| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبدالرحمن دارا سليمان
sulimaner@yahoo.fr

 

 

 

الأحد 18/4/ 2010



المحنة العراقية المستمرّة

عبد الرحمن دارا سليمان

لا يمكن وصف النزاعات المدمرّة والجارية بين النخب السياسية والأوساط الإجتماعية في العراق وعلى الصعيدين الفردي والجماعي، الاّ كمقدمة للسقوط في البربرية الشاملة إن لم تكن قد سقطت بالفعل . وإذا كان الإختلاف في وجهات النظر والرؤى والتصورات والبرامج السياسية، والتنوّع في الإنتماءات الدينية والأثنية، هو سمة المجتمعات الحّية ودليل غنى وتسامح وتفهّم وقبول بالآخر على قاعدة العيش والمصير المشترك، فهو في الحالة العراقية يؤدي دوريا إلى العكس من ذلك تماما بسبب أن التعددية هنا، هي في الأشكال الخارجية فقط وليست في المضامين .

فالتعددية والكثرة المتشابهة من حيث النزوع للصدارة والتسيّد والتسلّط والحصول على حصة الأسد وما يختفي وراء ذلك من مصالح ضيّقة سياسيا وإجتماعيا وثقافيا وإعلاميا ،لا تنطبق عليها شرط التنافس الأول وهو الإختلاف والتباين في الطروحات والأفكار والذوات الحرّة والمساعي المختلفة ، بقدر ماهي تعكس جوهريا التّماثل في الأهداف البعيدة التي يتفادى الجميع الحديث المفصّل عنها ويتجنّب الإلتزام العملي بإستحقاقاتها التي هي في أصل الخطاب الخارجي والمعلن .

وإن كانت هذه الظاهرة الخطيرة تتجلّى بأسطع صوّرها في السياسة حيث مئات الأحزاب والكيانات والشخصيات السياسية البارزة وجلّها تتصرف عمليا كأحزاب الحزب الواحد رغم المظاهر القانونية والدستورية التي توسم الحياة السياسية عموما، وتنتقل بسرعة خارقة من المواقف والتصريحات والإئتلافات إلى نقيضها المباشر ولا تترك وراءها سوى الدهشة والإزدراء، فالظاهرة لها حاضنتها الإجتماعية الواسعة أيضا، رغم إدعاء الزعامات التقليدية بالعكس، ورغم غرام السّاسة الكاذب بالشعب والجماهير العريضة .

ويعزو العاملون في مجال الإجتماع السياسي إلى أن السبب الجوهري يكمن في تفاقم أزمة الإجتماع المدني في العراق وغيره من البلدان الشبيهة من حيث البنى والتركيبات الإجتماعية المتنوعة ، ويكاد يكون هناك إجماع على أن تفكّك وإنهيار منظومة القيّم الإجتماعية ، فتح الباب على مصراعيه للفوضى وتداخل القيّم وتشابكها وعودة قطّاعات إجتماعية واسعة إلى قيّم الثقافة التقليدية التي لا تستطيع في حقيقة الأمر سدّ الفراغ الناتج ومقاومة تيّار الثقافة المعولم والجارف والعابر للأوطان والمجتمعات بفعل وسائل الإتصال الحديثة والتي لا تصل الينا الاّ كقيّم إستهلاكية على المستوى الإجتماعي وكشعارات دعائية على المستوى السياسي .

إنّ فقدان الجذور العميقة محلّيا وداخل المجتمع نفسه لقيّم الحرية والمساواة والعدالة ، هو الذي يفسّر السبب الحقيقي في التشّبث والتمسّك بتلك القّيّم وتطعيمها في الخطاب الخارجي والسياسي والنظري وعدم الإيمان الحقيقي بها بل ومحاربتها في الخفاء على المستوى العملي .

وإذا كانت المساعي الجدّية لإعادة بناء المجتمع تقوم على مبدأ الأخوة الدينية أو تقوم على مبدأ المواطنة ، تصطدم بواقع التجربة العملية التي أثبتت بما لا يقبل الشّك، بأن لا مفهوم أخوة الدين والإيمان قد نجح في الحيلولة دون التقاتل والتطاحن حتى داخل الدين والمذهب الواحد، ولا نموذج الوطنية الذي ساد طوال العقود الماضية ، قد نجح في إرساء أسس المواطنة وإستطاع ترسيخ الشعور بالمسؤولية الجمعية ، فإنّ المخرج الحقيقي من حالة التخبّط والإنقسام والتشتت الراهن لن ينجح عن طريق تفعيل المزيد من الأدوار الإقليمية والدولية وتدخّلها في صنع القرار الداخلي ، والإستقواء بها في سبيل تحجيم أو نفي الخصوم السياسيين المحليين ، وإنمّا يكمن النجاح في الكشف عن الآليات والقواعد السليمة التي تسمح لنا كعراقيين أن نبني وحدة القرار رغم الإختلاف .











 

 

free web counter

 

=