| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. أحمد الشيخ أحمد ربيعة

 

 

 

 

الأحد 11/2/ 2007

 



أحداث الزركة والاسئلة المفتوحة

 

د. أحمد الشيخ أحمد ربيعة

مع كل تصريح جديد لممثلي الحكومة او بعض اطراف الائتلاف الشيعي حول احداث النجف ( الزركة) الاخيرة، كلما تسقط ورقة توت جديد عن جسد الحكومة والائتلاف ولتضعهم في موقف محرج جديد. فالتصريحات المتضاربة والمواقف المربكة ومحاولة التصدي والترهيب لكل من يحاول ان يعكس معلومات اخري عما حدث اوالمطالبة في التحقيق فيما حدث، مما يلقي شكوك كبيرة عاى رواية الحكومة ومصداقيتها، خاصة ظل في شعب اقل ما يقال عنه ما يقال عنه انه لم يعتد الثقة بحكوماته التي كانت احد الاسباب الاساسية لماساته.
لكن التخوف الحقيقي للعراقين، خاصة اولئك اللذين شهدوا صعود الديكتاتورية الى هرم اللسلطة في سبعينات القرن الماضي وما جرت الشعب والوطن لاحقا الي ويلات لا تنسى،هو ايغال السلطة في دماء العراقين دون ان اي مبرر لذلك وعدم قدرتها او رغبتها في تبريرذلك على كافة المستويات ( الاخلاقية، السياسية، القانونية..الخ)، وانما اختصرت تبرير ذلك السلوك الهمجي بشعارات قومجية ومذهبية وحضارية والوهية وغيرها من المبررات التافه التي قادتها الى مصيرها الغير مأسوف عليه. ولم تسهم فقط سياسة السلطة انذاك المتمثلة بسياسة العصا والجزرة في تكتيم افواه العراقين وتركيعهم لاحقا، وانما ساهمت به كما هومعروف، المواقف الخاطئة للقوى السياسية ومواقف قطاعات واسعة من الشعب في دعم السلطة على اساس سياسي او عقائدي او قومي اضافة لانتشار النفاق السياسي والمصلحي وغيرها من الاسباب المعروفة والتي اوصلت العراق الى ماهو عليه اليوم.

ويلاحظ ان احداث هذة المجزرة اشرت جوانب معينة وتركت الباب مفتوحا امام العديد من الاسئلة المفتوحة، ومن هذه الموشرات ما يلي :

* بعيدا عن صحة ما ينشر عن دعوة هؤلاء الضحايا او كما تسميهم الاطراف الحاكمة بالمتمردين للمهداوية أو كونهم مجرد زائرون أو مقيموا الشعائر الحسينية، الا ان الثبات والموكد انهم او أغلبهم من محبي أو اتباع اهل البيت وقد اعتاد العراقيون في شهر محرم وبالذات في الايام العشرة الاولى، ان تتصدى السلطة وان تتطلب الامر بالحديد والنار وبالذات منذ سبعينات القرن الماضي الى مقيمى هذه الشعائر. وكان اقل مايطلق على تلك السلطة كونها فاشية وطائفية وغيرها من التوصيفات التي كانت تستحقها. لكن الجديد في الامر ان المجزرة ارتكبت بايدي وتوجية من قوى اتخذت من مظلومة الشيعة من اتباع ومحبي اهل البيت، شعار تردح به ليل نهاروهذا ما يذكرني بنباح سلطة البعث وكلابها بقضية ومظلومية فلسطين في الوقت الذي لم تحصد القضية الفلسطنية من تلك السلطة وحزبها وما شابهها سوى القتل والتخريب والاضرار المتعمد بها وفقا لمصالحها السلطة الخاصة.

* التزمت مرجعية النجف وبالذات السيد السيستاني الصمت عن هذا الامرولم يصدر اي شئ سوى افتائها بدفن القتلى أو الضحايا والذي اراد البعض ان يصوره كمكرمة جديدة تعكس سماحة ورعاية المرجعية، ولكن هناك تسائل مشروع اما بحثت أو استطلعت الجهات الحكومية على مستوى الدولة او الحكومة المحلية في النجف راى او فتوى مراجع ايات الله العظام في النجف وبالذات مرجعية السيستاني، خاصة ادعاء البعض ومنهم محافظ النجف بتوفر معلومات مسبقة حول هذا الامر، قبل ان تتصدى لهذه الحركة. علما ان قوى الائتلاف الشيعي عودتنا ان تلجئ او تزج اسم السيستاني والمراجع العظام او تستفته او تستطلع راية في كل شاردة وواردة من اجل خلق غطاء ديني لسلوكها السياسى وتحقيق لولاية الفقيه الغير معلنة. صحيح اننا نلمس موقف معين لهذه المؤسسة عبر عنه الشيخ الاسدي الاستاذ في الحوزة العلمية في لقاء راديو سوا حيث اكد ان هولاء مفسدين ويجب ضربهم ضربة قاصمة. واذا كانت سماحة المرجعية ورعايتها لابناء طائفتهم وعموم المسلمين تشمل حتى دفن القتلى في هذه المجزرة، فلماذا لم تشمل هذه السماحة والرعاية هولاء الضحايا عندما كانوا احياء ولماذا لا تشمل هذه الرعاية والسماحة الجرحى والاسرى من هولاء واللذين يجري التعتيم والصمت على مصيرهم.

* لقد كان هناك قرار بتصفية هولاء بدم بارد، ولا يعرف لاي سبب اتخذ هذا القرار او من اتخذه بالتحديد وماهي الرسالة التي اردات الجهه التي اتخذت القرار ان توجها للاخرين وغيرها من الاسئلة المفتوحة. ان تاريخ الحكومة والبرلمان غير مشرف، فلم تكشف لا الحكومة ولا البرلمان عن نتائج لجان تحقيق سابقة لحوادث كلفت ابناء شعبنا العديد من الدماء منها مثلا حادثة جسر الائمة وغيرها من الحوادث. وفي واقع الحال لا يوجد اي مسعى حقيقى للتحقيق في هذا الامر، وذلك بسبب الوزن الذي يحظى به الائتلاف الشيعي داخل الحكومة وفي البرلمان. هولاء يردوننا ان نصدق الرواية الرسمية والتي هي روايتهم وان في حالة الاعتداء علي النجف والسعي الى قتل المراجع، سيودي ذلك الى السيطرة علي الوضع في العراق، وعجبي لهذه النغمة الجديدة في ان من يستطيع ان يسيطر علي النجف عسكريا فانه يستطيع ان يسيطر علي البلد، واين هي بغداد وحكومتها، وحتي لو صدقنا هذه الرواية وفرضنا ان سيطر هولاء علي النجف وعرض علي الناس ايات الله العظام في فتوي جديدة تدعو الحكومة للاستقالة وقوات الاحتلال للانسحاب، فهل كان ذلك سيحدث.
أن تدخل المرجعيات الشيعية والسنية وما دونهم من رجال الدين او زجها في مناحي الدولة والمجتمع قاد وسيقود عراقنا الى كارثة لا تقل سوءا وتدميرا عن الكارثة التي قاد المجرم صدام ونظامه العراق اليها، ان لم تكن اسوء من ذلك.

* الغريب او الاسوء ان التعامل والمطالبة بكشف الحقائق ترتبط بالمواقف السياسية والموقف الا ابالي لعدد غير قليل من الناس لما يحدث حولهم متناسين تجربة الماضي القريب. قوي الائتلاف الحاكم ومؤيدها وغيرهم وضعوا الرصاص في اذانهم كي لا يسمعوا اي شئ ( معجزة جديدة في قتل الضمائر والاحاسيس وربما تكون من علامات الظهور)، المشهداني كرئيس للبرلمان ضيع بصبيانيته السياسية السمجة فرصة النقاش في البرلمان، التوافق تعاملت مع الامربما يحرج نصفها الطائفي الاخر وليس دفاعا عن ارواح العراقيين، رئيس الجمهورية يظهر غير معني بالامر مادامت المجزرة لم تصل الى مزارع علي شيش،الاحزاب القومية الكردية فضلت عدم المشاغبة علي حلفائها الاساسيين ( الائتلاف والامريكيين) ومن ثم ان هذا الامر عراقيا وهي بالتالي غير معنية به، العراقية جاءت مطالبتها مكتومة وانيقة، جمعيات حقوق الانسان العراقية في الداخل والخارج الاسلامية والديمقراطية ومنظمات المجتمع المدني ( المستقلة) يظهرانها غير معنية بالامر.
من المخاوف الجادة المرتبطة بهذا الامر هو فيما يخص عدد الاسري والجرحي، فالبرغم من تضارب الروايات الا أن عددهم لم يقل عن 250 شخص اضافة لمقتل 250-300 شخص، ولكن العقيد عباس الجبوري قائد العملية الاساسى وفي اللقاء الذي نشرته عدة مواقع يشير الا ان عدد القتلى كان 300 شخص والاسري 9 اشخاص؟؟ اي مصير ينتظر مئات الاسرى والجرحي والذي سبق الاعلان عنه.

* شكلت هذه المجزرة اول صدام حقيقي بين الائتلاف الشيعي الموحد وقاعدته الاجتماعية. صحيح ان هذا الصدام سبق ان حدث عندما اظهرت الوقائع ان حكومة المالكي هي غير قادرة علي تحيق شعاراتها الاساسية في الامن والخدمات وغيرها من الشعارات، وصحيح انه كانت تجري تصفيات وتضيقات علي عراقين شيعة كافراد او تجمعات. الا ان احداث الزركة كانت موشرا جديد واليم لهذا الصدام، وهو مرشح ان ياخذ في الفترات القادمة اشكالا اخري واتوقع ان يكون الشكل الدموي واحد من الاشكال البارزة لهذا الصدام. وما حدث يبدد ادعات قوى الاسلام السياسي الشيعي وبالذات المجلس الاعلي حول تمثلية للوسط والجنوب الشيعى والحديث عن الشيعة باعتبارها كتلة واحدة صماء تدين بالولاء للمرجعية الرشيدة.
واذا كانوا هولاء من التكفيريين و(النواصب) وبقايا النظام ويستطعون في خاصرة النجف ان يستولوا على ارادة وعقول هذه الجمهرة الواسعة من محبي واتباع اهل البيت والمرجعية الرشيدة واستعداد هؤلاء لقتل هذه المرجعية، فعلما هذا الردح والتباكي باسم هولاء وعلى ان يكون للمرجعية دور المرشد والموجه، وراكضي الماراثون الغير منقطع ( صخم الله وجوهم في الدنيا والاخرة كما يقال) بين المنطقة الخضراء ودرابين النجف .

* لقد واصلت قوى الاسلام السياسي ومنها قوي احزاب الاسلام السياسي الشيعي وبوتائر أعلى، سياسة النظام السابق في نشر الغيبات والتجهل، بل عمقته باشكال جديدة من اشاعة فنون اللطم والضرب بالسلاسل والتطبير والزحف الذي جاءوا به من ايران وغيرها من السلوك الهمجي وفي مركز هذا الامر ثقافة القائم وشرعية وجوده وعلامات ظهوره وان لا يذكر اسمه الا ويضع البعض في حركة بهلوانية يده علي راسه، واستبدلت الشوارب التي كانت في ايام البعث على شكل ثمانية الى عدد من المحابس الفضية والتي يتبارى حاملوها في طريقة استعراضها . وكأن تاريخ ومحتوى النضال ضد نظام صدام الساقط اختصرفي هذا الامرالى لطم وتطبير وغيرها من أشكال ثقافة تغييب العقل. فلماذا تستغرب هذه الاوساط ظهور حركة او حركات مهداوية جديدة، خاصة ان تاريخ الفكر الشيعي خاصة والاسلامي عامة عامر باحداث كهذه، ام الخوف من ان ينقلب السحر علي الساحر ويظهر مهدي جديد تتعارض طريقة ظهوره وشعاراته مع مصالح الداعين له حاليا. ألم تنقل الاخبار عن احد مدعي النبوة والذي جرى تصفيته قبل فترة في بغداد، ونفس المصير لحقه مدعي اخر للنبوة في البصرة. ولوكان بديل النظام الشمولي السابق نظاما ليبراليا حقيقا، لشهدنا العجائب والغرائب من التنظمات وهذا ما تشهد عليه تجربة انهيارالنظم الشمولية في اوربا الشرقية.

* القائمون بتفيذ العملية اكدوا ضعف ومحدودية قدراتهم العسكرية امام هؤلاء ( المتمردون) والتساؤل المطروح، أين هي المليشيات البدرية واللجان الشعبية وجيش المهدي وغيرها؟ واين السلاح المتوسط ومدافع الهاون ومضادات الدبابات وصواريخ الكاتيوشا التي تسقط بشكل مستمر على القواعد البريطانية؟ ولماذا تستعرض هذه الاسلحة فقط عند التصدي لقوات الحكومة وفي القتال الطائفي؟

* في ظل تصاعد الازمات واحتدادها وللاسباب عديدة داخل قوى الاسلام السياسى الشيعي، وحين يجد الائتلاف الموحد في دعم المرجعية وبالذات مرجعية السستاني عتلة رافعة للسلطة لابد منها، فهل تستطيع هذه القوي ان تتحمل تيارات وحركات مذهبية او سياسية من داخل الشيعة لا تخضع لمرجعية النجف وخطها وبالذات مرجعية السيستاني؟
في الواقع العملي هناك موشرات اخرى. ففي البصرة المنكوبة سبق للقوي الاسلام السياسي الشيعي الحاكمة او المسيطرة على المدينة وقبل عدة اشهر ان حاولت الاعتداء على طائفة الشيعة الشيخية وطالبت وسعت لتهجرها من المدينة بحجة ولائها للنظام الساقط. ومعروف للبصراويون ان هذه الطائفة تسكن البصرة وبعض مدن الجنوب منذ مئات السنين، وهي طائفة معروفة بنزعتها السلمية وتسامحها ونبل اخلاقها وطيبتها الغير محدودة وبعدها عن الطائفية وشخصيا قضيت سنوات جميلة من عمري معهم فكانوا نعم الاهل والاصدقاء. تمتاز مرجعية الشيخة المتمثلة بالسيد علي الموسوي ومن قبله ابيه المغفور له السيد عبدالله الموسوي بعدم تدخلها في الشؤون السياسية، رغم عدم تدخله او مضايقاته لابناء طائفته او بعض اعضاء عائلتة في ممارسة نشاطهم السياسي ، والشيخة هم شيعة اثنى عشرية لها مرجعيتها الخاصة ولا تقر ولا تخضع الى مرجعية النجف في كل النواحي بما في ذلك اقرار يوم العيد، وهي تودي كل الشعائر الحسنية في عاشوراء ما عدا التطبيروضرب الزنجيل، ورغم مشاركة اعداد غير قليلة من هذه الطائفة بما فيهم افراد من عائلة السيد علي الموسوي بالنضال الوطني والديمقراطي بكل اشكاله بما فيها الكفاح المسلح ضد النظام الساقط وقدموا تضحيات جسيمة في هذا النضال المقدس بما يشكل مفخره لهم، الا ان كل ذلك لم يمنع من استفزارات واعتداءات الحاكمين الجديد، ولولا حكمة وصرامة السيد علي الموسوي ووجوه الطائفة وتكاتف اعضائها، لكان مصيرها في مهب الريح ولتحولت محلة( شارع السيد) وهي قلعة الشيخية الى مسرح للمليشيات الراطنة بالايرانية.
ويلاحظ ايضا من جانب اخر التدمير والهدم لحسينية رجل الدين الشيعي احمد الحسني في كربلاء في ايام محرم وبدون حرمة لحرمة الشهر والمبنى. والمضايقات والاهمال والتهميش لايات الله العراقية والتي يتحفظ او يعارض مجموعة منهم توجهات ومواقف السيستاني وخاصة الموقف من الاحتلال. والموقف من اية الله العظمى فضل الله وغيرها من المواقف التي تطفو الى السطح يوم بعد أخر مع اشتداد تأزم الوضع السياسي في العراق وبالتالي اشتداد ازمة الائتلاف الشيعي الموحد.
فهل ستحمل الفترة القادمة جملة من الصراعات السياسية والتي ستتخذ شكل الصراع المذهبي الداخلي اطارا لها؟
أخيرا قد تكون الحكومة المحلية في النجف او المركزية صادقة في ادعائتها ( رغم اني اشك في ذلك) وبذلك تكون قد جنبت العراق كارثة جديدة، ولكن اليس من حقنا ان نطالبها بصدق ادعاءاتها هذه؟