| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبدالرحمن دارا سليمان
sulimaner@yahoo.fr

 

 

 

                                                                                     الجمعة 29/4/ 2011



 المصير العراقي على ضوء التحوّلات الإقليمية

عبد الرحمن دارا سليمان

لعلّ الوضعين العراقي واللبناني يتميزان اليوم أكثر من غيرهما في طبيعة الادوار التي تلعبها الاجندات الخارجية، وتأثيراتها المباشرة في رسم سياسة البلدين، وإخضاع القرار السياسي الداخلي لمصالح الدول القريبة والبعيدة ذات النفوذ الإقليمي الفاعل والتأثير القويّ، على ترتيب الاوضاع السياسية فيهما، حسب ما تتطلبه موازين القوى الخارجية، من تهدئة وتسويات مؤقتة، أو تصعيد في المواقف، ينعكسان بدورهما على مجمل الأوضاع الأمنية المرتبطة مباشرة بالحالة السياسية في البلدين .

وكنتيجة حتمية، لغياب السياسة، أي غياب الأجندة الوطنية المعبّرة عن المصالح العليا لعموم المجتمع، وغياب القيادة السياسية، أي إنعدام وجود أغلبية سياسية ثابتة يمكن لها أن تعمل كجماعة سياسية ذات رؤية موحّدة لتلك المصالح والمسؤوليات رغم الإنتماءات والولاءات الفرعية المتباينة والمتعددة، فالساحتان كانتا وتستمران، مفتوحتين تماما ،على الصراعات والنزاعات الإقليمية الصغيرة والكبيرة، وعليهما يتمّ تصفية الحسابات وإستعراض القوى لصالح هذا الطرف أو ذاك . أو هكذا أريد لهما أن يكونا ضمن التوازنات الإقليمية والدولية التي ظلت سائدة، قبل موجة التفجرات والإحتجاجات والثورات الشعبية التي باتت اليوم تجتاح المنطقة العربية، وتحمل وعودا جديّة، بتاريخ سياسي يمكن أن يعيد صياغة الشرق الأوسط من جديد، بعد عقود طويلة من الإستبداد والطغيان وإنتهاك الكرامة الإنسانية ومصادرة الحريات العامّة، تجاوزت خلالها النظم السياسية القائمة، كلّ حدود الإستهتار والتعّفن والموت السياسي، بصورة لم يعد ثمّة مثيل لها في أية بقعة من عالمنا المعاصر .

وإذ، لا تعني السياسة العراقية الحالية، من الناحية العملية، فنّ ممارسة القيادة والحكم وإدارة السلطة والدولة وتنظيم النشاط الإجتماعي والحياة العامّة بما يضمن الأمن والتوافق والتوازن بين الأفراد والجماعات المتنافسة وبالتالي تجاوز علاقات القوّة غير المستندة للحقّ والعدالة والمساواة، ولا تعني بنفس الوقت، ضبط الصراعات والتحكّم في إدارة المصالح المتباينة ووجهات النظر المختلفة، كما لا تعني سوى المراوحة المستمرّة في المكان والحفاظ على إمتيازات النخب السياسية المتنفذة وسعّيها المتواصل لمراكمة الثروات على حساب الصالح العام بصورة تحوّلت معها ضمن الأوضاع الإستثنائية للبلد، الى طبقة خاصة فوق المجتمع ومنفصلة تماما عنه شكلا ومضمونا، فإنها تعني إعتمادا على كلّ ما ترتّب، أنّ الوضع العراقي الداخلي الذي إرتضى لنفسه أن يبقى رهين التغييرات الإقليمية ومن ثمّ الخضوع، للتسويات والترتيبات والأشكال، التي سوف تتأسس عليها صورة النظام الإقليمي أوالصيغ السياسية الجديدة التي ستعمّم لا محالة على المنطقة بأسرها، بدون أية إرادة وفاعلية وبرنامج داخلي وخيارات واضحة، ولا الإستجابة الحقيقية للمطالب الشعبية الداخلية في ضرورة الإصلاح والتغيير والخروج من المأزق السياسي الذي دخلنا فيه، منذ سقوط النظام الديكتاتوري عام 2003 .

وما يزيد من صعوبة العمل السياسي والإجتماعي الهادف للخروج من حالات الفوضى العارمة والفساد الإداري والمالي والمحاصصة الطائفية ونزعات الإحتكار والتسلّّط المتجددة وإعادة إنتاج الأنماط القديمة والمعروفة في ممارسة السلطة وفي إدارة الدولة والمجتمع، من قبل القوى المتنفذة هذا اليوم، هو تضافر عوامل عديدة لعلّ من أهمّها :

أولا : إنعدام وجود رأس واحد للنظام الإنتقالي الجديد يمكن إتخاذه رمزا للإستبداد والفساد السياسي وتحميله المسؤولية الأولى والأخيرة، عن الأوضاع المأساوية القائمة، حيث تحوّلت أفكارالتعددية هنا، ومصادر السلطة وحدود صلاحياتها والمبادئ الدستورية التي تأسست عليها، من وسائل لحفظ التوازن العام والتكامل في بنية النظام السياسي، الى أدوات ورؤوس متعدّدة ومتنافرة ومتضاربة، تتحمّل بالمجموع، مسؤولية الإنسدادات السياسية الدورية في عموم البلاد، ومسؤولية المحنة العراقية المستمرّة التي توزّعت دماء ضحاياها ما بين القبائل وأمراء الطوائف وأحزاب المليشيات، بهذا القدر أو ذاك .

ثانيا : حالة التردّد لدى قطاعات إجتماعية واسعة ومتضرّرة، في الإنضمام الى موجة الإحتجاجات نتيجة أسباب كثيرة ومعقدة، ذاتية وموضوعية، من ناحية، وحالة الإستقالة الأخلاقية لفريق لا يستهان به، من المثقفين والرموز والقوى والشخصيات التي كان لها مواقف سياسية أوضح في الحقبة الديكتاتورية ، وتمّ شراء سكوتها فيما بعد على الأوضاع القائمة وبأثمان بخسة، وفريق آخر لم ينجح بعد في الخروج من ضغوط اليأس والإحباط وتداعيات الخيبات المتوالية منذ عام 2003 ولحدّ الآن، من ناحية أخرى .

ثالثا : المراهنة على تعديل الأوضاع وإصلاح العملية السياسية من الداخل بالضغوط الجماهيرية لوحدها وبدون المجازفة والإلتحاق الواضح والصريح للقوى السياسية والتيارات الوطنية الحقيقية بالحراك الشعبي الناشئ، ممّا يولّد إنطباعا لدى الرأي العام، بإمكانية إستغلال هذا الحراك من أجل مصالح جزئية لهذا الطرف أو ذاك للدخول أو إستعادة الأدوارالمناسبة لها ومن مواقع أقوى من السابق، وهي إجمالا، مراهنة شبه يائسة وتدور حول الذات في حلبة صراع لمعركة غير متكافئة إطلاقا .

رابعا : الدور التخريبي الفاعل الذي كانت ولا زالت تلعبه الأجندات الإقليمية والدولية في جمود الوضع العراقي وشلّ فاعليته وتحييده تماما عن مجريات المنطقة السياسية وتحويله الى ميدان للنزاعات العبثية، والأزمات والتوترات الداخلية والخارجية، بإنتظار ما سوف يتقرر بشأنه في ضوء التوازنات اللاحقة في المنطقة عموما، وكلّ ما يجري اليوم على ساحته الداخلية من صراعات عقيمة بين النخب المتنفذة، ما هو الاّ ملهاة ومأساة في الوقت نفسه، في إنتظار اللحظة السياسية القادمة .





 

 

free web counter

 

=