكل صحيح ودقيق. فالتاريخ لا يرحم من لا يجيد قراءته بصورة صحيحة. هذا لا يعفي عن نشاط غير مشرف وغير نزيه للمفوضية وممثليها في المحافظات والتي تواردت معلومات من مصادر متنوعة عنه.

لقد خضعت التركيبة الجديدة للمفوضية العليا للانتخابات لنظام المحاصصة واخطأ الشيوعيون حين صوتوا الى جانبها، عدم التصويت من قبلهم لم يكن ليمنع تمرير الامر، ولكن كان يعكس موقفهم اتجاه المجريات القادمة للانتخابات. وطبعا هذا الامر ينسحب على الكثير من المواقف منها الموقف اتجاه اخطاء الائتلاف الكردستاني والتدخل الايراني وقضية الفدراليه وغيرها. يبقى من الضروري ان يبحث الحزب عن ضمانات جادة حول نزاهة الانتخابات وهذا امر اساسي وحساس والا ما فائدة ان تصوّت الناس لقوائم يتحكم فيها التزوير دورا غير قليل. مثالا في الانتخابات الاولى للمجالس اصدر المكتب السياسي بيان حول الانتخابات اشاد بشكل غير طبيعي في معظم ما حدث وجاءت الملموسات بعد ايام لتتحدث عن التزوير وغيرها ليضع هذا الامر البيان في موقف محرج. ويعيد سكرتير الحزب نفس الموقف في تصريحاته المستعجلة وغير الدقيقة بعد الانتخابات مباشرة ويمر هذا الامر دون انتقاد او ايضاح ، ثم بعد ذلك تسمع نغمة اخرى في الدفاع عن الاصوات التي صوّتت لنا. يلاحظ في نفس الوقت تصريح وموقف اياد علاوي الواضح والذي منبعه انه يضع السلطة امام عينه وذلك بالمطالبة بضمانات جادة في ضمان نزاهة الانتخابات.

ما لاحظته خلال زيارتي للعراق قبيل الانتخابات، تخوف العديد من المواطنين ورفاق واصدقاء الحزب السابقين وغيرهم من الوطنيين وبالذات الذين هم في مواقع ادارية في الدولة او خارجها، هي سياسة كشف المكشوف وليس المستور التي تتبعها تنظيمات الحزب وخاصة قيادات المنظمات وقياديي مفاصلها الاساسية باعتباره حزب انتخابي، قسم كبير من هؤلاء يتحدث عن مخاطر هذا الامر الذي يبدو انه كما يشير البعض عامل تخوف في تقديم الدعم الجاد او الارتباط بالشيوعيين، ويعيد الى الاذهان حملة البعث ضد الشيوعيين في نهاية السبعنيات. وقسم يرى في هذا الامر ضعف جدية الشيوعيين  في مواجهة التطورات القادمة او الضغوط التي سيتعرضون اليها ويرى في سياسة كهذه كمن يحلق رقبته للمقصلة واذا يبدو للبعض ان هذا الامر والتخوف غير مبرر بشكل كافي ولكن من جانب اخر فان وجهة نظر كهذه تتردد باستمرار هي جديرة بالدراسة الجادة. لا احد يختلف حول اهمية علنية الحزب وعلنية جزء من تنظيماته ولكنه ليس كشف المكشوف. ولا يستغرب ان تجد ان القوى التنظيمية في المناطق كأعداد وكأشخاص معروفة على مستوى الشارع. ان الحزب بحاجة الى اعادة تقييم  سياسته التنظيمية او التفكير بسياسة تنظيمية جديدة وهذا ما يجري الحديث عنه الان بما فيها التفكير باشكال جديدة للعضوية ولكن هذا الامر غير كافي فمن الضروري تحديد الفلسفة او الاستراتيجية التي تقف وراء هذا الامر، من الضروري ان تشعر الجماهير التي ترتبط بالحزب سواء من قريب او بعيد بتوفر الحماية وخاصة في حالة ارتداد الوضع او تاْزمه، لقد فرض الحزب بعد 2004 علنيته في الشارع ولكن هل من المفروض ان يفرض علنية تنظيمه في الشارع ؟ ويبدو ان الحاجة ما زالت قائمة لجزء غير قليل من الصلات والتنظيمات غير المكشوفة. الى جانب هذا، من الضروري ان يحظى بالاهتمام النضال ضد البيرقراطية والمكتبيه في العمل الحزبي بدرجة اكبر، وتحديد وسائل للنضال الملموس ضد هذه البيرقراطية والمكتبية المترافقة في معظم الاحيان مع علنية وسعة نشاط الحزب، يذكر لي احد مندوبي المؤتمر الثامن ان عدد غير قليل من المندوبين حين كان يقدم نفسه للتعارف مع الاخيرين في فترات الاستراحات، يرفق صفته الحزبية مع اسمه وهذا ظاهرة غريبة عن الشيوعيين .

والى جانب هذا تحتل مكانة خاصة اهمية تطوير الصراع الفكري والسياسي داخل عمل الحزب بما يخدم تطوره، وصياغة الاسس السليمة للنضال ضد الممارسات والميول اليمينية، هناك صراع فكري غير ملموس لحد الان وبشكل واضح داخل الحزب حول ماهية الحزب الشيوعي العراقي وآفاق تطوره يمكن تلمسه بين ثنايا بعض الكتابات والطروحات. ويتصور البعض ان الحزب تخلى عن الاساليب الثورية في النضال او تخلى عن التفكير بالسلطة او ان الهدف من الدخول في الانتخابات كان الغرض الاساسي منه هو تقوية الصلات مع الجماهير وليس كسب المقاعد ( هنا يمكن التساؤل : هل يوجد حزب سياسي يحترم نفسه لا يسعى للنضال من اجل السلطة والتي هي العتلة الاساسية لتحقيق برنامجه ، ومن ينزع الثوريه عن الطريق السلمي لاستلام السلطة) اضافة لعديد من الطروحات التي تلامس اعادة الحياة لدمقرطة الحزب واشكال بناءه وطبيعة عضويته وتحالفاته وغيرها. ويمكن ملاحظة سعة انتشار احدى وجهات النظر قبل خوض الانتخابات الاخيرة والتي ترى في الغرض منها هو الحصول على بعض المقاعد لاثبات الوجود ولان المرحلة الراهنة لا تسمح بان يحصل الشيوعيون على عدد مناسب من المقاعد التي ستسبب في توجيه ضربة لهم.

لم يجد الكثير من الناس في الحزب صوتهم او صداه، الكثير من الناس ترى ان النضال في صفوفه هو مشروع مغامرة، وان لم تكن وجهه نظر كهذه جديدة، وترى في الحد الادنى بان دماء ونضال الشيوعيين كانت تذهب هباء في بحر وساهمت مواقفنا بشكل او اخر في صياغة وجهة نظر كهذه. فالحزب لم يرفع صوته عمليا ضد من اجرم بحقه من حثالات الانظمة السابقة وكل ما يطرح هو ذو جوانب اعلامية وهناك انطباع سلبي بين الناس ، حيث ترى تهاون في مطالبة الحزب في محاسبه او اعادة تأهيل مجرمين بحقه او حق الشعب العراقي وبعض من هذه الامثله منها مطالبة الحزب في بيان (ضحايا شباط الاسود من ينصفهم ومتى) ولكن الحزب صمت امام تعيين احد ابشع مجرمي 8 شباط واحد قتلة سلام عادل في منصب سفير العراق وممثله لحقوق الانسان في مكتب الامم المتحدة في جنيف (بهاء الشبيب) في فترة رئاسة علاوي والغريب ان رد احد اعضاء المكتب السياسي في ندوة عامة ان امر كهذا يعالج خلف الكواليس. ومثالا اخر على هذا الامر هو البصرة، جرى اعادة احمد الخفاجي قبل فترة الى الخدمة في شرطة الحدود وبرتبة اعلى، وهو نائب مدير امن البصرة في الهجمه الوحشية ضد الشيوعيين  وكل القوى الديمقراطية والاسلامية في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات من القرن الماضي، وهو جلاد ومجرم معروف في المدينة ويده ملطخة بدماء المئات ام لم يكن الالاف من الشهداء و الضحايا الذين اعتقلوا او تعرضوا الى التعذيب والاسقاط السياسي، اقل ما يشبه هذا المجرم كونه كان ظل المجرم ناظم كزار وخليفته في المدينة، مر هذا الامر بهدوء دون ان يبادر الشيوعيون الى فضح هذا الامر وادانته بجدية وتجميع الضحايا وعوائلهم ضد هذا الامر للمطالبة بمحاكمة هذا المجرم. وما دام الحديث عن البصرة فلا بد من الاشارة الى بعض الامور المتعلقة في الانتخابات والتي دخلها الشيوعيون الذين كانوا كما لمست يحظون بتعاطف واسع في المدينه، بقائمة التيار الوطني واختاروا صورة الغزالة كلوغو او شعار لقائمتهم وفي فترة التحضير وفي البداية اختاروا طير الهدد كشعار، ولا اعرف ما يربط اهالي البصرة بالغزالة كشعار للقائمة، هل ان البصرة كمدينة خربة محاطة بالغابات والبساتين حيث يمرح ويسرح فيها الغزال المهدد وجوده بنظام المحاصصة والفساد، كان الاحرى بهم استخدام المكنسة او اي شعار اخر يدلل على عزمهم لكنس الفساد وبناء المدينة. كذلك دخل الشيوعيون في مفاوضات من اجل التحالف مع بعض الاطراف المتنفذة في المدينة ومنهم الطائفة الشيخية ويطلقون على انفسهم كعشيرة باولاد عامر رغم ان المركز الديني لشيخ الطائقة السيد علي الموسوي هو الاساس وليس الجانب العشائري، والتي يقدر عددها ب 250 الف شخص في المدينه وتحظى هذه الطائفة بنفوذ وسمعة طيبة في معظم اوساط المدينة، ولم يتوصل شيوعيو المدينة الى نتيجه مع شيخ اولاد عامر السيد عامر الفائز، وحقيقة الامر ان هذا الرجل له ارتباط باحد الاحزاب الاسلامية وسبق ان تعرض للاعتقال بتهمة كهذه في سنوات سابقة، واذا فشلت هذه المحاولة الطيبه، فلماذا لم يلجأ الشيوعيون الى دعم ترشيح قائمه تمثلهم مع الاوساط الديمقراطية في هذه الطائفة خاصة ان بعض الشيوعيين  المعروفين واصدقائهم وعدد من الوجوه الديمقراطية هم من هذه الطائفة ومن عوائلها المعروفة ويحظون بسمعة طيبة في اوساطها علما ان الاسلاميين لا يملكون تاريخا ونفوذاً في هذه الطائفة، الشيوعيون هم الذين كانوا نشطاء تاريخيا في هذه الطائفة. من هذه التدابير غير العملية يمكن ان نجد العديد من الامثلة التي سمعنا بها او نشر بعضها. هذا بتقديري يتطلب التفكير بآلية علاقة المركز بالاطراف في المحافظات. تحديد ان المحليات هي التي تكون مسؤولة عن الانتخابات لم تحصد نتيجة، ولكن هذه الالية بتقديري ليست فاشلة ولكنها بحاجة الى تطوير بتزاوجها بدور ونشاط المركز والبحث عن آلية جديدة بهذا الصدد.

ان نتائج الانتخابات لم تغلق الطريق امام الحزب وانما فتحت آفاق جديدة للنضال. والكثير من المؤشرات تشير الى الفائز الجديد لا يخلتف كثيرا عن القديم، والجماهير بروحها العفوية وبصعوبات حياتها اليومية ستدرك هشاشة مشروع الفائزين. هذه الافاق التي تفتح امام الحزب الشيوعي وعموم القوى الديمقراطية، لا تجيّر لصالحها بشكل اتوماتكي بل بالنضال من اجل ذلك. ولاجل ان يكون هذا النضال مثمر وفعال لابد ان يعيد الحزب تقييم مواقفه، الغريب اننا لا نجد في وثائق المؤتمر ولا بعدها اي نقد لاخطاء سياسية قد وقعنا فيها (قبل المؤتمر و بعد 2004 ) وكأن سياستنا منزلة.

بتقديري من الضروري ان نعرف على اي شاطئ نقف. هل نستمر في مواصلة السياسة الحالية ؟ هل نستمر في المواصلة بنفس الوتر وبمطالب ذات سقف اعلى ، مثلا لو شاركنا في الحكومة مستقبلا نشارك بوزارة فعالة لها علاقة بهموم الناس. ام نكون محور لمركز معارضة ديمقراطية من خارج الحكومة. احتمالات عديدة ولكن بتقديري ولعلني اكون خاطئاً في ذلك، ان سياسة الحزب الشيوعي الحالية تؤهله لان يلعب دورا ما في الحياة السياسية وخلف الكواليس ، ولكنها قاصرة ان لم تكن عاجزة عن تحويله لحزب انتخابي.



نيسان 2009
 

 

free web counter