| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

أ.د. عبدالجبار منديل
Salal17@yahoo.com

 

 

 

الثلاثاء 13/4/ 2010



فلاسفة عصر التنوير في اوربا ـ عمانوئيل كنت
(1)

أ.د. عبد الجبار منديل *

بعد فترة الهيمنة المطلقة للكنيسة على الحياة في اوربا في القرون الوسطى وسيطرة رجال الكهنوت وعلم اللاهوت على الحياة الفكرية فيها سادت موجة من ردود الفعل المناهضة لتلك الهيمنة وتعالت الدعوات الى تحرير العقل واعطائه ما يستحقه من منزله في مواجهة الخرافات والاساطير ابتداء من الفيلسوف الانكليزي فرنسيس بيكون (1632ـ1677) و الفيلسوف اسبينوزا الذي قال ان العلم وحده هو القوة والحرية ولا فضيلة الا بالعقل .

ولكن تلك الثورة الفكرية والتطرف في تمجيد العقل ادت الى وضع العقل في مواجهة الدين واعلن البعض بأن العقل قد انتصر على الدين وان العقل لا يؤمن الا بما هو محسوس وملموس وخاضع للتجربة وبما ان الميتافيزيقا غير ملموسة ولا محسوسة وغير ممكنة الخضوع للتجربة فأنه لا يمكن الايمان بها .

قام (كنت) بدراسة تلك المسألة وهي العلاقة بين الدين والعقل. ودعا الى اختبار اهلية العقل الذي نصب نفسه حاكما على اهلية الدين . وهل العقل معصوم من الخطأ؟ وهل هذا العقل مؤهل لأن يحكم على بطلان الدين الذي آمن به ملايين من الناس من ملايين السنين ؟ وهكذا جاء (كنت) ووضع العقل في قفص الاتهام وقام بمحاكمته عن طريق كتابه الشهير (نقد العقل الخالص).

ولد عما نؤيل كنت في كونسبرج في بروسيا (المانيا)عام 1724 لاسرة فقيرة من اصول اسكتلندية . كانت امه شديدة التمسك باهداب الدين واقامة الشعائر الدينية بشكل يفوق ماهو متعارف عليه ولكن هذا التطرف في التدين ادى رد فعل معاكس عندما شب عن الطوق فقد اعتزل الكنيسة وكفر بعلم اللاهوت .

عاش كنت مرحلة الشباب في عصر فردريك الكبير ملك بروسيا ذلك العصر الذي كان يتسم بالحرية الفكرية والتسامح الديني حيث كان تعصف باوربا الافكار التحررية تحت تاثير الفلاسفة الفرنسيين من امثال فولتيير وجان جاك روسو ودينيس ديدرو صاحب الموسوعة الفلسفية الشهيرة لذلك فقد اعتنق الافكار التي تدعو الى الحرية الفكرية والانعتاق من رقبة افكار اللاهوت المتزمتة التي تمنع التفكير الحر وتقوم بالحجر على العقل والفكر .
في عام 1755 بدأ كنت عمله كمحاضر خاص في جامعة كونسبرج وبقي في هذا المنصب خمسة عشر عاما الى ان تم تعيينه استاذا للمنطق والميتافيزيقيا في عام 1770.

لم يتوقع احد ان يبدع هذا الاستاذ غير المعروف كثيرا خارج جدران الجامعة نظاما جديدا للميتافيزيقيا كان له الاثر الكبير في اوربا وهزها هزا قويا . وقال عن الميتافيزيقا بانها محيط مظلم لا شواطيء له ولا منائر يهتدي بضوئها في خضمه تبعثرت فيه حطام الكثير من السفن الفلسفية التي عصفت بها امواجه .

تميز هذا الفيلسوف الضئيل الحجم والذي لا يتجاوز طوله الخمسة اقدام بالاعتدال والانطواء على نفسه . لقد كان طوال حياته ملتزما بقوة بالنظام والدقة سواء في العمل او في اوقات الترويح عن النفس . فكان يستيقظ في الصباح فيبدأ بشرب القهوة فالكتابة فالمحاضرة فالغذاء ثم الخروج من منزله للنزهه وعندما يظهر عمانؤيل كنت بمعطفه الرمادي والعصا في يده على باب منزله ويبدأ بالسير نحو المتنزه القريب يعرف الجيران ان الساعة بلغت منتصف الرابعة تماما .

كان الفيلسوف كنت ضعيف البنيه مما اضطره الى التحفظ كثيرا لوقاية نفسه وكان يعتقد بأن الوقاية خير من العلاج لهذا فقد عاش ثمانين عاما . كما انه لم يتزوج وبقي عازبا طوال حياته متفرغا لعمله العلمي والفلسفي وكان يعتقد بأن الزواج سيحول بينه وبين التفرغ الكامل للبحث عن الحقيقة .


(يتبع القسم الثاني والاخير)
 

 

* اكاديمي عراقي / كوبنهاغن

 

 

 

free web counter