| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبدالرحمن دارا سليمان

 

 

 

السبت 7/3/ 2009



العراق الجديد: هل يمكن بناء دولة القانون بدون العلمانية ؟
(1)

عبد الرحمن دارا سليمان
 sulimaner@yahoo.fr

مقدمة
في العراق ، كانت ومازالت نقطة الضعف المركزية لجميع المشاريع السياسية قاطبة وعلى اختلاف توجهاتها ، هي الاستهانة والاستخفاف بالفرد والتغافل عن قيمته الإنسانية العليا كثروة بحد ذاتها يمكن بناءها والثقة بها والاستثمار فيها بالصورة الايجابية من اجل الإنتاج والإبداع والعمل المثمر ، وهو نفس الفرد الذي سوف يعطي نتائج مخالفة وعكسية في حالة استغلاله وإلحاقه كتابع وملحق ومطيع عاجز وسلبي وغير قادر على الاختيار الواعي والتفكير الحر والمساهمة الفعالة في الشأن العام ورسم السياسات التي تقرر مصيره ، ودوره فيها . وبطبيعة الحال، هنالك بون شاسع بين ذاك الاستثمار الايجابي في الإنسان ، وهذا الاستغلال البليد والمعطل لقوة وقيمة الإنسان .

إن الإهمال الطويل لفكرة الإنسان الفرد والتركيز على الشعارات السياسية العريضة واللافتات والعناوين الجوفاء، وعلى التعبئة الاستعراضية والحشد الكمي ،واختصار معنى السياسة بمع أو ضد ويسقط ويعيش، وتجنب الخوض في المسكوت عنه بالاتفاق والتوافق بين الجميع، والتغاضي عن المهم والجوهري في تحديد أولويات العمل السياسي ، والتوهم بأن الوصول إلى السلطة أولا وقبل كل شيء آخر ، هو كفيل بإصلاح الأمور وإرجاعها إلى نصابها آليا وميكانيكيا ، نرى نتائجها الوخيمة هذا اليوم شاخصة أمام الأعين : ها نحن تحررنا من الدكتاتور البغيض وها أن أطراف المعارضة السابقة جميعا في السلطة السياسية، بشكل أو بآخر ، ولكن أين هو الإنسان ؟ .

أن الخراب الذي ألحقته الدكتاتورية بالعراق وبالإنسان العراقي ،لا يعفي مسؤولية الكثيرين من معارضيه السابقين ،عن خراب ودمار من نوع آخر .

يأتي هذا المقال لإلقاء الضوء على أهمية دور الفرد في أي مشروع سياسي واجتماعي قادم لأنه كما كان مسخرا ومسلوبا من الإرادة ووقودا مشتعلة لكل الحروب القذرة الداخلية والخارجية لنظام الطاغية ينبغي اليوم أن يستعيد الثقة بنفسه وبقدرته على البناء والعطاء ، وهذه المهمة لا تقتصر فقط على الساسة وإنما هي أيضا، مهمة المثقفين والتربويين ورجال الإدارة والقانون والمستقلين من العاملين في مجال المجتمع المدني وكل الذين يهمهم أن ينهض العراق مجددا قويا وأبيا من بين الرماد الذي تركته لنا ارث الدكتاتورية .

"مفهوم دولة القانون"
دولة القانون، تعبير سياسي وقانوني . شعار سياسي ونظرية دستورية، تختلف من حيث المعاني والدلالات من دولة إلى أخرى حسب التكوين الثقافي والتاريخي للمجتمعات والشعوب، ولكنها تلتقي في مشتركات واضحة وبديهية في جميع التجارب الحديثة.

ويراد بها أساسا، تنظيم للعلاقة بين السلطة والشعب بهدف إيجاد التوازن بين ضرورات ممارسة السلطة السياسية من جهة وبين ضمانات الحقوق والحريات العامة للأفراد من جهة أخرى. إذ بغير هذا التوازن، يقود الأمر حتما، إما إلى الاستبداد السياسي من قبل السلطة، وإما إلى الفوضى العارمة من قبل المجتمع .

المبدأ الأول والأساسي في بناء دولة القانون هو الديموقراطية وإطلاق الحريات العامة وفق عقد اجتماعي يتنازل فيه أفراد المجتمع لبعضهم البعض عن جزء من حريتهم الفردية " حريتي تتوقف حين تبدأ حريتك " . ومن ناحية أخرى يتنازل فيه جميع الأفراد عن جزء من تلك الحقوق والحريات لصالح كيان عام هو: الدولة .

ويتجلى ذلك التنازل الجمعي، في الخضوع للقانون وحكم المؤسسات كبديل عن الطاعة والإذعان لسلطة الحكام السياسيين أو الزعماء التقليديين. وهذه النقلة المهمة في فكرة الطاعة والتسليم من الشخص إلى الدولة هي بمثابة طفرة جبارة وفي غاية الأهمية من الملموس إلى المجرد وبالتالي تمثل الخطوة الكبرى والأهم باتجاه بلورة الهوية وتشكل الجماعة الوطنية .

وما أعنيه مما تقدم ، هو دولة القانون بمعنى" التشريع" وليست دولة القانون بمعنى الضبط الإداري الصارم والمقيد بحيث تتحول فيها إلى دولة بوليسية تخل بشروط التوازن الضروري والمطلوب ، لأن الهدف الأول والأخير من بناء دولة القانون هو إقامة نظام سياسي لحماية الحقوق والحريات العامة في المجتمع ،وبنفس الوقت تخضع فيه الدولة بدورها إلى نظام حقوقي ذاتي للمحاسبة والمسائلة . كما أنها تقوم على مبدأ الفصل بين السلطات وضمان عدم إساءة استعمالها من حيث الوسائل في الحكم .

إذن لا يمكن الحديث عن دولة القانون بدون الديموقراطية وبدون الإيمان ضمنيا بالفرد ليس كناخب فقط وإنما كانسان وكعضو فاعل في المجتمع وكوظيفة اجتماعية وصاحب حق في التعبير عن ذاته وخياراته دون ضغوط . أي أن الفرد هو المبتدأ والمنتهى لتلك الصيرورة بأكملها أو يفترض ذلك على الأقل . فهو ككل انسان في الواقع الاجتماعي ، عبارة عن مجموعة من الحاجات والخدمات الضرورية الأولية واللازمة له في شأنه الخاص قبل تفكيره في الشأن العام . فالذي كان يخشى من المفخخات وسطوة المليشيات والقتل المجاني على الهويات ، لم يستطع أن يفكر مليا في اختياراته الانتخابية عام 2005 ، لأنه وببساطة شديدة كان يبحث عن الأحتماء الديني والطائفي والاثني كولاءات ثانوية وبديلة عن الهوية الوطنية الجامعة والتي تفككت نتيجة السياسات الخرقاء للنظام السابق ونتيجة التعقيدات التي جلبها الاحتلال . فالخائف لا يفكر، والمجبور على دفع الرشاوى للحصول على أبسط الخدمات لا يفكر، والعائد إلى أولاده بكسرة خبز في المساء بعد نهار مضن لا يفكر ، كما أن المحروم من الماء والكهرباء والسقف الآمن والعمل الضامن والمستقبل الواضح لا يفكر ، والمهجر داخل وطنه والبائع لصوته الانتخابي مقابل بطانية أو مدفأة شتوية ، والمصاب بالعلل النفسية ، وضحايا الحروب والمعوقون والمهمشون والأطفال المتشردون في الشوارع ، لا وقت لديهم أيضا للتفكير .

من يفكر إذن ؟ ومن سوف ينوب عنهم بتلك المهمة الشاقة والمكلفة ؟ .

تلك هي جموع الملايين من البسطاء العاديين والمهملين في كل عصر وأوان، وتلك هي نفسها ذات الجماهير الغفيرة التي حملت العراق كموجة بحر على أكتافها ، وضحت بدمائها وصبرها وأمانها وبأولادها وإخوتها ومعارفها ، والتي كانت يوما ما ماركسية الهوى ثم صارت قومية الميول واليوم أصبحت أسلامية التوجهات . وكل فرد فيها هو نفس ذلك الكائن الصغير الذي ظل صغيرا وضئيلا ومقهورا ومغلوبا على أمره.

ذلك المخلوق الفرد الناخب الصغير والذي صدق يوما كذبة الآخرين حين أخبروه في الإذاعات بأنه مواطن ثم سحبوه إلى كل المواطن الشريرة التي تشبههم .

ثمة الكثيرون ممن تولوا مهمة ذلك التفكير نيابة عنه، الكثيرون من الضحايا الحقيقيين والمزيفين ومن الجلادين القدامى والجدد، تولوا تلك المهمة.

يتبع في الجزء الثاني .




 

free web counter

 

=