| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. عقيل الناصري

 

 

 

الأثنين 7 / 4 / 2014



بمناسبة الذكرى الثمانون

صفحات من تاريخية نضال الحزب الشيوعي العراقي

د. عقيل الناصري

صور من المقاومة الشعبية لانقلاب شباط 1963 (1-2) (*) :
وعلى مستوى الشارع السياسي المناهض للانقلاب في بغداد، بدأت جماهير واسعة، قدرت بعشرات الألوف في حينها، حسب تقدير هاني الفكيكي في (أوكار هزيمته) من مختلف القطاعات، وخاصةً طبقاتها الفقيرة والكادحة، بالنزول إلى الشوارع والتظاهر ضد الانقلاب وسلطته في مختلف المناطق كالكاظمية؛ الشعلة؛ الكريمات؛ الشاكرية في الكرخ؛ وفي الرصافة في كل من: باب الشيخ وعقد الأكراد؛ الثورة والكرادة الشرقية؛ شارع الرشيد وغيرها من مناطق بغداد بالإضافة إلى أغلب المدن العراقية، بحيث أذهلت قيادة الانقلاب. يقول طالب شبيب بهذا الصدد: [فعند اندلاع 8 شباط واجهنا مقاومة شديدة وانكشف لنا وجود تنظيم شيوعي واسع داخل الجيش وخارجه.]
(1) .

كما أن بعض جنود ومراتب سائقي دبابات الانقلابيين حاولوا بطريقتهم عرقلة الانقلاب. يذكر محمود شيت خطاب ذلك بالقول: [... وكان سواق أكثر الدبابات من الجنود، موالين لقاسم، فكان الضابط المسؤول عن الدبابات يأمر السائق بالسير، والسائق يتغنى: (عاش الزعيم عبد الكريم ) و( ماكو زعيم إلا كريم )... الخ. ومن الصدف أن قسماً من الضباط المسؤولين عن الدبابات كانوا يحملون مسدسات صغيرة، ولكن بلا عتاد!! فكانوا يصوبون مسدساتهم إلى السواق لحملهم على التقدم إلى هدفهم، والسائق يجهل أن المسدس المصوب إلى رأسه ليس فيه عتاد.

وحدث أن أكثر من سائق من سواق الدبابات، صدموا دباباتهم بالأبنية (كما حدث مع الدبابة التي أحتلت المرسلات في أبو غريب وعطلت الكهرباء بصورة مؤقتة - الناصري)، فتوقفت عن الحركة وسقط الضابط فاقد الوعي مضرجاً بدمائه، وقتل السائق فوراً، لأن السائق من أنصار عبد الكريم قاسم ومنظم في حزب (المطلب العظيمي) (يقصد به الحزب الشيوعي - الناصري).]
(2) .

في الكاظمية نجحت جماهير واسعة، بقيادة الشيوعيين ومؤيديهم [... بقيادة هادي هاشم الأعظمي عضو سكرتارية الحزب، (قبيل إلقاء القبض عليه وانهياره التام - الناصري)، والمقدم المتقاعد خزعل السعدي، عضو القسم العسكري في الحزب وحمدي أيوب العاني عضو لجنة بغداد.]
(3)  في الاستيلاء على بعض مراكز الشرطة و شرطة النجدة ووزعت أسلحتها على المتطوعين، وأحكمت سيطرتها على المدينة وظلت تقاوم الانقلاب مدة ثلاثة أيام، ولم تتم السيطرة عليها إلا في مساء اليوم العاشر من شباط، بعد نفاذ ذخيرتها، وعدم قدوم النجدات المتوقعة، وضعف قدراتها وإمكانياتها في مقاومة قوات الجيش المزود بالدبابات والمدفعية التي بواسطتهما تمكن الانقلابيون من السيطرة على المدينة. كما لعب الشيوعي البسيط المعروف (سعيد متروك) دوراً بارزاً في التصدي وتنظيم الانسحاب، مما أثار حفيظة وحنق الانقلابين عليه، حيث مثلوا بجثمانه بعد قتله بوحشية مقززة انتقاماً لبسالته.

وفي الوقت ذاته كانت الجماهير المناوئة للانقلاب تقاوم وتهاجم بالأسلحة البسيطة مقر دار الإذاعة والتلفزيون في الصالحية والكريمات، بغية احتلالها خاصةً بعدما اتخذها الانقلابيون مقراً لهم، لكن مجيء دبابات الكتيبة الرابعة شل عملية الاحتلال بعد أن وقعت بينهم خسائر فادحة، وبقيت المناوشات قائمة ضدهم إلى اليوم التاسع من شباط. وهذا ما أشار إليه كل مؤرخي تلك الليلة، كما سنرى لاحقاً.

كذلك هبت جماهير واسعة في الرصافة وتجمهرت أمام وزارة الدفاع للمطالبة بالسلاح لأجل حمايتها والدفاع عن الثورة وقيادتها وحلمها المنشود، من قوى الانقلاب، بعدما لبت نداء الضمير الذي أيقظته غريزتها وسليقتها الثورية، للدفاع عن جوهر ذاتها ومطامحها التي يُراد ذبحها قرباناً لشهوة الحكم، والمطامع الغربية وتدفق النفط إليها. كانت الجماهير تلح في طلب وسيلة الدفاع (السلاح) الذي كان يعوزها، فلم توفره لا قيادة الحزب الشيوعي، ولا الزعيم قاسم، الذي لم يكن يرغب في إسالة أنهار من الدماء وقيام حرب أهلية، كما كان يردد آنذاك. كان حتى في هذا الظرف المعقد للغاية، مغلف بطوباوية فهم الصراع وطبيعته؛ جديته وحدته. ومع ذلك بقيت هذه الجماهير العزلاء تعمل جاهدة على منع قوى الانقلابين المهاجمة من الوصول إلى الوزارة، حتى أنها هجمت على الدبابات وعطلت اثنتان منها بعدما هاجمتها من الخلف وقتلت طاقمها في داخلها. ولم تستطع الدبابات الأخرى من الوصول إلى الوزارة إلا بعد أن خدعت الجماهير المحتشدة وذلك بلصق صورة الزعيم على واجهتها والهتاف بحياته، ففسح المجال لها بالمرور.. وما أن أستقرت أمام باب الوزارة حتى صبت نيرانها على الكتل البشرية المحتشدة أمام الوزارة لتفريقهم بعد أن أوقعت فيهم خسائر كبيرة، ومن ثم توجيه نيرانها نحو وزارة الدفاع. كان بطل هذه المجزرة العقيد المظلي عبد الكريم مصطفى نصرت، كما شخصه إسماعيل العارف في مذكراته
(4) . وبكلمات العقيد نفسه [... فإن القوة المهاجمة واجهت صعوبات عديدة في إبعاد هؤلاء الناس عن طريقها وعن وزارة الدفاع. وحاولت القوة في البداية تهدئتهم بوسائل مختلفة... ولكنها لجأت في النهاية إلى الحزم والعنف، كانسة إياهم بعيداً، وسقط المئات.](5) .

أما المقاومة الشديدة التي أبدتها جماهير عقد الأكراد في شارع الكفاح في رصافة بغداد فكانت ملحمة شارك في ذروتها [... يوم 8 شباط (فبراير) إلى ما يقرب من 4000 رجل لكنها تناقصت بعد ظهر التاسع منه إلى حوالي 1500 ولم تعد تزيد صباح العاشر عن حوالي 500 كلهم أعضاء في الحزب الشيوعي أو من مؤيديه الأقربين. وكان قائدهم محمد صالح العبلي، أحد سكرتيري الحزب.]
(6) آنذاك [... وقد امتاز بدقة التنظيم والإدارة الفعالة والمبادرة الثورية. فكتب أحد المشاركين فيها في مجلة الثقافة الجديدة تحت عنوان (المقاومة المسلحة في حي الأكراد) مشيراً إلى العبلي قائد المقاومة بالقول: "... كنا نجد لديه الإجابة على أي سؤال أو استفسار ينشأ في مجرى المعركة... كان السلاح شحيحاً ولكن الجميع كان بانتظار الحصول عليه في غمرة الاشتباك مع قوات الانقلابيين. وهكذا كنا مستعدين للمعارك بالمعاول والأيدي..." "... وأحاطت دبابات المتآمرين بالمنطقة لمنع وصول جماهير مدينة الثورة لإسناد المقاومة. وكانت خطة الانقلابيين تقضي بإنهاء المقاومة بأسرع وقت ممكن من دون الالتفات إلى عدد الضحايا واعتمدت على القصف العشوائي المكثف واقتحام مناطق المقاومة وإنارة المنطقة المحيطة لكي يصعب التسلل منها و إليها ليلاً.

واستمرت المقاومة ثلاثة أيام بعد مقتل قاسم، تشتد ضراوة وعنفاً... واقتحمت العصابات المسلحة للانقلابيين في 10 شباط 1963 حي الأكراد وبروح انتقامية فاشية، انتهكت جميع الحرمات والمحرمات... وتحولت سينما الفردوس الواقعة في ساحة النهضة إلى معتقل لأبناء المنطقة.

وحول ذات الموضوع يوصف بإسهاب الصحفي والروائي إبراهيم الحريري في مقابلات عديدة معه ويقول "...كان داري في منطقة الشاكرية خلف كرادة مريم.. وكنت في عضوية المكتب العمالي الذي كان يقوده عضو المكتب السياسي هادي هاشم الأعظمي.. ويوم 8 شباط كان لي موعد مع بديع عمر نظمي. وبعد سماع بيانات الإذاعة توجهت إلى الجماهير المحتدشة هناك وتوجهت بهم إلى محطة الإذاعة والتلفزيون في الصالحية وتم تطويق المحطة من قبل الجماهير التي جاءت من مختلف الأماكن بالكرخ.. لقد توجس فوج الحرس الحامي للمحطة. وبعد فترة وصلت دبابات عددها ثلاثة وعلى مقدمتها صور الزعيم عبد الكريم قاسم.. وقد فسحت الجماهير المحتشدة الطريق لها.. وما أن استقرت في الاماكن المخصصة لها حتى بدأت برمي الرصاص على الجماهير. 

بعدها ومع اشتداد المقاومة بالكريمات، ذهبت إلى جانب الرصافة وبالتحديد ساحة النهضة، حيث رأيت جمهرة من الشيوعيين المعروفيين منهم: لطيف الحاج، كامل كرم (ابو علاء) عصام القاضي، محي عبد الرحمن وكذلك فتاح حمدون وغيرهم.. وجرت مقاومة للحرس القومي وقطعات الجيش المدرعة القادمة من منطقة الفضل. وفي حدود الساعة 14-15 تم الانسحاب نحو عكد الأكراد واصبحنا مطوقين من جهتي ساحة النهضة وكذلك من باب الشيخ. كان يقود المقاومة محمد صالح العبلي وكذلك الدكتور حسين الوردي وجمعٌ من قيادي الحزب وكان اصغر واحد منهم عضو منطقة، يقدر عددهم بين 30-40 رفيقاً. وبعد أن تأكد لنا عدم مصداقية الإشاعات التي مضمونها قدوم وحدات عسكرية من بعقوبة والعمارة.. وبعد فتور المقاومة وقلة السلاح جرى اجتماع للقياديين جرت فيه مناقشة مستعجلة حول مدى استمرارية المقاومة. فطرحتُ رأياً انه بالوضع الحالي وما نملك من سلاح لا يمكن التصدي إلى الانقلاب، فلا بد من إنهاء المقاومة والحفاظ على الكوادر ومن ثم صيانة الحزب.. ولذا قُبِلَ هذا الاقتراح وبدأنا نتسلل فرادا من منطقة عكد الأكراد في رصافة بغداد."
(7) .

ويضيف العضو القيادي في الحزب وعضو لجنة طوارئ بغداد
(8) وعضو مكتب منطقتها الحزبية كامل كرم ( ابو علاء ) يقول: "... بعد سماع خبر الانقلاب خرجت من البيت إلى منطقة باب الشيخ، ومن هناك ذهبنا إلى وزارة الدفاع وبعد قدوم الدبابات وهي تحمل صورة الزعيم على واجهاتها.. وعند حلول الظهر جاءنا إيعاز حزبي بالذهاب كل إلى منطقته حيث يستطيع حث الناس على مقاومة الانقلاب وتطبيق خطة الخطواريء والمتمثلة في تجميع السلاح وتم ذلك بالفعل.. وقد تجمعت في ساحة النهضة /شارع الكفاح كتل جماهير حاشدة والكثير من القياديين منهم: العبلي ولطيف الحاج وباسم مشتاق وزياد الخفاجي وصباح أحمد وغيرهم من الكوادر الوسطية، التي أخذت على عاتقها تنظيم المقاومة ومنها: إقتحام مركز شرطة باب الشيخ المجاور للحضرة الكيلانية، وتوزيع الكوادر على الشوارع للتصدي لقوى الانقلاب المدنية التي بدأت تهاجم المتظاهرين من جهتين.. في البدء من جهة محلة بني سعيد وكانت البادئة في رميه المتظاهرين بالرصاص؛ والثانية من منطقة باب الشيخ.. خاصةً بعد عدم التمكن من السيطرة على مركز الشرطة نتيجة تمركزهم على سطح البناية من جهة، وقلة اسلحة المقاومين وقدمها، بل بعضها لم تعمل وفساد بعضها كالقنابل اليدوية. ونظرا لهذا الوضع تم صنع قتابل مولتوف وكذلك البحث عن السلاح من أحد تجاره الكرد في المنطقة حيث تم تزويدنا ب 10 قطع من مسدسات وبعض الرشاشات وعتادها. وفي الوقت نفسه وصلت مجموعة من المقاومين القادمين من مدينة الثورة زكمب الأرمن في حدود 40 مقاوماً وتم توزيعهم على بعض النقاط لصد هجوم قوى الانقلاب التي عززت ذاتها وقدرتها العسكرية وبدأت ترمي المنطقة بالقنابل زالرصاص الكثيف.. مما أثار حفيظة السكان وطلبوا منا على مغادرة المنطقة. ولأجل تخفيف الضغط علينا وعلى الناس فقد تم الايعاز بأعمال من خارج المنطقة وقد كلفت بقيادة العمل من محلة القشل والهيتاويين .. وخرجنا من منطقة عقد الاكراد زحفا، نظراً لكثافة الرمي، لعبور شارع الكفاح إلى منطقة الصدرية وكنا عدة رفاق هم: علي ولي وعباس عبايه وعلي حسن وخليل ( نسيت أسم أبيه) وانا.. واجتمعنا كي نضع خطة التحرك في بيت الرفيق علي حسن، حيث أُقرت الهجوم على قوى الانقلاب من خلال منكقتين هما: شارع الكفاح ، وايضاً من خلال شارع الوثبة. لقد لعب الشهيد علي حسن (ابو حيدر)(9)  دوراً مهما في المقاومة وتخفيف العبء على المقاومين في عقد الاكراد. حتى أن والدته الكبيرة السن كانت تنقل العتاد لهم ب( الزنابيل ) مخفيةً تحت عباءتها.

أنذاك إزدادت قوى الانقلاب شراسة وتم الهجوم على منطقة القشل وتم انسحابنا من خلال السطوح وذهبنا كلٌ إلى داره يوم 10شباط... وفي 19شباط تم كبس دارنا في البياع وكان دليل الحرس القومي عضو المكتب السياسي هادي هاشم الاعظمي.. وقد هربت من خلال الجيران.. ومن ثم سافرت إلى كربلاء للاختباء ومنها إلى البصرة وإلى إيران "
(10)


الهوامش:
(*)
مستل من كتاب الانقلاب التاسع والثلاثون، عبد الكريم قاسم في يومه الاخير، في طبعته الجديده المنقحه والمزيدة ، سيصدر قريبا بمجلدين عن دار الجمل في كولونيا.
(1) د. علي كريم سعيد، مراجعات، مصدر سابق، ص 191.
(2) راجع التقرير الذي كتبه (المؤرخ العسكري) اللواء المتقاعد محمود شيت خطاب، إلى أحمد فوزي والمنشور في كتاب أين الحقيقة في مصرع، مصدر سابق، ص 132
(3) بطاطو، الجزء الثالث، مصدر سابق، ص 293.
(4) إسماعيل العارف، المذكرات، مصدر سابق، ص 413.
(5) حنا بطاطو، الجزء الثالث، مصدر سابق، ص 295
(6) المصدر سابق، ص 297
(7) عدة مقابلات جرت في شهر نيسان/ ابريل 2009.
(8) أسس الحزب لجان طوارئ شملت العراق كله، ومتفرعة عنها لكل محافظة.. وكان المشرف على منطقة بغداد عضو المكتب السياسي محمد صالح العبلي. وأشرف بنفسه على تجميع السلاح
(9) كادر حزبي نشيط في اعدادية النضال آنذاك، ومن ثم تفرغ للعمل الحزبي وأصبح من الكوادر المتقدمة، وتم اعتقاله وزوجته السيدة زهور اللامي وطفلهمها الرضيع عام 1979، وتم إعدامهما الحياة بعد ارسال ابنهم إلى عائلة أبيه.
(10) مقابلة جرت في داره في ستوكهولم بتاريخ 19/ شباط 2014.





 

 

free web counter

 

 

كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس