| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبدالرحمن دارا سليمان
sulimaner@yahoo.fr

 

 

 

                                                                                     الأثنين 21/2/ 2011



 الغضب العراقي : تظاهرات سلمية أم معارك حربية ؟

عبد الرحمن دارا سليمان

من الواضح أنّ أطراف النزاع السياسي الدائر في العراق منذ عام 2003 تشحذ هممها بسرعة، في محاولات إستباقية، لإحتواء الإنفجارات الإجتماعية الراهنة وتوظيفها وركوب موجتها وتجييرها لصالح هذا الطرف أو ذاك، بالرغم من أنّ المجتمع العراقي بات يدرك بشكل متزايد، بعد تجربة السنوات الماضية، بأنّ الغالبية العظمى من النخبة السياسية المتنفذة، لم تعد الأوضاع الإجتماعية المأساوية التي يعيشها الشعب العراقي يشّكل همّها الأول بصورة مباشرة، ولم تعد تحرّكها من الناحية العملية، غير النزاعات الداخلية المستمرة حول مواقع السلطة والنفوذ، وغيرالصراعات الفردية الضيّقة بين رموزها وأقطابها البارزين حول الحفاظ على المكاسب والإمتيازات ومراكمة الثروات على حساب الهدر المتواصل للمال العام، بدون أيّ إنجاز حقيقي، ولا إداء أيّ عمل مفيد، بعد ما تحوّلت أو أريد لها أن تتحوّل، خلال الأوضاع الإستثنائية للبلد، الى طبقة خاصة فوق المجتمع، ومنفصلة بالكامل عنه، وبعيدة كل البعد عن آلامه وآماله الحقيقية، التي عانت في سبيلها الأجيال العراقية، طوال العقود الأربعة الماضية على وجه الخصوص .

كما لم يكن، ومن باب الشعور الأدنى بالمسؤولية الوطنية، أن تنتظر هذه الأطراف السياسية العراقية المتنفذة، إنفجار الأوضاع الإجتماعية في المنطقة العربية، ووصول شظاياها للعراق المتأزم أصلا، والمرشّح بدوره للإنفجار، نتيجة الأوضاع التي لم تعد قابلة للإحتمال، كي تتكرّم وتتنازل النخبة السياسية عن بعض إمتيازاتها في تخفيض الرواتب الخيالية للرئاسات الثلاث وزيادة الحصة التموينية للمواطنين، وما شابه ذلك من الحلول الترقيعية المتأخرة، تأخر إستيقاظ الضمير السياسي الذي ظلّ راقدا طيلة مايقارب عن ثمان سنوات من الظلم والظلام والفساد الإداري والمالي والسياسي العابث بالبلاد .

وإذا كانت الأحزاب والكتل السياسية المقرّبة من الحكم، تسعى اليوم لتهدئة الأوضاع بدون الإعتراف ولو شكليا، بتقصيرها طيلة الأعوام السابقة، ومطالبة المجتمع في الوقت نفسه، بالتعبير "السلمي" عن حقوقه المنصوصة عليها قانونيا ودستوريا، فإنّ الغضب المتراكم إجتماعيا، والكتل الجماهيرية المهمّشة والمستبعدة من السلطة والقرار، ليست بفرق للكشّافة، كي ينبغي لها أن تعبّر عن نفسها بنسق ونظام مرسومين مسبقا، في ظلّ أوضاع لا نسق ولا نظام فيها، ثم تعود الى بيوتها، وتترك تدبير الأمور لأولي الأمر، وللسّاسة "المنتخبين"والمعبّرين أحسن تعبير عن الإرادة الشعبية .

ومن ناحية أخرى، ليس مطلوبا، أعمال التخريب والحرق والتدمير لمؤسسات الدولة التي هي في نهاية المطاف، ملك للشعب ومن أمواله العامّة ، إذ ليس هنالك ثمّة نظام قائم ومكتمل في العراق، كي تكون المطالبة بإسقاطه على جدول أعمال بعض التظاهرات، وإنّما المطلوب هو العكس تماما، الا وهو عودة العراق للعراقيين، والضغط بكلّ الوسائل المتاحة من أجل إعادة النظام الى حالة اللا نظام القائمة، وإصلاح العملية السياسية وتعديل الدستور وإنهاء حالة المحاصصة الطائفية، وتنظيم الحياة السياسية على أسس جديدة وسليمة ومتوازنة، تضع مصلحة المواطن العراقي المغلوب على أمره، في جوهر العملية السياسية برمّتها، وتعيد له الثقّة بالسياسة التي غدرته على الدوام، حتى يستعيد دوره الضروري واللازم، كمركز ومقرّ، للتوجّهات السياسية والإجتماعية والإقتصادية والثقافية الجديدة للبلاد .

وبالمقابل، ثمّة من يسعى لإحتواء الغضب الشعبي من أجل تصفية الحسابات السياسية أو إستعادة وزيادة دوره في عملية التقاسم والمحاصصة والمطالبة بتعديل النسب الموزّعة بين الكتل الأساسية، وثمّة من يسعى الى مصادرة التظاهرات كليّا، وحرفها تماما عن مسارها المطلوب، من أجل إدامة حالة الفوضى وإستمرار تعطيل الحياة السياسية لصالح أجندات إقليمية ودولية ما زالت فاعلة على الساحة العراقية، ومن المتوّقع نزولها للميدان، بقوّة وعنف شديدين، نتيجة عوامل كثيرة، من أهمّها هو أنّها تلعب ورقتها الأخيرة وفي وضح النهار، ومن المؤكّد أيضا، أنّ أوراقا سياسية أخرى ستلعب على المكشوف خلال الأيام والأشهر القادمة، بعد أن ظلّت تناور في مواقفها المعلنة من العملية السياسية .

كلّ شيء، سيتوّقف على الزخم الجماهيري وإمكانياته الفعلية على التصدّي وقدرته على المواصلة والإستمرار من أجل تحقيق مطالبه المشروعة، والأهمّ، على قدرته على التمييز ما بين الجبهات والقوى والإطراف العديدة، وعلى تلاحمه مع القوى والشخصيات الوطنية والديمقراطية الحقيقية التي شهدت لها السنوات السابقة، نظافة اليدّ والموقف .












 

 

free web counter

 

=