| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبدالرحمن دارا سليمان
sulimaner@yahoo.fr

 

 

 

الخميس 23/7/ 2009



محنة العراق الجديد وسط الذئاب الإقليمية الهرمة

عبد الرحمن دارا سليمان

صدر تقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية في المنطقة العربية قبل أيام قليلة، تحت عنوان " تحديات أمن الإنسان في البلدان العربية " ، وتناول الأوضاع المأساوية المستمرة التي تعيشها معظم شعوب هذه المنطقة المبتلاة بحكامها وبطبيعة أنظمتها السياسية الفاسدة وممارساتها القمعية القائمة على انتهاك حقوق الإنسان، ومصادرة الحريات، وممارسة التعذيب، والاحتجاز غير القانوني، واتخاذ الأحكام العرفية وقوانين الطوارئ، كأسلوب دائم أو شبه دائم ،في الحياة السياسية .

وقد يكفي معرفة أن نصف اللاجئين في العالم ، هم من مواطني البلدان العربية، حسب نفس التقرير، لكي نتيقن بأن هذه المنطقة تمثل اليوم، استثناءا حقيقيا، باعتبارها أكبر منطقة طاردة لأبنائها على المستوى العالمي، نتيجة الفشل والإفلاس السياسي والاقتصادي والثقافي والتنموي، وما ينجم عنها، من تفاقم مخيف وارتفاع متزايد، في معدلات العنف والبطالة والجريمة والفقر والحرمان، في الأوساط الاجتماعية التي أصبحت بالفعل، مجتمعات فاقدة تماما لبوصلتها في الحياة اليومية، بعد التدمير المنهجي المنظم لنواة ثقافتها الإنسانية، وتفكك منظومة القيم والمعايير والأواصر الاجتماعية التي تشمل التسامح والتعاون والتضامن والعدل والأمانة والتضحية والحق والجرأة وغيرها من الخصائص التي توجه السلوك الفردي والجمعي وتحافظ على النظام الاجتماعي العام ، وخضوعها جميعا إلى معيار واحد هو العنف والقوة الغاشمة العمياء التي باتت هي العملة السائدة الحقيقية والأكثر رواجا في التداول والتعامل الاجتماعي بين الأفراد والجماعات على حد سواء .

ولم يكن النظام الديكتاتوري السابق في العراق، في حقيقته، إلا امتدادا لهذا النظام التقليدي المتهرئ، ولتلك الجوقة من الأنظمة البائسة، وكان بمثابة وجهها الأبشع والأكثر مغالاة في العنف والدموية والهمجية السياسية . ورغم الخلافات الكثيرة بين تلك الأنظمة، العلنية منها والمستترة، إلا أن حبلا سريا يكاد يجمعها وقت الخطر، فيما يصلح بتسميته تضامن الفساد وأممية العصابات . وليس غريبا أن المؤتمرات والاجتماعات العربية الوحيدة الناجحة منذ عقود، هي تلك التي تعقد بين وزراء الداخلية وأجهزة الأمن والمخابرات .

وما حال الجار الشرقي في جمهورية آيات الله ، أفضل من تلك الأنظمة بشيء يذكر، إذ ساهمت بدورها في رفع درجة التوترات الإقليمية، وجعل المنطقة مسرحا للنزاعات المستمرة والصراعات الطائفية والغليان السياسي، نتيجة سياستها في تصدير الثورة وتحدي القوانين الدولية منذ ثلاثة عقود . كما أن استمرار السياسة العدوانية الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني واحتلالها للأراضي العربية، واستهتارها الدائم بالقوانين والقرارات الدولية، دورا عميق الأثر في زعزعة الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط عموما والحيلولة دون استقرار مجتمعاتها وحق شعوبها في العيش بأمان وسلام .

أما الأسباب الكامنة وراء الاستسلام والانقياد والإذعان والاستقالة التامة، من قبل شعوب المنطقة لتلك السياسات اللا إنسانية ، وقبولها للظلم والاستبداد كأمر واقع ، فهي كثيرة ومتعددة وشاملة لكل الحقول والميادين والبنى السياسية والثقافية والدينية والتربوية . والواقع أن الجميع يتحمل قسطا من المسؤولية بشكل أو بآخر وبوعي أو بدون وعي في هذا الأمر . كما أنها ليست وليدة اليوم، وإنما هي نتيجة منطقية وطبيعية لتراكم الأخطاء والتهرب من معالجتها، والعجز عن مواجهة ومراجعة الذات، والاستفادة من كبوات الماضي ومنع تكرارها، للخروج من حالة الشلل المفروضة قسرا على هذه المجتمعات .

أما القسط الأكبر من المسؤولية، فتقع على عاتق السياسة والقائمين عليها بصورة خاصة ، فالدولة العربية الحديثة ، كدولة مؤسسات ومواطنين أحرار ، لم تنجح في تأسيس نفسها في أي مكان في المنطقة ، فكما أن الأفراد والجماعات فشلوا في الاحتكام لقيم العقل والمنطق والأسس الأخلاقية في صراعاتهم ونزاعاتهم اليومية، وبالتالي فرضها كقيمة عليا تعيد تأسيس المجتمع من جديد ، فالسياسة بدورها كرست ما هو قائم وسائد وموجود واستثمرته من أجل صراعها على السلطة ، فكانت النتائج ضياعا كاملا وفوضى عارمة في السياسة والمجتمع والسلطة .

كانت ولادة العراق الجديد وسط هذه الخريطة السياسية الملتبسة ، أشبه بحجر ألقي في بركة راكدة، وقبل أن تستقر أوضاعه وتصل دوائرها وتأثيراتها السياسية لشعوب المنطقة المتعطشة للحرية والإصلاح والتغيير، سارعت أنظمتها بدق نواقيس الخطر من المولود الجديد وعملت ولم تزل وبكل السبل والوسائل المتاحة لديها على وأده والقضاء عليه ، إن كان من الخارج وعبر الحدود كما جرى بالأمس القريب ، أو من داخل العملية السياسية نفسها عبر وكلائها وواجهاتها المعروفة للجميع .

وقد لا يكون الوقت متأخرا بعد، لتدارك الأخطاء ومعالجة الثغرات في الوضع السياسي العراقي عموما، ولكنه حتما سيكون متأخرا إن ترك على حاله كما هو الآن .


 

 

free web counter

 

=