| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبدالرحمن دارا سليمان
sulimaner@yahoo.fr

 

 

 

                                                                                     الأثنين 11/7/ 2011



العراق : السلطة تحت أقدام الإمّعات

عبد الرحمن دارا سليمان

لم يعد بالإمكان إنتظار المزيد من الفضائح التي تخرج كلّ يوم من رحم النظام التجريبي الذي أقيم في العراق منذ سقوط الديكتاتورية عام 2003 كي تسترجع القطاعات الشعبية الواسعة دورها في الصراع السياسي الراهن والضغط بكل الوسائل المتاحة لديها للأخذ بزمام المبادرة والعمل على تعديل فكر النخبة الحاكمة بعد أن تحوّلت خلال الظروف الإستثنائية التي أحاطت بالبلاد الى طبقة خاصة فوق المجتمع وبعيدة كلّ البعد عن همومه ومشاكله وتطلعاته الحقيقية . كما لم يعد ممكنا ضمن التوازنات السياسية القائمة هذا اليوم، إعادة صياغة الدولة والمجتمع على أسس حديثة، غير تلك التي إرتضتها وإستمرأتها القوى المتنفذة الحاكمة والساعية الى تمّدد الصلاحيات الممنوحة لها على حساب بعضها البعض، وتكييف السلطات المستحدثة بشكل يخدم التراتبية التقليدية في إدارة الدولة وتنظيم المصالح العامة والشؤون الإجتماعية التي ساهمت في إبرازها أكثر، نهج المحاصصة الطائفية والأثنية التي حوّلت كلّ المؤسسات الفتية المنبثقة عن النظام الجديد الى إقطاعيات مغلقة على المحازبين والمرتشين وأمراء الطوائف والمليشيات .

وإذا كان التضارب في الأهداف والمصالح الخاصة والتناقض في الإرادات السياسية المعبرة عنها بين وفي داخل كلّ سلطة من السلطات "رئاسة،حكومة، برلمان"، قد أدّى وكما شهدنا خلال السنوات السابقة الى العجز عن التوصل الى فكرة التكامل في العمل الحكومي المنسق، نتيجة عدم إدراك كلّ طرف منها لحدود صلاحياتها المخوّلة لها دستوريا، وبالتالي فشلها الذريع في توليد أغلبية سياسية ثابتة يمكن أن تقود البلاد الى الإستقرار السياسي المطلوب والخروج من الفوضى والنزاعات المستمرة، فإنّ إنسداد الآفاق أمام العملية السياسية بوضعها الراهن، يستدعي العودة الى الإرادة الشعبية التي تعني إفتراضا في النظام السياسي الذي يتبنى الديمقراطية، بأنها المالكة الشرعية والمصدر الحقيقي والعميق للسلطات على أنواعها .

بيد أنّ ما يعرقل العمل على العودة للتفويض الشعبي هو الإرتباط الوثيق بين السلطات المحلية في أغلب رموزها وقياداتها البارزة مع إرادة الأجندات الإقليمية والدولية وخضوعها شبه التام لها، الأمر الذي رهن ويرهن المصير العراقي للنزاعات وموازين القوى الخارجية ويجعل البلاد، سياسة وإقتصادا، في خدمة الأسواق العالمية وأسير تقلباتها وصراعاتها ومصالحها وسياساتها المتغيرة أبدا، وبشكل بات معه وجود الرموز السياسية المتنفذة ذاتها في مواقع السلطة والنفوذ، خاضعا بدوره لما يمكن أن تقدمه من خدمات جليلة لتلك الأجندات على حساب الصالح الوطني العام . ومن جهة أخرى، فقد عملت السلطات الحاكمة خلال السنوات السابقة، على إحاطة نفسها بطوق من الأتباع والإمعات والحواشي والمقربين في ميادين النشاط السياسي والإجتماعي والإقتصادي والثقافي، وبشبكة واسعة من الموالين والوصوليين والإنتهازيين، مستخدمة المال العام والوظائف الحكومية وإمكانيات جهاز الدولة ومؤسساتها العامة في سبيل ضمان الولاء الأعمى وتهميش الكفاءة والنزاهة ومبدأ المحاسبة والمسائلة المشروعة التي تمثل الجوهر العميق لأية عملية إصلاح سياسية وإجتماعية حقيقية .

وفي الوقت الذي كان من المتوقع، أن تغيّر موجة التفجرات التي تجتاح المنطقة العربية من أشكال تفكير القائمين على السلطة في العراق، وتعيد النظر في الممارسات السياسية والسلطوية السائدة، وتزيد من المراهنة العملية على الحلول الديمقراطية الحقيقية لأزمة الدولة والمجتمع معا، وتشكل عامل دفع إيجابي لتعميق تلك الحلول وترسيخها عبر مؤسسات الدولة المختلفة، إلاّ أنّ ما حصل هو العكس من ذلك تماما، وهو المزيد من التضييق على الحريات العامة ومواجهة التظاهرات الشعبية والإستياء العام من الإداء الحكومي، بأبشع الطرق والوسائل الأمنية داخليا، وإعلان التضامن مع الأنظمة المستبدة والمفلسة والمنهارة والمرفوضة من شعوبها، على مستوى السياسة المعلنة إقليميا، وهو ما يفسّر درجة الخضوع والإذعان والتبعية للسلطات العراقية وما يدفعها الى تبني المواقف والسياسات التي تفرض عليها من الخارج حتى وإن كانت بالضدّ من قناعاتها الداخلية .

وبقدر ما يزداد الخضوع للإملاءات الخارجية، تزداد هشاشة السلطة الداخلية القائمة على الدعم والإسناد المتعدد والمتناقض من حيث المصادر والأهداف والتوجهات، وتبتعد أكثر فأكثر عن تمثيل الإرادة الشعبية الداخلية، لا وبل سيكون من المنطقي والمحتم، الوصول الى التصادم مع مصالح الأغلبية الإجتماعية ومن ثم الرجوع للإعتماد الوحيد على الأجهزة الأمنية وعلى القمع والقوة المفرطة وإستخدام نفس الوسائل القديمة والمعروفة لمواجهة الغليان الشعبي المتصاعد . ولكي تستمر هذه السلطات الجديدة ـ القديمة، في إداء مهماتها الموكلة اليها، ينبغي عليها الإستمرار في تغذية الإنتماءات الطائفية والمذهبية والأثنية والعشائرية والمناطقية التي تشكل بمجموعها الضمانة الرئيسية لإبقاء المجتمع أهليا والحيلولة دون تحوّله الى مجتمع سياسي حديث ومكوّن من مواطنين أحرار يعرفون تماما حقوقهم وواجباتهم، كمقدمة لا بدّ منها قبيل أية إنتخابات حقيقية .

فمن دون العمل على إصلاح المؤسسات الحالية ونعني بالإصلاح إحلال الكفاءة محل الولاء والموالاة، وفي ظلّ غياب القوانين الناظمة للإنتخابات وتشكيل الأحزاب السياسية وإجراء التعداد السكاني والعمل الجدي على إضعاف الولاءات التقليدية لصالح مفهوم المواطنة عبر إحترام الحقوق والحريات العامة وإشاعة ثقافة القانون وإستقلال القضاءوحرية الصحافة ومنظمات المجتمع المدني عموما، لن تكون هنالك فائدة ترجى من الدعوة الى إنتخابات مبكرة سوف تتحكم مرة أخرى بنتائجها، قادة القطعان والإمعات .
 

 





 

 

free web counter

 

=