| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبدالرحمن دارا سليمان
sulimaner@yahoo.fr

 

 

 

الأربعاء 22/9/ 2010



 حيرة الدكتور كاظم حبيب وأشجانه العراقية

عبد الرحمن دارا سليمان

يتساءل الدكتور الفاضل كاظم حبيب في مقاله المعنّون "ليس هناك أرخص من الإنسان وحياته في العراق" بمرارة واضحة أشاركه فيها، عن الوضع الإجتماعي العراقي عموما وما يبدو على المجتمع، من إستكانة وسلبية وصبر وتحمّل وقبول للقهر والعذاب والموت اليومي "راضيا مرضيا" ، تساؤلا في منتهى العمق والمشروعية ويترك لنا الجواب مفتوحا، عسى أن يساهم المهتمون والدارسون للعلوم الإجتماعية بدورهم في الولوج الى هذه المنطقة المحرّمة والمؤجلة أبدا والمهملة من قبل السياسة والفكر السياسي المألوف والموروث منذ عقود طويلة .

وإذ يكتسب هذا التساؤل أهميته الراهنة من واقع المحنة والخيبة والإحباط العام الذي يلّف حياتنا السياسية في العراق ومن قلّة الحيلة ومحدودية الخيارات المتاحة أمام القوى الديمقراطية في هذه المرحلة العصيبة من تاريخ العراق السياسي ، فهو يتطلّب التوقّف مليا وبشجاعة وموضوعية أمام الأسئلة المهمّة التي تطرحها المرحلة الحالية والسعيّ والبحث الجماعي في محاولة الإجابة عنها دون السقوط في جلد الذات وتعليق الأسباب والإجابات على تخلف الوعي الإجتماعي المحلي من ناحية ، ودون المبالغة والتمجيد الرومانسي للجماهير والمجتمع من ناحية أخرى .

وإن سمح لي الدكتور حبيب في توسيع الموضوع من خلال طرح ثلاثة أسئلة يمكن إعتبارها مدخلا مهما للمناقشة والحوار وهي :

- لماذا أصبح لدينا اليوم مجتمعا مستقيلا ؟ .

- ومن وماهي القوى التي دفعت هذه الجماهير التي كانت تموج بالثورات والإنتفاضات الكبرى في الخمسينات والستينات للدفاع عن حقوقها المشروعة كي تصبح اليوم مهمّشة ومقصية وبعيدة وخارجة عن الإهتمام الحقيقي والعميق بالشأن العام للبلاد ؟ .

والسؤال الثالث هو بالضرورة ناتج عن السؤالين السابقين وهو :

- كيف يمكن أن يستعيد المجتمع ثقته بالسياسة هذا اليوم ؟

قد يشاركني أستاذنا الفاضل الرأي ، في أن موضوعة " السلطة " وإستلام السلطة إحتلت دائما الأهمية القصوى والأولى إن لم تكن الوحيدة، في الصراع السياسي وفي العمل السياسي نظريا وعمليا لدى الأحزاب السياسية العراقية قاطبة ، الدينية منها والعلمانية بشقيها القومي والماركسي على حدّ سواء . وكان هذا الولع الحزبي بالسلطة السياسية كمصدر أوحد وكسلطة وحيدة قادرة على إدارة الصراعات والتحكّم بعملية التغيير والتحوّل الإجتماعي، خلال عقود طويلة، يجري على حساب الإهتمام بالإنسان وتربيته وثقافته ووعيه وبالمجتمع المدني وهيئاته ومؤسساته المستقلة عن الهيمنة السياسية، ويقوم على قواعد التعبئة والتجييش والإلحاق والضمّ والتبعية للأفراد والجماعات، وتحت يافطات وشعارات سياسية عريضة وفضفاضة ومهلهلة تتحدث عن الحرية والتحرر والخلاص والإنعتاق وتفترق في اللغة النظرية عن بعضها البعض لتعود وتلتقي في أبجديات الواقع العملي بطريقة تبعث على الحيرة والشك والغموض والإلتباس .

لقد ساهمت السياسة العراقية عمليا وبالمعنى الواسع لها، في خلق المواطن ـ القرقوز ، وصناعة الفرد التابع والمطيع والمستسلم والفاقد للإرادة والقدرة على التفكير الحرّ والنقدي، وعلمّته على الخوف والإتكال والإذعان وقتلت فيه حسّ المسؤولية والمشاركة والتضامن، فأصبح كما أرادت له أن يكون، كائنا سلبيا هو قتيلها وضحيتها الأولى، فلا غرابة إطلاقا في أنه يستكين اليوم لحكامه ولا يثور عليهم ولاينتفض على شروط حياته البائسة ولايطالب بأكثر من إستمراره على قيد الحياة ولايخرج في تظاهرات حرّة تعبّر عن حقوقه وتحفظ كرامته وتدافع عن إنسانيته المهدورة بعد أن نسى أو تناسى أو دفع الى أن ينسى، معنى أن يكون حرّا بفعل عقود الإذلال والإخصاء السياسي المنظّم .

كان يحلو للكثيرين من ساسّة اليوم الذين كانوا "ثوارا" وفرسانا في النضال ضدّ الدكتاتورية، أن يعلقوا جميع الأخطاء والخطايا على شماعة الدكتاتور وهو لم يكن بريئا منها بأي حال من الأحوال ، فقد كانت حروبه ومقابره الجماعية، تطغي وقتها على أي نقاش آخر وتؤجل حوار الفكر والثقافة والتربية وبناء الإنسان الذي كان يبدو في سنوات الجحيم الديكتاتوري، نوعا من الترف الثقافي لينسحب هذا الحوار الى الخلف ويؤجل عمليا ونهائيا كما ظهر فيما بعد، في إنتظار إستلام السلطة السياسية حيث كان الإعتقاد السائد والمروّج له بأن نعيم الديمقراطية الموعودة، قاب قوسين وأدنى بمجرد سقوط الدكتاتور الشرير وحلول الأخيار وأصحاب الحق المشروع محله. كان هذا قبل أن يفاجئنا الثوار باللغة الحقيقية الوحيدة التي يتقنوها جيدا، لغة الحصص والنسب وتقاسم المغانم مع أول إجتماع لمجلس الحكم ينعقد برعاية العزيز "بريمر" .

وكان مجرد القاء الضوء على هذه الجوانب المخفية والمعتمة عمدا من عالم السياسة العراقي، يواجه بالإرتياب والتشكيك من قبل هؤلاء الساسّة الكرام ،أمّا وقد تكشّف المستور هذا اليوم ، فنستطيع أن نذكّر ونعيد على الأذهان ما قلناه بالامس القريب، وهو أن ثقافة الطاعة والخضوع والإمتثال التي تحدثنا عنها طويلا هي التي فرشت الطريق للدكتاتور ويمكن لها إن إستمرت كما هي عليه الحال، أن تخلق عشرات الدكتاتوريين .

ولا أظنّ بأن هذه الإستهانة بقيمة الحياة والإنسان وإختصار البشر الى كومة من الوقود التي ينبغي لها أن تحترق على درب الشهادة أو النضال، لا فرق، يقتصر فقط على أحزاب الإسلام السياسي "متطرفين ومعتدلين" كما تفضل الدكتور حبيب في المقال المشار اليه، وإنّما يتعدّى الأمر الى بنية الفكر السياسي السائد عموما والذي يتطلب الكثير، الكثير من الجرأة والوضوح والصراحة ومواجهة الذات، لكي ننتقل للجواب على السؤال الثالث .




 

 

free web counter

 

=