| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. عبدالجبار منديل
Salal17@yahoo.com

 

 

 

الأحد 18/5/ 2008



تنامي روح القطيع في بعض الكيانات السياسية العراقية

د. عبد الجبار منديل  *
salal17@yahoo.com

الفلسفة الرواقية الأغريقية تقول ان افضل وسيلة لتحريك الجماهير والسيطرة على اذهانهم هي زرع الخوف والأمل فيهم وهو نفسه ما كان يسميه العرب القدماء ( الترهيب والترغيب ) او ما يسميه الغرب حاليا ( العصا والجزرة ) . ولكن ذلك ليس كل شيئ فثمة اساليب اخرى لتحريك الجماهير استجدت في العصر الحديث .
فمثلا ما الذي يحرك الجماهير العراقية اليوم ؟ .. شبان مهووسون يقاتلون في صف واحد بحماس واندفاع ثم ينقلبون ليقاتلوا بعضهم بعضا بنفس مستوى الحماس والإندفاع ما الذي يحركهم ؟ او من الذي يحركهم ؟ .. وبالطبع فان هناك دائما اجابات جاهزة في الوقت الحاضر . واغلب الإجابات تقول ان الإحتلال هو من يزرع الفتنة ، ولكن هل الإحتلال لديه القدرة السحرية على دفع هؤلاء الناس ليقتل بعضهم بعضا ؟ او ليقتلوا ابناء جلدتهم ؟ ثم ان ذلك كان يحدث قبل الإحتلال . ومن يعرف تاريخ العراق الحديث يعرف ان ذلك حدث قبل وجود اي احتلال ، حدث في الأربعينات والخمسينات ، وحدث قبل ذلك وبعد ذلك ، ويحدث الأن يوميا في اكثر من مدينة من مدن العراق .
بداية يجب ان نعرف سايكولوجية الجمهور. فالجمهور او ( الشعب ) بالتعبير المتداول كان وما يزال يكتسب صفة القداسة في برامج وكتابات وبيانات الكثير من الكتل والتيارات السياسية العراقية . في حين ان الجمهور ( الشعب ) شيئ هيلامي لا يمكن تحديد ابعاده وصفاته وفقا لتلك الكتابات . فإذا كان الشعب هو مجموع سكان الدولة فإن سكان الدولة هم عبارة عن كتل مختلفة واحيانا متنافرة ومتضادة بل لا يحترم بعضها البعض الأخر ، لا يحترم مقدساته ولا خياراته و لا يعترف بها ، اي لا يعترف به ككيان له خصوصية ، وقد رأينا ذلك في تاريخ كثير من الدول ومنها العراق . وحتى لا نذهب بإتجاه بعيد عن موضوعنا فذلك موضوع منفصل يحتاج الى بحث خاص ، فلنعد الى موضوع الجمهور .
الأفراد ( كائنا من يكونوا ) عندما يندمجون بالجمهور يفقدون صفتهم الفردية وسايكولوجيتهم الفردية ويتحولون الى قطيع ، يجري وراء انفعالاته او وراء غرائزه او وراء الإطار الذي وضع نفسه ضمنه او العنوان الذي اختاره ، لذلك فان الدفاع عن ذلك الإطار او العنوان يتحول الى مسألة كرامة او دفاع عن الذات وخياراتها ، لذلك فإن البيانات الموجهة لذلك الإطار تجعل من ينتمي اليه يتحرك بروح القطيع وينعدم في هذه الحالة التفكير الفردي او التحليل الفردي الذي هو من عادة الأفراد كبشر طبيعيين ويبدأ التفكير بروح القطيع . لذلك فإن اول ما تفعله النظم الدكتاتورية او الفاشية هي قتل الروح الفردية لدى البشر بحجة انها روح انانية او تقف ضد الجماعة والجماعة في هذه الحالة هي ( القطيع ) .
ان الهوس في تقديس بعض القيادات السياسية لدى بعض الأفراد هو هوس مرضي بسبب كونهم انسلخوا من فرديتهم او ان هذه القيادات سلخت منهم فرديتهم ووضعتهم ضمن أطر ثابتة وتم تحويلهم الى صواميل ضمن ماكنة كبيرة يمكن تحريكها بالضغط على الأزرار حيث يتحركون عند الضغط على الأزرار بل يتقاتلون ويموتون عند الضغط على هذه الأزرار . واحيانا تدخل هذه الأزرار في صلب شخصية عضو القطيع . انها نوع من غسل الدماغ الجماعي لذلك فإنه ليس من الغريب ان يقاتل بعض الناس من اجل اهداف غامضة ويموتون من اجل اشياء مبهمة . فهم يموتون دون ان يعلموا لماذا يموتون كما تموت القطعان السائمة .
عندما تنصهر شخصية الفرد في الجماعة وتذوب في التنظيم يتحول ذلك التنظيم الى عقل ذلك الفرد وهذا ما يحدث في بعض الجماعات الدينية او السياسية المتطرفة والمتعصبة .
ان الجمهور- عندما يجتمع معا – هو كتلة صماء ليس لها عقل وانما لها غرائز ، فالجمهور في الملاعب الرياضية مثلاً يتعطل عقله في حين تنطلق غرائزه التي تتعلق باقدام اللاعبين والكرة التي تجري امامهم لذلك فان الزئير المرعب الذي ينطلق من جمهور الملاعب انما هو صراخ حيواني غرائزي لكيانات لم تعد تفكر وانما تستجيب لغرائز الإنسان البدائي الكامن فيها .
كما ان الكيانات السياسية او الدينية او الميليشيات المنغلقة تمنح اعضائها نوعاً من الرضا الذاتي بما يجعلهم يشعرون بالتميز وبأنهم يمتلكون صفات استثنائية لا يمتلكها الأخرون خارج كياناتهم . وهذا بالضبط ما تسعى الى غرسه بعض القيادات السياسية ولاسيما في الكيانات المتعصبة . وكلما ارتفعت قناعاتهم الى مستوى المقدسات كان ذلك افضل للقيادات لأنه من السهل في هذه الحالة تحريك الموالين بالإتجاه المرغوب لأنهم يكونون طيعين ومنقادين بل ومندفعين .

*
اكاديمي عراقي / كوبنهاغن
 

 

Counters