| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. عقيل الناصري

 

 

 

 

السبت 7/4/ 2007

 

كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 

من تاريخية الجمهورية الأولى

 

واقعة قصر الرحاب
ومقتل العائلة المالكة
(1-3)

د. عقيل الناصري

يوسم العديد من الكتاب والباحثين والسياسيين، ثورة 14 تموز بالعنف والدموية ويعتبرونها بداية بروز (الظاهرة السلطوية) و(حكم العسكر) وبالتالي (المدخل للكارثة) التي أصابت ماهية العراق، نتيجة تفجيرها لكل الإشكاليات والتناقضات والتوازنات الدقيقة الكامنة بين مختلف تكويناته الاجتماعية وانماطه الاقتصادية وما يستنبط منهما من بنى ارتكازية وعلاقات اجتماعية، من تصورات مستقبلية وتطورات احتمالية، من ممارسات عضوية وفعاليات حيوية، وكذلك في فتحها باب السلطة للعسكر والجندرمة. بمعنى أنهم يؤكدون على بعض الجوانب الإحتمالية ذات البعد السلبي منه وبالأخص السمة العنفية للثورة دون غيرها من التاثيرات.. بل ويحملوها أكثر من طاقتها، خاصةً عندما يسحبون عليها كل تلك المأسي التي حلت بالبلد منذ ولادتها، مروراً بالقضاء عليها وعلى قائدها في شباط 1963، والمطاف غير المنتهي من الدمار الذي حل منذ القدوم الثاني للبعث عام 1968، لا بل ويحملون الثورة وزر الاحتلال الثالث( 2003-  ) وما أعقبه من عودة للعصور الظلامية.

يُذكرنا التاريخ بأن الكعبة تحتل مكاناً قدسياً عند العرب قبل الإسلام.. وإزدادت هذه المكانة علواً وسمواً وإكتسبت ركناً دينياً مهماً في منظومة القيم الاسلامية، بعد انتصار الثورة المحمدية. لكن هذه المكانة لم تمنع بعض (خلفاء المسلمين) من ضربها بالمنجنيق عندما اعتصم بها بعض الثائرين على نظام الخلافة الأموي. ترى هل يمكن تحميل الإسلام، كمنظومة مبادئ وقيم، لمثل هذا الخرق من قبل أحد الخلفاء؟ لقد أسست الثورة المحمدية، في وقتها، نظاما اجتماعيا أكثر استجابة للتطور بالمفهومين العملي والقيمي، لكن هذا لم يمنع السلطة السياسية في سياق الصراع الاجتماعي الذي شهده المجتمع الإسلامي بعد توسعه وإنتشاره، بين قواها ومناهضيها، من استباحة الحرم المكي. كما أن هذه الواقعة لا تفسر البتة من أن الاسلام يقف ضد المكانة المقدسة للكعبة. وهنالك أمثلة عديدة تضرب في التاريخ الانساني وفي منعطفاته الثورية الجذرية منذ ثورة العبيد (سبارتكوس) مروراً بالثورة الفرنسية والروسية (الاشتراكية) والصينية والتموزية العراقية وغيرها، التي تشير إلى الاختلال العملي، المؤقت، للمبادئ المعلنة لتلك الثورات وقيمها الانسانية المنشودة.

هذه النظرة وذلك المنهج يمكن تطبيقهما على ثورة 14 تموز التي كانت بمثابة نقلة نوعية لطبيعة الانماط الاقتصادية وعلاقاتها المتبادلة، وطبيعة التركيبة الطبقية للسلطة وآلية العلاقة بين الحاكم والمحكوم وقواعدها المنظمة.. لذا لا يجوز تحميل الثورة وزر من قام بالضد منها والنافي لمضامينها والطارد لها قسراً من الحياة، رغم ما رافق سيرورتها من عثرات و إحتراب وهي بمثابة أكلاف اجتصادية لذات التطور وتعبير عن ماهية صيرورتها التاريخية.

 إن هذه النظرة المجتزية للثورة:

-       بقدر ما أنها جزئية، تنظر إلى نصف الكأس الفارغ فقط؛

-       بذات قدر تعبر عن المنهج الشكلي في رؤياه للظواهر الاجتصادية؛

-   وتفصح عن الجهل بتاريخية العراق السياسي وعدم دراية بما لعبه عنف الدولة، المادي على وجه الخصوص، ومؤسساتها في تثبيت كينها وفرض سيطرتها وضمان تنفيذ قرارها المركزي؛

-       كما أنها غير مدركة نظرياً، على الأقل، لأهمية ودور العنف في التحولات الجذرية بإعتباره (مولدة التاريخ )؛

-   وتتناسى منهجياً عدم إمكانية النظر في التاريخ من زاوية متجردة، كما هو الحال مع الطبيعة مثلاً، لأن التاريخ هو حصيلة تداخل الذاتي بالموضوعي، المرغوب بالمفروض والخيالي بالواقعي.

-   كما أنها تنطلق من واقع السكون وقيمه، وليس من واقع الحركة وديناميكيتها، التي تستوجب التفاعل والصراع، وضرورتيهما للتطور.

وإذا ارادوا إدانة الثورة في جانبها العنفي، كان الآحرى بهم أن يشيروا علينا إلى أي تغيير جذري حقيقي جرى بدون حدٍ من العنف على إمتداد التاريخ الانساني؟ ومن جانب آخر كان المفروض، منطقياً وعلمياً، إدانة كل أنواع العنف، بدءً على الأقل ما يخص موضوعنا، من ذلك الذي رافق تأسيس الدولة العراقية الحديثة وتثبيت مؤسساتها وأنظمتها وسريان مفعول قرارها المركزي؛ وما اقترفته من مجازر وحشية ودموية ضد انتفاضات العشائر الفلاحية على إمتداد النصف الأول من القرن المنصرم، وقمع الحركات الكردية المتكررة والآثورية عام 1933، وعلى الأخص ضد الفلاحين الذين جردوا من أراضيهم بالقوة، المادية واللا مادية، لدعيم سلطة الاقطاع الناشيء، الذي أمسى أحد أهم عناصر القاعدة الاجتماعية للحكم الملكي، الذي توضح تاريخيته مدى استخدامه للقوة والعنف في حل إشكاليات الحراك الاجتماعي للطبقات الجديدة ولمطلبها في تداول السلطة سلميا.

 بمعنى آخر أن نخبة الحكم الملكي بغلقها تداول السلطة عبر العملية الانتخابية السلمية وتزويرها لها، قد فتحت المجال على اوسع ابعاده في استخدام العنف سواءً من المقهورين أو من قبل أخصائي العنف المنظم- الضباط، في الحياة الاجتماعية/السياسية. أي أنها كانت بصورة مباشرة وراء شروع العسكر في ولوج السلطة من جهة، ومن جهة ثانية كان لذوي الأصول العسكرية حضورٌ جداً كبير ومفصلي في السلطة وقوام نخبة الحكم الملكية.[1]

إن التغييرات الجدية والجذرية، وفي سياق تحقيق صيرورتها الذاتية، وما ينجم عنها من ولادات اجتماعية فكرية حديثة، ترافقها بالضرورة الحتمية آلام ومصاعب وعنف يصيب ،على الأقل، الطبقات والفئات التي خسرت، مواقعها الاجتصادية والسياسية وفقدت إمتيازاتها وحظوتها في السلطة.لذا يتوقف حدة العنف، بالأساس، على مدى درجة مقاومة هذه الطبقات المهزومة وطرق عملها المضاد، والذي يتوقف، في بعض جوانبه العملية، على مدى تحكمها بعناصر القوة وعلى تحالفاتها الاجتماعية والسياسية، الداخلية والخارجية. والأهم هو موقف المجتمع سيسيولوجيا من مدى استخدام القوة في حل إشكاليات الحياة، وبالتالي حدة الصراع الاجتماعي في كل تجلياته. ومن الضروري الإشارة إلى أن كل المجتمعات الانسانية، بدون إستثناء، إستخدمت ولاتزال تستخدم العنف، بدرجات متفاوتة نسبياً، المادي منه والمعنوي.. حيث توجد عوامل أرأسية متشابكة، وما يشتق منها ويستنبط، تؤثر جدلياً في مديات هذا الاستخدام، منها على سبيل المثال لا الحصر:

-       ما له علاقة بدرجة التحضر والتمدن؛

-       الإرث الثقافي السيسيوتاريخي؛

-       الظروف الجيو سياسية؛

-       الممارسة المادية لنشاط البشر وتعاملهم؛

-        وبالتالي طبيعة التركيبة الاقتصادية؛

-        ومن ثم ماهية الوعي الاجتماعي السائد، ميثيولوجيا كان أم دينيا أم ذو طبيعة صنمية أو خليط منها؛

-    طبيعة النظرة الفلسفية للحياة، فالفلسفات الوسطية غير الحدية، غالبا ما يرافقها روئ فكرية وممارسات حياتية أقل استخداماً للعنف في حل الإشكاليات.

أن ما حدث في صبيحة يوم 14 تموز من عنف مادي وسفك للدماء، من حيث الكم، يكاد لا يذكر مقارنةً بالثورات والتغييرات الجذرية التي حدثت في التاريخ الانساني البعيد أو القريب، في دول المنطقة، أو تلك التي شهدها العراق المعاصر سواءً: في مفاصله الجذرية؛ أو/و خلال حالات ارتقائيته الاجتصادية؛ أو أثناء الصراع السياسي بين الدولة والمكونات الاجتماعية أثناء الانتفاضات الشعبية والحراك المتعدد وما رافقهما من أحكام ذات طابع قمعي .. وهذا ليس تبريراً لما حدث صبيحة يوم 14 تموز ولا استحساناً للعنف لذات العنف، قدر التأكيد على كونه حالة اجتماعية ملموسة ومرصودة علمياً في تاريخ شعوب المنطقة برمتها، وفي تاريخ العراق منذ إنبثاق الحضارات الأولى فيه، مروراً بالكبوات الاحتلالية التي صادفته وخاصةً الثلاثة الأخيرة في العصر الحديث. " إن البحث في ظاهرة العنف الإنساني ليس سهلاً لذا كان من المنسب لفهم هذه الظاهرة وتفكيكها أن تعتمد على أدوات بحث معرفية تستفيد من حزمة من العلوم المعاصرة مثل علوم النفس والاجتماع والتاريخ والتكنولوجيا والانثروبولوجيا... لأن العنف ليس حالة عابرةً بل هو وضع مألوف من التوترات والمجابهات ولأن العلاقات الانسانية تقوم على أرضية من الصراع والتناقضات وبذلك يكمن العنف كتهديد دائم قابل للإنفجار دوما...[2]".

وعلى ضوء ذلك أرى أن سمة العنف التي توسم بها الثورة، بصورة غير موضوعية، قد نجم عن جملة مسببات، أزعم أن اهمها هي:

-       أن العنف قد طال أقطاب الحكم الثلاثة:الملك، ولي العهد ونوري السعيد[3] ؛

-       وقد عمقه القتل غير المقصود لبعض أعضاء العائلة المالكة؛

-       التمثيل بجثمان عبد الإله والسعيد؛

-        صغر سن الملك المقتول ولا مسؤوليته عن موبقات الحكم؛

-       ما لعبه الاعلام الغربي، على وجه الخصوص، من التهويل للجوانب اللا انسانية التي اقترفتها الجماهير عفوياً؛

-       تبني القوى الاجتماعية المهزومة، لذات العنف بعد نجاح الثورة لأجل إجهاضها أو عرقلة مسيرتها على الأقل؛

-   تبني العنف من قبل بعض القوى الاجتماعية التي كانت مع الثورة في البدء، وعمقته بعد مساراتها اللاحقة عندما استولت على السلطة، وهذا ما وسم الجمهورية الثانية (شباط 1963- نيسان 2003) برمتها تقريباً؛

-       الضغط السياسي الذي مارسته الطبقات الاجتماعية الدنيا والذي اقترنت بعض مفاصله بالعنف المادي؛

-   التيه الذي ميز مسارات الثورة صعوداً وهبوطاً نتيجة لصراع القوى الاجتماعية وإنقسام الطبقة الوسطى الذي هو من قانونيات تطورها وتبلورها؛

-       الانقسام والانشقاق في صفوف الضباط الأحرار وهم من الطبقة الوسطى؛

-   الممارسات البشعة التي مارستها أنظمة الحكم التي إغتصبت سلطة 14 تموز وقضت عليها، فكانت فاجعة رمضان محطتها الأولى؛

-   ما لعبته القوى الخارجية (الإقليمية،عربية وغيرعربية، والدولية) من تحريض ومن ثم التبني العملي للمحاولات الانقلابية العنفية؛

-   كما لعبت التركيبة النفسية للمجتمع وأرثه الثقافي السيسيولوجي والعلاقات البطريكية (الأبوية) دورها والتي صورت ما حدث بلغة التحليل النفسي هو أشبه بجريمة قتل الأب الروحي للنظام ( الملك ).

في البدء لابد من الإشارة إلى أن الشعوب الأسيوية يعمها تداخل بين الوظيفة الأخلاقية للأب في الأسرة والوظيفة السياسية للملك.إذ يعتبر الملك المستبد أنفسه أباً للجميع، وبالتالي يضفي على ذاته البعدين الأخلاقي والسياسي. وهذه الحالة تتعمق في تلك الشعوب التي تعمها العلاقات الأبوية والقبلية ببعدها الذكوري، التي تفرض مكانةً خاصة للأب لا يجوز معارضته أخلاقياً "ولا إعتراض على أمره فقراره مطاع واحترامه واجب مفروض على الجميع، فينقل هذا التصور الأخلاقي إلى مجال السياسة ويتحول إلى كبت المعارضة أياً كان نوعها وتصبح الانتقادات التي يمكن أن توجه إليه(عيباً) فنحن نتقل من الأخلاق إلى السياسة ونعود مرة أخرى من السياسة إلى الأخلاق وذلك كله لتبرير الحكم الاستبدادي [4] " وعليه فإذا كانت معارضة الملك عملية لا اخلاقية، فكيف سيكون قتله ؟! 

وعند مناقشة هذا الموضوع بعلمية وضمن الاستقرائية التاريخية، يطرح السؤال التالي نفسه: ترى هل كان مقتل الثلاثي: الملك، الوصي والسعيد " عملاً وحشياً ولا انسانياً؟ ربما لا يكون إصدار مثل هذا الحكم ملائماً. ولكن علينا أن نضيف، لا تبريراً بل توضيحاً، أن نوري وولي العهد لم يكونا أبداً رحيمين بحياة الناس. ثم أيستغرب أن تنبع اللا إنسانية من الأوضاع اللا إنسانية التي كان يعيشها (شرقاوية) سكان الأكواخ الطينية في بغداد؟ [5] والفلاحين المدقعين في الأرياف وبائعي قوة العمل في المدن والحواضر؟ لأننا نعرف [ إن القوة تُفسِد ولا نستطيع أن نثق بأن للملوك قلوباً طيبة] كما قال الروائي ثرولوب. إذ كان ولي العهد "غير ذي كفاءة ومكروهاً من الشعب وصديقاً قوياً لبريطانيا، وكان في وسع  الحكومة البريطانية أن تشعر بأنَّ العراق بأمان في يديه... ولم يكن الملك فيصل الثاني الشاب مؤهلاً لمقاومة مدّ التاريخ... [6] ". وهذا الكره شمل السعيد ذاته وهو ما اشار إليه مراراً.

توضح العودة إلى تاريخية الحكم، منذ تأسيس الدولة الحديثة عام 1921، وممارساته العملية في إدارة الصراع الاجتماعي وحل إشكاليات الحياة، خاصةً بعد تطور أدوات القمع لديه، مدى إستخفافه بحياة المواطنين وقيمهم الإنسانية، من خلال استخدامه غير المبرر للعنف المكثف، و إخضاعه للعشائر المتشظية لسلطته، مرورا بإجهاض الحركات الشعبية في أطرها الوطنية والقومية، وفي قمع المطاليب الاجتماعية للعديد من المكونات العراقية، العرقية والاثنية (الكردية خاصة) سواءً في الريف أو المدينة، للطبقات أو الفئات الجديدة، لعموم مساحة العراق أو بعض مناطقه. لقد وصل استخدام العنف المادي درجة أثارت حفيظة حتى بعض أعضاء النخبة الحاكمة في منتصف ثلاثينيات القرن المنصرم[7]، ومن ثم بعد إغتيال الملك غازي، وما قام به ثنائي الحكم، ولي العهد و نوري السعيد، لقواد حركة مايس واعدامهم الحياة، وقمع حركة العمال في كاورباغي (1946) ومجازر وثبة كانون 1948 واعدام الحياة لقادة الحزب الشيوعي. كذلك ذلك العنف المستخدم بدرجة غير مبررة، لإخماد الانتفاضات الشعبية والحراك الاجتماعي في المدينة والريف في الأعوام 1952و1954و1956، وقمع انتفاضات الفلاحين العادلة عام 1957 وإسقاط الجنسية (عنف لا مادي) عن النشطاء السياسيين..الخ.

كما قلنا لم يكن هذا الثنائي رحيمين بالناس مطلقاً.. حتى كان كلاهما يعرفان ذلك ويصرحا به . إذ يشير ضابط استخبارات الحرس الملكي فالح حنظل إلى هذه الحقيقة من خلال ما قاله ولي العهد مرة لأحد الضباط: "اسمع يا بني...أنا اعرف بأنني مكروه، فمهما فعلت للعراقيين فأنا مكروه منهم" و " كان عبد الإله يدق المسامير في نعشه ويهيء هذا النعش (وقد مات دونه ) قبل ثمانية عشر سنة من مقتله وفي يوم 14 تموز 58 دق آخر مسمار في نعشه [8] ".

 لقد نظرت النخبة الحاكمة آنذاك وخاصةً (الوصي والسعيد) بإستخفاف إلى القوى الجديدة التي بدأت تظهر في المجتمع العراقي وتبحث عن مكانة لذاتها فيه، وفي إدارة السلطة وتداولها سلميا. " أن الأمير ونوري السعيد وصالح جبر كانوا جميعهم داخل اللعبة البرلمانية الهادفة إلى ابتزاز حقوق الشعب في أن يحكم نفسه بنفسه كما هو المآل في روح الديمقراطية اليبرالية وحصر المقاعد البرلمانية بطبقات خاصة وعوائل معدودة طالما توزع افرادها على القوتين المتصارعتين الأمير أو نوري السعيد فهي تضمن حصتها في المقاعد البرلمانية إذا كانت الريح مع هذا أو ذاك ولا سيما في العوائل العشائرية [9] ".

 كما أن هذه النخبة لم تأخذ بتطوير النظام نفسه وإعاد إنتاج مكوناته بما يتفق وواقع البلد وروح العصر و " وفق مقتضى الحال وتخليصه من الفوضى والإضطراب وتسخيره للأغراض الخاصة طيلة بقائه في التطبيق الفاسد، مما جعل الشرعية الدستورية رابعة الغول العنقاء والخل الوفي يسمع بها الناس دون أن يراها واحد منهم، سوى أن الشرعية الدستورية يراها رئيس الحكومة القائمة هو وزملاؤه وحدهم ما داموا في الحكم فإذا ابتعدوا عنه فإنهم يؤكدون غيابها-عن الحكومة التي تخلفهم اي كانت تلك الحكومة[10]".     

ومن الجدير بالذكر، أن ولي العهد كانت لديه شعبه استخباراتية خاصة به ترتبط، إداريا بلواء الحرس الملكي، وكان يرأسها المقدم محمد الشيخ لطيف يعاونه مجموعة من الضباط، عُرف منهم الملازم فالح زكي حنظل [11]. وكان من واجبات هذه الشعبة مراقبة، ما أمكن، ولاء منتسبي الحرس الملكي وكذلك معرفة ماهية التكتلات السياسية في الجيش وتوجهات الضباط عامةً و الأحرار وحركاتهم وتنظيمهم خاصةً.. وهذا يعتبر مخالفة دستورية.

يتبع


[1] - للمزيد راجع كتابنا الجيش والسلطة في العراق الملكي، ط.2، مديرية الشؤون الثقافية، بغداد 2006.

[2] - صبحي درويش، هل نحن بحاجة إلى غاندي جديد، موقع الجيران الالكتروني في 02/ 04/ 2007

[3] - من المعروف أن اللجنة العليا للضباط الأحرار سبق وأن ناقشت في ربيع 1958 الموقف من ثلاثي الحكم، وإستناداً لرجب عبد المجيد فقد "  قررت اللجنة العليا... نفي الملك فيصل الثاني ومحاكمة ولي العهد عبد الإله ورئيس الوزراء نوري السعيد بلا أبطاء وتنفيذ ما يصدر بحقهما من أحكام فوراً "  بطاطو،ج.3،ص. 104. وهذا يتماثل مع ما جرى في الثورة المصرية عام 1952. أي إعلان الجمهورية على مرحلتين. لكن كتلة قاسم بعد إختمار فكرة انفرادها بالتنفيذ.. قررت الإعلان عن الجمهورية وإختصار الطريق فيتحفظ على الملك لحين إستتبات الأمور ومن ثم يُبعد إلى الخارج. ولم يكن مقرر سلفاً قتله وعائلته، رغم أن هذا الموضوع قد أصبح أحد أوجه الخلاف بين القوى السياسية بعد الثورة.

[4] - ياسر جاسم قاسم، ماركس يقدم تفسيرا متميزاً، جريدة الزمان، ط. الالكترونية، في 20/03/2007.

[5] - بطاطو،ج.3، ص. 111-112، مصدر سابق.

[6] - جيف سيمونز، ص.134، مصدر سابق.

[7] - للمزيد راجع مذكرات ناجي شوكت، سيرة وذكريات، بجزئين، ، اليقظة العربية، بغداد 1990، كذلك عبد الرزاق الحسني، تاريخ الوزارات العراقية، الجزء الرابع ،مصدر سابق.

[8] - د. فالح حنظل، ص. 43 و 133، مصدر سابق.

[9] مستل من عبد الجبار العمر، الثلاثة، ص.136، مصدر سابق.

[10] - المصدر السابق، ص. 134.

[11] - د. فالح حنظل، أسرار، وهذا مايشير إليه بنفسه، في فصل أيام قلقة صص. 59-89 مصدر سابق .