| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. عقيل الناصري

 

 

 

الخميس 3 / 4 / 2014



بمناسبة الذكرى الثمانون

صفحات من تاريخية نضال الحزب الشيوعي العراقي
(2-2)

د. عقيل الناصري


مقاومة انقلاب شباط 1963 (*):

وعند تحليل البيان أعلاه يمكننا القول:

1 - إن عباراته تحريضية واضحة ومركزة، يشوبها مسحة بينة من القلق والخوف على: الذات الحزبية وعلى البلد وثورته والأفق اللاحق، وينم عن معرفة عميقة بعمق الكارثة المتوقعة في حالة نجاح الانقلاب؛

2 - الدعوة إلى المقاومة المسلحة للانقلاب، وهذه تكاد أن تكون المرة الأولى في تاريخه وبخاصةً في عهد الجمهورية الأولى، التي يستبدل الحزب الشيوعي سياسته السلمية، والتي كانت معتمدة طيلة المرحلة التموزية /القاسمية. لكن في الوقت ذاته لم يوضح كيفية الحصول على السلاح، إذ يبدو أنه غير متوفر لديه، لذا طالب السلطة بتوفيره؛

3 - يتضح من البيان انعدام وجود مقومات خطة واقعية للمقاومة لدى الحزب لمثل هذه الحالات الاستثنائية، (خطة طوارئ) (11) تتناسب وعمق الانقلاب ومخاطره. إذ لم يهيء وسائل الدفاع المادية لحماية نفسه ورفاقه وأنصاره، على الأقل، ناهيك عن الدفاع عن الثورة ومكتسباتها، بالرغم من علم الحزب بالانقلاب وتوقع حدوثه منذ فترة طويلة وإن كان لا يعرف على وجه الدقة التغيرات في الموعد. إذ سبق وأن ناقشته المستويات العليا من قيادة الحزب وكوادره المتقدمة وعكستها بياناته السابقة للانقلاب وما تم الكشف عنها من اعترافات بعض قياداته لاحقاً، وما وجدت من محاضر حزبية بحوزة بعض القياديين بعد اعتقالهم.

4 - لم يتطرق البيان إلى اسم عبد الكريم قاسم ولا الآخرين من رجال الحكم.. وهذا يعكس، إلى حد كبير الموقف الذي تبناه أغلب أعضاء اللجنة المركزية للحزب تجاه قاسم أو على الأقل موقف أغلب أعضاء المكتب السياسي التي تشكل بعد عودة سلام عادل من موسكو في النصف الثاني من عام 1962. لكن الحزب تلافى ذلك في البيان الثاني، بغية مشاركة أوسع القطاعات الاجتماعية للمشاركة الجدية في التصدي للانقلاب، ولمعرفته بموقع الزعيم قاسم في وعيها الشعبي؛

5 - لقد كان لسرعة توزيع البيان وقراءته في الشوارع ولنزول كوادر الحزب إلى الشارع، بخاصة في بغداد كان لكل ذلك دوره في نجاح تعبئة الناس وخروجهم الواسع للتصدي ومقاومة الانقلاب، بكل الوسائل المادية التي كانت متوفرة لديها. إذ عمت المظاهرات المناهضة غالبية المدن العراقية، كذلك الكثير من المواقع العسكرية، حيث جرت محاولات فردية الطابع عفوية التنفيذ، للاستيلاء على مشاجب الأسلحة، لكنها أخفقت لكونها: كانت غير منظمة موضعياً؛ ولبطء إيقاع حركة التحدي والرد؛ ثم لفقدانها روحية الوثوب وتعودها على الاتكال وأنتظار الأوامر من الهيئات العليا؛ يضاف إلى ذلك ما لعبته الأخبار الكاذبة التي كانت تبثها الإذاعة في أبو غريب من أخبار ملفقة (12) عن مقتل الزعيم وبرقيات التأييد المنتحلة؛ كذلك عنصر التردد الذي طبع عقول أغلب الموالين لسلطة تموز من غير المسيسين والحزبيين، الذين كانوا على رأس الوحدات العسكرية؛ وأخيراً إلى طابع العقلية العسكرية التي تُربي على طاعة أوامر رُتب القيادات العليا؛

6 - توحي لغة البيان بالمفاجأة غير المتوقعة عن حدوث الانقلاب في هذه الساعة تحديداً، وليس كما أشار زكي خيري في حديثه وتقييمه لجلال الأوقاتي بالقول: [إذ رغم إنذار الحزب له قبل يوم من موعد الانقلاب الذي هو غداً] كما مر بنا. في حين أن الكم الهائل من المعلومات والدلائل تشير جميعها، إلى أن قيادة الحزب تعرف الكثير عن الانقلاب ما عدا ساعته المحددة بالضبط. ولهذا لما [وضع يده على الزناد طويلاً وحينما ضغط عليه أخيراً لم يعمل] كما رصد ذلك حنا بطاطو.

7 - يبدو أن لغة البيان التحريضية، كانت جواباً مباشراً على فشل التنظيم العسكري وارتباكه في مقاومة الانقلاب. إذ أوضحت الوقائع عدم وجود خطة لدى المكتب العسكري، أو على الأقل لم يسارع إلى تنفيذها إن وجدت، على الرغم من وجود الكم الكبير من الضباط المنتمين والمؤيدين له. لقد قدر ثابت حبيب العاني عددهم في عام 1961 - 1962 بما مقداره: [خمسة آلاف عسكري منهم خمسمائة ضابط بين ملازم وزعيم منتظمين في الخلايا واللجان الحزبية، وألف ومئتي ضابط أصدقاء متبرعين شهرياً. أي قوانا من الضباط 1700 ضابط...]. أما بصدد قاعدة المؤسسة العسكرية فبلغت [... قوانا أكثر من ثلاثة آلاف عضو، أي بنسبة 2 إلى 2,5%.] (13) إن عدم تحرك هذه الأعداد الغفيرة أثار استغراب الأعداء قبل الأصدقاء، ووضع الباحثين والسياسيين في حيرة قبل أن يضع الشيوعيين أنفسهم، في فهم جوهر هذه الحالة! ترى هل يكمن في آلية العمل الداخلي؟ أم في ضعف وسائل الاتصال؟ أم في غير ذلك. رغم أن زكي خيري يشرح حالة التردد التي أصابت التنظيم العسكري، دون أن يعلل سبب عدم تحركهم، في الوقت الذي خرج فيه التنظيم المدني والجماهير المستقلة والمتعاطفة التي: [... بقيت متكلة على القوى الديمقراطية في الجيش، والحال كانت هذه تنتظر خروج الجماهير إلى الشارع أولاً وقبل كل شيء] إلى درجة [فوجئنا بضعف المقاومة. كنا نعول كثيراً على التنظيم الشيوعي في الجيش الذي كان يضم 400 ضابط و1000 ضابط صف. ولكنهم على العموم مكثوا في بيوتهم وقلّ من بادر منهم ليهرع إلى معسكره حتى جاءهم الانقلابيون إلى بيوتهم ليعتقلوهم أو يقتلوهم فوراً.] (14) . لكون [العديد من قادة الخط العسكري تميز موقفهم بالسلبية وظلوا ينتظرون نتيجة حسم المعركة بين قاسم والمتآمرين دون أن يحركوا ساكنا بانتظار توجيهات تصلهم من الحزب، الأمر الذي أضر بالمقاومة وأضعفها..] (15) .

8 - لم يتضح لماذا يطلب البيان من الجماهير العزلاء، التي خرجت بكميات أذهلت الانقلابيين، الخروج إلى الشوارع والاستيلاء على الأسلحة، ولم يوجه نداءه إلى التنظيم العسكري ليأخذ زمام المبادرة المعاكسة وهو القريب جداً من وسائل التغيّر المادي وهم مختصون بالتنظيم العسكري من تعبئة وهجوم وما شابه ذلك. ربما أن الصراع الذي دار داخل القيادات العليا في تلك الفترة، حول دوام بقاء التنظيم العسكري من عدمه، كان أحد أسباب هذا التلكؤ؟ أم نجده في مزاج الجماهير الحزبية والعسكرية خاصةً، التي كانت متخمة بسياسة الانتظار من الأعلى (الانتظار السلبي) والنابعة من أن [سياسة الدفاع الدائم غير المقترنة بمحاولات التعرض والهجوم ضد العدو، لا تؤدي في النتيجة إلا إلى الهزيمة. وهذا ما حصل بالفعل في 8 شباط حيث لم تستطع القيادة أو أية قيادة أخرى مهما أوتيت من عبقرية بتغير مزاج الجماهيرمن حالة الترقب والدفاع إلى حالة التصدي والهجوم في ساعات محدودة.] (16) وبخاصة العسكريين منهم.

وبالنظر إلى أن مدير الأمن العام لم يُصدر، حسب المعلومات المتوفرة والمنشورة، البيان الذي أملاه الزعيم قاسم عليه وطلب منه توزيعه من قبل منتسبي مديريته في عموم القطر وهذا يمثل أحد الألغاز التي لم يكشف النقاب عنه، ولكن ممكن حدسه، آنذاك وزع الحزب الشيوعي عبر رفاقه وأنصاره بيانه الثاني في حدود الساعة الثانية عشر (17).

طالب البيان بتحدي قرار الانقلابين وعدم المثول لمنع التجول وداعيا إلى السلاح والحصول عليه من خلال الاستيلاء على مراكز الشرطة لقمع المؤامرة، وهذا نصه (18) :

إلى السلاح لقمع مؤامرة الاستعمار والرجعية

أيها الشعب العظيم!

الخونة المتآمرين محصورين في أبو غريب. إن بعض الزمر تحاول توسيع عملياتها في بعض أنحاء الكرخ.

الجماهير الشعبية تسيطر في جميع أنحاء بغداد وسائر بقاع البلاد.

إننا ندعو الجماهير لمهاجمة الجيوب الرجعية وسحقها دون رحمة وعدم الانتظار.

إن استقلالنا الوطني أمام خطر مؤكد. إن مكتسبات الثورة أمام خطر مؤكد.

اسحقوا المتآمرين الخونة دون رحمة. استولوا على السلاح من مراكز الشرطة ومن أي مكان وجد فيه، وهاجموا المتآمرين عملاء الاستعمار.

إن الخونة يحاولون من الجو قصف معسكر الرشيد ووزارة الدفاع وسائر المعسكرات التي تسيطر عليها جماهير الجنود والضباط المخلصين.

إن الزعيم عبد الكريم والعبدي والمهداوي وسائر الضباط المدافعين عن استقلالنا الوطني يمسكون الآن بدفة قيادة الجيش.

إن دحر وسحق المتآمرين هي المهمة العاجلة من أجل صيانة الاستقلال ومن أجل الديمقراطية.

الحزم والجرأة والأقدام لصيانة الاستقلال الوطني. مارسوا حقوقكم الديمقراطية كاملة. إن تقليص حقوق الشعب الديمقراطية هي التي أعطت للخونة مجال التآمر.

إلى السلاح، إلى الهجوم في كل أنحاء بغداد والعراق لسحق جيوب عملاء الاستعمار المتآمرين.

بغداد في 8 شباط 1963 الحزب الشيوعي العراقي


وهكذا أخذ البيان الثاني يؤكد نبرة التحدي واستنهاض الهمم لمهاجمة قوى الانقلاب من خلال السيطرة على مراكز الشرطة، بعد أن علم مركز الحزب عدم موافقة الزعيم قاسم على توزيع السلاح على الجماهير، لذا دعا الناس إلى البحث عنها من أي مصدر كان.. كما وردت في صلب البيان إشارات إدانة إلى المرحلة القاسمية ذاتها، التي قلصت من حقوق الشعب الديمقراطية. أما ذكر أسماء الزعيم قاسم والعبدي والمهداوي فجاء هنا لأجل حشد أكبر عدد ممكن من الجماهير للمساهمة في التصدي.. وفي الوقت نفسه لمّح البيان إلى مضمون البيان الصادر في 3 كانون ثاني 1963، عندما حذر السلطة من الانقلاب وبشكل ملموس حيث كشف عن الطابع التآمري الذي كان يحاك.

وحول ما يملكه الحزب من قاعدة اجتماعية كبيرة مؤيدة في الجيش، كما مر بنا، وعلى سبيل المثال في بغداد، يرصد حنا بطاطو ذلك: [ ... فقط في معسكري الوشاش وأبو غريب كان ملاك الحزب 128 عضواً، أما معسكر الرشيد فكان أهم حصون الحزب سواءً من ناحية ضخامة العدد أم من ناحية أقدمية الانتماء للحزب...] أما بالنسبة للقطاعات المدنية [... وبعد قول كل شيء، يجب الاعتراف بأن الشيوعيين كانوا يتمتعون أيضاً بتأييد جماهيري أصيل. وإذا كان الشيوعيون يوحون بالخوف، مثلاً، في حيَّيْ الأعظمية والتكارتة القوميين أو في منطقة المنصور الثرية، فإنهم كانوا يثيرون في الأماكن الفقيرة والعمالية البحتة مثل مدينة الثورة أو تبة الكرد في جانب الرصافة، ومنطقتي الكريمات والشواكة في جانب الكرخ من بغداد، رعشة أمل ترحب بوصولهم إلى نفوذ واسع. وهذا تاريخ أمين لابد من تسجيله..] (20) .




الهوامش :

*** سينشر الموضوع في الثقافة الجديدة بمناسبة الذكرى الثمانون لتأسيس الحزب
11- يقول مؤلفا سيرة سلام عادل: [وخطة الطوارئ لم تكن مفهومة أيضاً لعدم التثقيف بها لسنوات طويلة بسبب الكتلة] ص 346.
12- في اعتقادنا أن الأخبار الملفقة التي كانت تبثها إذاعة الانقلاب، كانت بوحي من خبراء الانقلابات العسكرية، ولم تأت إلا بعد دراسة تأثيراتها على نفسية الفرد في المجتمع العراقي وما تفعله من إحباط لروح المقاومة.
13 - راجع مجلة رسالة العراق، ، العدد 5 تموز/ يوليو، 1995، ص 21.
14 - زكي خيري، صدى السنين، مصدر سابق، ص 208 وما بعدها.
15- ثمينة ناجي ونزار خالد، سيرة، مصدر سابق، ص 346.
16 - صالح دكلة، من الذاكرة، مصدر سابق، ص 84.
17 - يؤرخه بطاطو في الساعة الحادية عشر والربع، وزكي خيري في الحادية عشر، وثمينة ناجي يوسف اقتبست ما ذكره بطاطو، وأخرين في الثالثة بعد الظهر. في الوقت الذي أرجح فيه أنه صدر في حدود الثانية عشر، لأن البيان رقم 8 الذي أذاعه راديو الانقلاب والذي بموجبه مُنِعَ التجول أُذيع ما بعد الحادية عشر والنصف.
18 - راجع صورة للبيان لدى من أحمد فوزي، الساعات الأخيرة، ص 237، وهو يطابق ما نشره سمير عبد الكريم في الجزء الثالث ص.38.
19- زكي خيري ود. سعاد خيري، دراسات في تاريخ، مصدر سابق، ص 351
20 - حنا بطاطو، الجزء الثالث، مصدر سابق، ص 209.
 



صفحات من تاريخية نضال الحزب الشيوعي العراقي(1-2)

 

 

free web counter

 

 

كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس