| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. عبدالجبار منديل
Salal17@yahoo.com

 

 

 

السبت 14/3/ 2009



الحزب الشيوعي العراقي ...
لماذا خسر الإنتخابات السابقة ولماذا يخسر الإنتخابات اللاحقة

عبد الجبار منديل *

ينتاب الشيوعيين العراقيين شعور ممض بالمرارة والقنوط نتيجة الإنتكاسات الإنتخابية التي مني فيها الحزب الشيوعي . وتتضاعف الآلام لدى المقيمين منهم في الخارج بالنظر لبعدهم عن حركة الحياة السياسية في العراق .

كبار السن منهم يتذكرون كيف كانت الجماهير العراقية تهب هبة واحدة وتنبري لرفع شعارات الحزب عند اول نداء يصدر عن قيادته انذاك وصغار السن لابد وانهم سمعوا عن ذلك او قرأوا . كانت الجماهير تملأ شوارع بغداد في مظاهرات صاخبة في ليالي بغداد الجميلة وبعضها يمتد حتى خيوط الفجر الأولى بدون ان يرغمهم على ذلك احد . فما هو السر في هذا الإنحسار الهائل في شعبية الحزب ؟

الشيئ الأكيد هو ان الجماهير البسيطة انذاك لم تكن قد قرأت واستوعبت او ربما سمعت بمصطلحات مثل المادية التاريخية والمادية الديالكتيكية او الصراع الطبقي او البلاشفة او المناشفة ولكنها كانت تستجيب لصوت عال وواضح يرفع شعارات عنهم او عن تطلعاتهم . ولكن ذلك الصوت لم يعد له وجود حاليا .

ان انحسار نفوذ الحزب الشيوعي له جملة اسباب ومن هذه الأسباب ما يأتي :

اولا- زيادة شعبية الإسلام السياسي سواء الإسلام السياسي السني او الإسلام السياسي الشيعي . فلإسلام السياسي السني بدأ يتسع بعد فشل المشاريع القومية والهزيمة الشنيعة التي واجهتها الحركة الناصرية ثم ما تبع ذلك من تبني انور السادات له للوقوف ضد الحركة اليسارية في مصر ولكن انقلب السحر على الساحر وقتل السادات على ايدي من كان يدعمهم كما هو معروف . وهو نفس النهج الذي سار عليه صدام حسين .
اما الإسلام السياسي الشيعي فقد بدأ نفوذه يتسع مع نجاح الثورة الإيرانية وكان قبل ذلك قد بدأ بتجديد اساليبه وخطابه السياسي على يد محمد باقر الصدر ثم تبعه محمد صادق الصدر الذي اطلق ما سمي بالحوزة الناطقة وهي ليست فلسفة شيعية او سياسية جديدة بل افكار بسيطة تتعلق بصلاة الجمعة والخطابات الجماهيرية . وكانت في البداية للتنديد بالشيطان الأمريكي الأكبر ومباركة من النظام الذي كانت امريكا تضيق عليه الخناق .

ثانيا- سيطرت على قيادة الحزب الشيوعي بعد سقوط النظام عقدة علاقاتهم مع الزعيم عبد الكريم قاسم والتطرف في الإلحاح على المشاركة بالحكم وقد اعترفوا بعدئذ انه كان شعارا سابقا لأوانه وانهم ما كان لهم ان يحرجوا الحكم انذاك الأمر الذي ساهم في اضعافه امام البعثيين وبالتالي اسقاطه . لذلك فانهم لم يشاءوا احراج الحكومة التي يحاصرها الإرهاب وينهشها من كل جانب . والضغط عليها قد يساهم في تحويلها الى غنيمة سهلة للإرهاب وبالتالي فإنهم لم يرفعوا الشعارات الملحة التي تنادي بها الجماهير . وحتى عندما يرفعونها كانوا يرفعونها بخجل وتردد.

ثالثا- العقدة الدينية ، فالحزب الشيوعي يريد ان يرد على تهمة الإبتعاد عن الدين التي ما زالت تلاحقه منذ ايام الحرب الباردة لذلك فانه لا يريد ان يناهض الأحزاب الدينية التي تسيطر على مقاليد الحكم في البلاد . كما لا يريد ان يعري فسادها وتخبطها حتى يتحاشى اي صدام مع الدين ورجال الدين في الوقت الذي تهاجم هذه الأحزاب بعضها البعض وتعمل على فضح متبادل للفساد والمحسوبية التي تغوص فيه جميعها السنية والشيعية منها .

رابعا- ( التعقل ) الزائد عن اللزوم للقيادات الشيوعية العراقية لكي تنفي عن نفسها خصلة التطرف التي كانت لصيقة بها في الخمسينات والستينات . ولكن الجماهير الهائجة والجامحة والجائعة لا تحتاج الى قادة ( متعقلين ) بل تسير وراء القادة الذين ينفعلون بانفعالاتها مهما كانت هذه الإنفعالات حادة او عنيفة . فالتعقل في مراحل التحولات التاريخية الكبرى ليست له شعبية او جماهيرية وبالتالي فأن هؤلاء القادة لن يجدوا من يسير ورائهم او يختارهم كمممثلين له قادرين على ايصال صوته او النطق باسمه .

خامسا- احجامهم عن التعبير عن ارائهم بوضوح في الأزمات الكبرى او الأحداث التي يمر بها البلد وكأنهم ليسوا طرفا من اطراف العملية السياسية .

سادسا- حجة ( قلة ذات اليد) باعتبار ان اغلب الأطراف السياسية في العراق خلفها جهات عربية او اجنبية تدعمها ماديا وسياسيا . ولكن تلك حجة غير صحيحة . فقد اظهرت الأنتخابات المحلية الأخيرة ان هنالك قوائم واشخاص فازوا باغلبية كبيرة ليس بسبب ذلك الدعم وانما لديهم اراء واضحة ووجهات نظر متطابقة مع تطلعات الناس كما ان لديهم اصوات عالية توصل كل ذلك الى الشعب . وهذه الأطراف ليست منزوية او مترددة بل تعرف ما تريد وتعرف ماذا تريد الجماهير كما تعرف كيف تبلور تطلعات وامال الناس على شكل شعارات وبرامج تلقى استجابة قوية .

بعد كل هذه الأسباب التي اوردناها نستنتج ان قيادة الحزب الشيوعي تستخدم التكتيك غير المناسب في الوقت غير المناسب وبالتالي فانها لا تستطيع صياغة التكتيك الذي يلائم المرحلة .
 

* اكاديمي عراقي / كوبنهاغن

 

free web counter