| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. عبدالجبار منديل
Salal17@yahoo.com

 

 

 

الأثنين 16/6/ 2008



دور التخلف في نشوء الحركات السلفية

د. عبد الجبار منديل *

منذ اواسط القرن الماضي ظهرت الكثير من الدراسات الأكاديمية التي تتعرض للتخلف وتصف مظاهره المتعددة ، وكان ذلك استجابة لبروز العديد من الدول النامية بعد الحرب العالمية الثانية وخلال فترة الخمسينات والستينات من المستعمرات السابقة التي استقلت حديثا . لذلك فقد اصبحت شائعة المواد العلمية والبحوث في المؤسسات الجامعية والبحثية التي تتحدث عن علم اقتصاد التخلف وعلم اجتماع التخلف او التنمية الإقتصادية والتنمية الإجتماعية الخ .
ان عملية التنمية ليست عملية سهلة كما يتخيل البعض ، فهي ليست فقط عملية بناء مؤسسات صناعية او تربوية او خدمية، بل هي عملية تغير بنية اجتماعية كاملة . وبما ان البنى الاجتماعية القديمة والراسخة تمتلك في جذورها هياكل وقيم مقاومة للتغيير فأن هذه الهياكل والقيم تجد في التغيير تهديدا لوجودها، بيد انها تدعي انه تهديد لوجود المجتمع ككل، لذلك تجد الكثير من الأنصار من افراد المجتمع الذي يسعى نحو التغيير، لأن التخلف يكمن اساسا في روح ونفسية وذهنية انسان المجتمع المتخلف .
ان ابرز السمات لدى الإنسان المتخلف هو انه يحتفظ بمجموعة من المسلمات التي يعتبرها غير قابلة للمس . فهي اقانيم مقدسة يمنع منعا باتا المساس بها او مناقشة فيما اذا كانت تمتلك مثل هذه القداسة فعلا ام لا ؟ فهي مثل الأصنام لدى الشعوب الوثنية التي يمنع الفرد نفسه قسرا من التفكير في الميثولوجيا الخاصة بها ، بل ويمنع غيره من ذلك . وهكذا يتحول المجتمع كله الى حارس للمقدسات تستعصي على المناقشة والتحليل العلمي لأنها من ضمن الممنوعات ومن ( التابو) العقائدي المحرم .
ان منهجية البحث العلمي التي مارستها المجتمعات المتقدمة قبل ان تنهض هي التي اتاحت لها منذ قرون ان تضع بواكير النهضة العلمية في العالم . فقد اتاحت لها فعلا ان تكتشف عدم مركزية كوكب الأرض وبأن الأرض ليست اكثر من كويكب صغير تائه في فضاء الكون اللامتناهي وهي التي اتاحت لها الغاء هندسة اقليدس السكونية ذات الأبعاد الثابتة وهي التي اتاحت لها ان تكتشف عن طريق الحفريات والتنقيبات بان عمر الكون ليست اربعة الاف سنة كما كان يؤكد القدماء بل هي الاف الملاين من السنين ( تقدر باربعة مليارات سنة ) وهي التي اتاحت لها الخروج الى الفضاء الخارجي الذي كان البعض في السابق يعتقد بانه فضاء مغلق .
ان من طبيعة الإنسان المتخلف هو ان لديه مجموعة من الأفكار الجامدة التي يفسر بها كل شيئ على عكس الإنسان المتطور الذي يعتمد فلسفة اللايقين ويخضع كل شيئ للبحث والتمحيص الى ان يصل الى الحقائق النسبية . وحتى هذه الحقائق او الأفكار لا يجعل منها مسلمات بل هي حقائق مؤقتة يمكن ان يتحقق عكسها في حالة مواصلة البحث والتدقيق .
ان قيم التخلف تدفع المجتمع دفعا نحو السلفية . فالروح السلفية هي تعبير عن الفشل في مواجهة الحاضر او الشعور بالعجزتجاه قوى الحداثة والعلم، لذلك فإنها تدفع الى النكوص الى ( الماضي السعيد ) والإحتماء بأمجاده عن الواقع المعقد في الوقت الراهن . وهي كلما واجهت فشل جديد اوغلت اكثر الى التلذذ بذكرى الماضي التليد من خلال طمس عيوبه وجوانب فشله والمبالغة في تضخيم حسناته ونجاحاته . وهكذا يتحول الماضي الى عالم من السعادة والمجد والعظمة على عكس الحاضر الذي هو عنوان الخذلان والعجز .لذلك فالسلفية هي نوع من الهروب من فشل الحاضر الى فردوس موهوم في الماضي .
ان العنف الذي تلجأ اليه الحركات السلفية انما هو تعبير عن اليأس وقلة الحيلة وهو تعبير غير عقلاني بل انه تعبير غرائزي وحيواني ، والشدة التي تتصرف بها هي شدة انسان يشعر بالقنوط والإحباط وان ليس امامه الا العنف الأعمى .
تشعر الحركات السلفية انها تتماهى بالبطولات والأمجاد الغابرة والفتوحات العسكرية القاهرة ، لذلك لا ترى من خلاص من مأساة الحاضر الا بالعودة الى الماضي والتراث دون مراعاة حركة التأريخ وتغير الأزمان وتوازن القوى مما يعرضها الى خسارة الحاضر دون ان تربح الماضي .
ان المفروض بالإنسان المتحضر ان يستعمل الماضي كمصدر الهام لمواجهة تحديات العصر وان يكون الماضي المجيد وسيلة لإستنهاض الهمم لا لتخديرها وبما يمنع المجتمع من المرونة في التحرك لمواجهة التحديات واستنباط الأساليب و الأليات التي تتفق مع الوقت الحاضر وتفهم لغة العصر . ودراسة الأساليب التي يستخدمها الأخرون والسعي الى تطويعها وفقا لظروفنا بما يؤدي الى التقدم .
 

* اكاديمي عراقي / كوبنهاغن

 

free web counter