| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. عبدالجبار منديل
Salal17@yahoo.com

 

 

 

 

السبت 9/2/ 2008

 

الفساد في العراق ...الوباء القديم الجديد

د. عبد الجبار منديل *
www.salal17@yahoo.com

يتصور البعض خطأً ان الفساد الإداري والمالي هو ظاهرة جديدة في العراق والعالم . ولكن في حقيقة الأمر فان الفساد هو قديم قدم قيام الدولة . فمنذ ان قامت دولة نشأ معها الفساد . ولا توجد دولة في العالم ليس فيها فساد ولكن بنسب متفاوتة . لذلك فإن منظمة الشفافية العالمية تضع سلما لتقييم نسب الفساد ثم تضع درجات لنسبة الفساد في دول العالم في تقرير سنوي . ومن المعروف ان الدول الاسكندنافية تقع في رأس قائمة الدول التي تخلو من الفساد حيث تتراوح نسبة النزاهة فيها بين 95 – 100% في حين يأتي العراق وبنغلاديش والسودان في ذيل القائمة من حيث انخفاض النزاهة واستشراء الفساد في الجهاز الحكومي.
والفساد يشمل مساحة واسعة من الأعمال والتصرفات غير الشرعية التي تندرج ضمن عمليات الفساد . منها ما يخص المسؤول السياسي ومنها ما يتعلق بالمسؤول الإداري . ولكنها في كل الأحوال تعني اي استغلال او استعمال غير مشروع للسلطات او الصلاحيات الممنوحة للمسؤول . ومنها مثلا اساءة استخدام صلاحيات الوظيفة او استغلال الأموال العامة او السيطرة عليها واختلاسها او استعمالها لغير الأوجه التي اعدت لها . او اشاعة جو الوساطة والمحسوبية وحماية الأقارب والأزلام من القوانين والعقوبات او تعيينهم بمناصب اكبر من مؤهلاتهم وقدراتهم العلمية وامكاناتهم الشخصية وخبراتهم . او التعتيم المتعمد على سير الإجراءات والأعمال الشخصية او استغلال النفوذ في إدارة أعمال خاصة ..الخ .
كما ان هناك الكثير من الإجراءات والأعمال التي تقوم بها الدولة في العراق مثلا لا تنطبق عليها بأي شكل من الأشكال معايير النزاهة والشفافية العالمية . فتعيين اعضاء الحزب او الأحزاب التي تسيطر على السلطة بمناصب رفيعة قد تكون اعلى بكثير من مؤهلاتهم او قدراتهم المهنية والعلمية هو شكل سافر وصريح من اشكال الفساد . اضافة الى ان الكثير من الأعمال التي تقوم بها الدولة جهارا نهارا مثل تعيين المحاسيب او الأقارب او المحازبين في المناصب او الوظائف سواء اكانت سياسية ام ادارية ام حزبية هي فساد صريح .
وللأسف فان الفساد في العراق له جذور بعيدة . ولا نريد ان نعود الى زمن الدولة العباسية او العثمانية او عصر المماليك بل اعتباراً من تأسيس الدولة العراقية الحديثة التي بدأت مسيرتها منذ عام 1921 . ويتذكر ابناء الجيل القديم من امثالي اننا كنا نربط بين نظام نوري السعيد وبين الفساد وكنا نتصور بسذاجة انه بزوال نظام نوري السعيد فأنه سوف يزول الفساد ولكن ذلك لم يحدث للأسف . وتكرر الأمر مع نظام عبد السلام عارف ثم تكرر مع نظام البعث . وكان الفساد يعود المرة بعد المرة بكل قوة وجبروت وكأنه يتحدى الزمن اويتحدى اماني الجماهير التي وصلت معه الى درجة اليأس .
وفي الحقيقة فان الفساد الاداري والمالي في العراق اصبحت له منظومة راسخة واصبح مرضا مستعصيا . ومثل كل الأمراض المتوطنة اصبح متوطنا .وتم توطينه بإتفاق غير مكتوب بين كل الجهات السياسية او باسم تعيين(المناضلين) من اعضاء الأحزاب او بأسم الأقربون اولى بالمعروف او بأسم اغاثة المظلومين والى غير ذلك من الشعارات التي استخدمتها كل النظم التي تعاقبت على حكم العراق . ومن هذه الشعارات ايضا تفضيل اهل الإخلاص على اهل الخبرة . وهذه ليست قضية جديدة . فمنذ بداية الخمسينات عندما بدأت الجمهوريات الإنقلابية في العالم العربي وكبار الضباط من الإنقلابيين يرفعون شعار الإخلاص اولاً والخبرة ثانياً . وبالطبع فإن الإخلاص يكون لمن يتربع على دست الحكم ولكنه يتحول بعد ذلك لمن يجلس بعده ثم يتحول لاحقاً الى المصلحة الشخصية حيث يستنتج المسؤول من خلال التقلبات السياسية والإدارية بأن مصلحته الشخصية يجب ان يكون فوق كل المصالح وما يتبع ذلك بالطبع من نهب للمال العام وعقد الصفقات المشبوهة وإستيفاء العمولات الخ .
كان كاتب هذه السطور قد نشر بحثا مطولاً على الشبكة العنكبوتية في عام 2000 اي قبل سقوط النظام في العراق يتطرق فيه الى الفساد . وكان الفساد آنذاك مشخصاً وواضحاً . فثمة رأس للفساد وثمة أيد وأرجل وذيول وكلها واضحة ومعروفة . وكان الكثير من الناس يظنون انه ما أن يسقط رأس الفساد حتى يسقط الفساد كله ولكن ما حدث كان العكس . فما سقط النظام حتى انطلق مارد الفساد من القمقم . وبدلاً من الرأس الواحد اصبح له الف رأس ورأس . واصبح له شكلا اخطبوطيا يذكّر بالوحش الإسطوري في الميثولوجيا اليونانية والذي كان يسمى (ميدوزا) ما ان تقطع له رأس حتى ينبت له الف رأس بحيث اصبح القضاء عليه يصل الى درجة الإستعصاء . واصبحت الأحزاب الجديدة تساهم في نشر ثقافة الفساد من خلال التهافت على (كعكة) السلطة وإستبعاد ذوي الخبرة والكفاءة لقد توطن الفساد في العراق واصبحت له بيئة ترعاه وتساعد على استشراءه وإستفحاله . وأصبحت الدولة والمجتمع معا تشرعان للفساد . ويمكن تلمس ذلك من خلال كثير من الظواهر ومن ذلك مثلاً :
1- عندما يقوم اكبر جهاز تشريعي في البلاد (مجلس النواب) بمنح نفسه واعضائه امتيازات ورواتب تصل الى عشرات الملاين من الدنانير شهريا وهي اعلى بعشرات المرات من متوسط مستوى رواتب الموظفين في جهاز الدولة اليس ذلك تشريعاً للفساد ؟
2- وعندما تقوم السلطة التنفيذية وأعضائها بمنح انفسهم إمتيازات ومصاريف نثرية سرية بعشرات ومئات الملايين من الدنانير والدولارات اليس ذلك تشجيعا ودعما للفساد ؟
3- وعندما تقوم بعض الأحزاب بالدفاع عن هذا العضو او ذاك من اعضائها والتستر عليه على الرغم من انه قام بجرائم مخالفة للقانون اليس في ذلك دعوة للفساد ؟
4- وعندما يتكئ احد المسؤولين في المحافظات على بطانة او حاشية لتشكل بعد ذلك مجموعات ضغط او (لوبي) وما ان توقفه الدولة او تعزله عن العمل بسبب تقصيره او فساده حتى تسارع هذه المجموعات الى القيام بالتظاهر لإعادته الى منصبه لأنه (كفء) و(مخلص) اليس في ذلك ترسيخ للفساد ؟
والى غير ذلك من الظواهر وهي كثيرة . ولكن هل يمكن القضاء على هذه الآفة الخطيرة اذا كانت الدولة على هذه الدرجة من التعقيد ؟ .. نعم يمكن . فإذا كان لدى الدولة نية صادقة في القضاء على الفساد فإن ذلك يجب ان يتم من خلال معالجات جذرية وجريئة وعلى الشكل التالي :
اولاً – الغاء مبدأ المحاصصة . هذا المبدأ الذي ارسى ثقافة الفساد وفق اتفاق غير معلن .
ثانياً – اصدار تشريع ينص على ان العضوية في اي حزب هي خدمة عامة وطوعية وليست امتيازاً يجعل من الحزبي مواطناً من الدرجة الأولى وبقية المواطنين مواطنين من الدرجة الثانية والثالثة . وانه يقوم بواجبه بدون اي مقابل من قبل الدولة . ويتم تعيين الحزبيين في وظائف العامة على قاعدة واحدة مع العراقيين .
ثالثاً – ادراج العناوين الوظيفية للوزراء واعضاء مجلس النواب ضمن قانون خدمة موحد لكل العراقيين والغاء كل قوانين الخدمة الخاصة .
رابعاً – اعلان ميثاق وطني عراقي لكل الأحزاب بأنها تسعى الى الخدمة العامة فقط بدون اي أهداف مادية او مالية خاصة .
خامسا – تطبيق القوانين بصرامة واعتبار ان الجميع يجب ان يخضعوا لقانون واحد موحد دون اي تمييز بسبب الإنتماء او القومية او الطائفة او المجموعة السياسية او الإثنية .

*
اكاديمي عراقي / كوبنهاغن

 

Counters