| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبدالرحمن دارا سليمان
sulimaner@yahoo.fr

 

 

 

                                                                                     الخميس 3/11/ 2011



العراق : فتن ومجتثون وفيدراليات

عبد الرحمن دارا سليمان

رغم تباين المواقف والأفعال وردود الأفعال السياسية، حول إعلان بعض المحافظات العراقية رغبتها بالتحوّل الى أقاليم مستقلة ضمن ما هو متاح لها دستوريا، غير أنّها تجتمع مع بعضها في نقطة تلاقي النوايا والمصالح، ومعها موقف الحكومة الإتحادية، ضمن السباق على ملئ الفراغ الذي سينشأ حتما، بإنسحاب القوات الإمريكية من العراق نهاية العام الجاري. الأمر الذي يستدعي تحركات إستباقية وإجراءات إدارية سريعة ومناورات سياسية عاجلة، من قبل الأطراف جميعا، في محاولات لإضعاف مواقع وتقوية أخرى وإعادة الترتيب الداخلي إثر الإنسحاب الأمريكي الوشيك من ناحية، ونتيجة المتغيرات السياسية الحاصلة في المنطقة العربية من ناحية أخرى.

والمفارقة الكبرى، أنّ المدافعين والمعارضين معا، يحتمون كالعادة، بنصوص دستورية وشرعية من أجل أهداف غير دستورية ولا شرعية، بحيث لا يبدو النزاع بشأن الأقاليم، إلاّ كحلقة مملة كغيرها، في مسلسل المحنة العراقية المستمرّة، لكنها تشير هذه المرّة بجدّية دخولها في مرحلة كسر العظم وهو الطورالأهم والأوضح دراميا، والأخطر سياسيا، في ما يتعلق بمصيرالتوافقات القائمة منذ عام 2003، وتهدّد بإنهيار السقف الهشّ للعملية السياسية في البلاد، على رؤوس الجميع .

ومن نافل القول، أنّ الوجود الأمريكي الذي كان ولا يزال يتمظهر بدور الراعي والضامن والحكم المحايد للتوازنات السياسية الحالية، ويطمح دون شكّ، الى تمديد وتجديد هذا الدور، هو المهندس الإستشاري الأكبر للفوضى الراهنة التي قام عليها الحكم والنظام الجديد حين تأسس وفقا للمحاصصة الطائفية والأثنية ومن ثمّ كرّستها القوى السياسية العراقية المنتفعة ومضت بها الى أبعد أشواطها في سبيل مصالحها الآنية الضيقة وحوّلت الوجهة الأساسية للصراع السياسي، من صراع كان يفترض فيه أن يدور حول البرامج والآليات والمبادئ والتصورات التي تسمح بالإنتقال الى نظام ديمقراطي تعددي ضامن للحقوق والحريات العامّة، الى صراع عقيم، لا يلبث أن يتجدّد بشأن المركز والأقاليم وحدود صلاحياتها، وفي ما بين المذاهب والطوائف والأثنيات والهويات الفرعية وحقوق كلّ منها على حساب الحقّ الوطني المضيّع والضائع في خضمّ النزاعات الدورية وعوامل الشدّ والجذب التي تخضع غالبا لمعايير القوّة الميدانية لكلّ طرف وحسب ثقلها العسكري وقدرتها على تعبئة المليشيات والموالين لها وممارسة شتى الضغوط وأنواع الإبتزاز وإظهار الولاء للأجندات الإقليمية والدولية، دون مراعاة لتعطيل الحياة السياسية وبلا أية ضمانة حقيقية لعدم الإنزلاق نحو مخاطرالحرب الأهلية، سوى دستور مهلهل هو بدوره لا يزال مصدر خلاف دائم، بدلا أن يكون عقد رضا وإتفاق وإجماع .

وكما أدّى التحوّل في مجرى الصراع السياسي الدائر داخليا، الى الإبتعاد التدريجي عن التوجهات الديمقراطية للبلاد، والسعّي الواضح الى مركزة السلطة والهيمنة على القرار السياسي والتضييق على الحريات العامة وإلحاق الهيئات المستقلة بمكتب رئاسة الوزراء بما جدّد الشعور العام بالعودة الى التفرد والإستبداد، أدّت الإجراءات الحكومية الأخيرة بفصل أعداد من البعثيين في الجامعات والدوائر الرسمية العراقية وإحالتهم على التقاعد وإعتقال البعض منهم على خلفية مؤامرة للإنقضاض على العملية السياسية، الى تعزيز ذلك الإنطباع وظهرت الإجراءات الأخيرة وكأنها قد جاءت ضمن سياق الإرتداد السياسي، بغض النظر عن صحة الرواية الحكومية أو عدمها، كما أدّت الى الإعتقاد الراسخ بالتمهيد لقلم أظافر "الشركاء" الذين فرضتهم الإدارة الأمريكية والضغوط العربية على العملية السياسية في ما مضى، وها قد حان الآوان والوقت المناسب للتخلص من أعباء الشراكة الثقيلة بحلول موعد إنسحاب القوات الإمريكية من جهة، ومآزق النظم العربية المساندة للبعثيين من جهة أخرى .

وإذا كان التوقيت هنا مهمّا، لفهم التداعيات التي ترتبت عليها الدعوة في محافظات صلاح الدين والأنبار والموصل الى الفيدرالية والتحوّل الى أقاليم مستقلة، وهي بلا أدنى شكّ ليست دعوة جدّية ومدروسة ومعبرّة بالفعل عن الإرادة الشعبية في تلك المحافظات، بقدر ما تهدف الى المزيد من إرباك الأوضاع السياسية العامّة والضغط على المركز لتقديم التنازلات في سبيل ضمان المصالح السياسية لممثلي الطوائف وعدم المساس بها أو تحجيم دورها في المواقع الرسمية التي تحتلها في الدولة، فإنّ المبهم وغير المفهوم في هذا التوقيت، هو التمادي في إتخاذ القرارات الحاسمة والخطيرة من قبل رئاسة الوزراء دون مشاورة سياسية للأطراف المشاركة في الحكم ودون تداول الأمر في مجلس الوزراء وفي المؤسسات العليا للدولة، المعنية تعريفا بالشأن العام .

إنّ التجاهل المقصود للفكرة الوطنية بإعتبارها روح المجتمع، قد مسخ السياسة والعمل السياسي وحولهما الى هياكل وأصنام وأجساد وغرائز منفلتة تبحث عن تعويضها المفقود أحيانا في الجدل البيزنطي حول لون العلم أو شكل العملة أوصياغة النشيد أو نوع الهتاف المطابق للأنا الحزبية، وأحيانا أخرى حول فيدراليات طائفية تمعن في الإنشطار المجهري للمكونات العراقية، وحينها ستكون المهام العسكرية والإستراتيجية الأمريكية قد إنتهت تماما وبنجاح منقطع النظير .







 

 

free web counter

 

=